“ارتباط وثيق بين تزايد عمليات اختطاف الرهائن وتصاعد دور وسطاء الإرهاب داخل القارة الإفريقية، بعدما باتت تعج الأخيرة بالعديد من التنظيمات والمجموعات الإرهابية التي تختطف الأجانب؛ بمن فيهم عاملون في المجال الإنساني”، هذه أبرز خلاصات ورقة بحثية بقراءة تحليلية معمقة أنجزتها ونشرتها مؤسسة “تريندز” للبحوث والاستشارات (بحثية فكرية مستقلة)، واضعة ظاهرة “وسطاء الإرهاب” في إفريقيا تحت مجهر البحث الأكاديمي.
الورقة الصادرة ضمن “البرامج البحثية لدراسات الإسلام السياسي”، عن قسم مختص، رصدت “تصاعُدا ملحوظا في ظاهرة وسطاء الإرهاب داخل القارة الإفريقية” خلال السنوات الماضية، مسجلة أنها “بدأت تطفو على السطح مع توسع التنظيمات الإرهابية المختلفة في اختطاف الأجانب من أجل الحصول على فدية مالية”؛ كما أشارت إلى “لجوء بعض الحكومات والأجهزة الأمنية إلى هؤلاء الوسطاء للتواصل مع التنظيمات الإرهابية بهدف المساعدة في الإفراج عن المختَطفين”.
ومن أجل تفكيك تزايُد دور وسطاء الإرهاب بشكل متعاظم، سعى مُعدّو الورقة البحثية إلى الإجابة عن الأسئلة: “ما أسباب تزايد عمليات خطف الرهائن في إفريقيا؟”، و”مَن وسطاء الإرهاب وما هي سماتهم؟ وما الدور الذي يقومون به؟ وما أسباب تصاعد دور وسطاء الإرهاب وما أنواعهم؟ فضلا عن مستقبل الظاهرة.
أدوار وسمات
رصدت الورقة ذاتها، التي توفرت لهسبريس نسخة منها، “علاقة طردية بين عمليات اختطاف الرهائن وظاهرة وسطاء الإرهاب”، موضحة أنه “كلما تزايدت عمليات الاختطاف من قبل المجموعات الإرهابية تزايَدَ دور وسطاء الإرهاب، إذ تسعى الدول التي ينتمي إليها الرهائن إلى إطلاق سراحهم، وتقبل –في بعض الأحيان- بدفع فدية مالية لكن بشكل غير علني، حتى لا تُتهم بدعم الإرهاب وتمويله، والرضوخ لمطالب الإرهابيين وعدم امتلاك الشجاعة لمواجهتهم مواجهة حاسمة”.
وحسب المصدر ذاته فإن القيام بعمليات الوساطة يشترط بحث هذه الدول عن “همزة وصل غير مرئية” بينها وبين المجموعات الإرهابية الخاطفة، التي ليست سوى “وسطاء الإرهاب”.
سمات الوسطاء حددتها الورقة في كونهم، في الوقت نفسه، “قريبين من المؤسسات الأمنية” في الدول التي وقعت فيها عمليات الاختطاف، حتى لا تصطدم بتلك المؤسسات، ومن ثم تفشل جهودها التي تبذلها في عمليات الوساطة. بينما “تحوّل بعض الزعماء المحليين في بعض الأحيان إلى لعب دور وسطاء إرهاب؛ نظرا لمعرفتهم الكبيرة بالتركيبة الاجتماعية-العرقية أو التوازنات القبائلية”.
“أكثر من وسيط؟”
“وسطاء الإرهاب ليسوا فردا واحدا أو اثنين، بل شبكة متكاملة ترتبط ببعضها أحيانا”، تورد المؤسسة البحثية، لافتة إلى أن “العملية الواحدة قد تحتاج إلى أكثر من وسيط”؛ وتابعت شارحة دورة ومسارات هذه الوساطة: “بدءاً من الوسيط الحكومي ومرورا بالوسطاء المحليين وانتهاءً بالوسطاء المباشرين مع التنظيمات الإرهابية، وذلك في ظل عدم قدرة الأجهزة الحكومية في مناطق الصراعات وبؤرها على نيل ثقة السكان المحليين في تلك المناطق؛ ولاسيما أن هؤلاء السكان قد لا يعرفون في أحيان كثيرة سوى زعماء القبائل”.
أدوار “وسطاء الإرهاب” ليست أبدا “مجانية أو من باب الإنسانية”، بل إن العديد من المكاسب يقطفون ثمارها، من أبرزها: بناء شبكة علاقات قوية وجيدة مع حكومات المنطقة وأجهزتها الأمنية، ما يوفر لهم الحماية والحصانة الأمنية التي تساعدهم على تعزيز نفوذهم في مناطقهم؛ كما يحصلون “مكاسب مالية طائلة من التوسُّط لدى التنظيمات للإفراج عن الرهائن المختطفين؛ سواء بالحصول على عمولة من الطرفين، أو من خلال تحديد نسبة من قيمة الفدية يحصلون عليها مقابل دورهم في عمليات التفاوض”.
لماذا يتزايد خطف الرهائن في إفريقيا؟
تُبوّئ “عمليات اختطاف الرهائن” القارةَ الإفريقية المرتبة الأولى عالميا؛ وفق مؤلفي الورقة البحثية التي عدّدت “مجموعة من العوامل والمحفزات التي تشجع التنظيمات الإرهابية في القارة على التوسع في الاختطاف”.
عامل “الرغبة في الحصول على الأموال الطائلة” من أبرز العوامل التي تدفع الشبكات الإرهابية إلى تكثيف أنشطتها لخطف رهائن أو احتجازهم.
“المواطنون الأجانب من السياح والعاملين في الشركات الدولية هم الهدفُ المفضل لعمليات الاختطاف”، حسب المصدر المذكور، مسجلا “استجابة سريعة من الحكومات الغربية للفدية”؛ لاسيما أن تلك التنظيمات “تسارع إلى إعلان عملية الخطف للضغط على تلك الحكومات، عبر بث مقاطع مصورة للرهائن وهم يستغيثون بحكوماتهم لإطلاق سراحهم”.
كما ذكرت الورقة من الأسباب “سهولة عمليات الاختطاف”، وتشكُّل ما يُصطلح عليها بـ”اقتصاديات الفدية”.
وحددت الدراسة عوامل تزايد دور وسطاء الإرهاب في “حرص الحكومات على تجنُّب دفع الفدية بشكل علني”، باسطة حيثيات “صعوبات” تعترض طريق “التفاوض مباشرة مع الخاطفين”، وعوائق “تحرير الرهائن بالقوة مقابل رغبة الحكومات في الإفراج عن مواطنيها بسرعة”.
توقعات بانتعاش الظاهرة
في حال استمرار التنظيمات الإرهابية في إفريقيا في اختطاف الرهائن، وخاصة من مواطني الدول الغربية، من المؤكد أن الأمر “سيشجع المزيد من الميليشيات المسلحة والحركات القومية على الدخول إلى مجال خطف الرهائن، ما يعني تصاعد دور وسطاء الإرهاب خلال المرحلة القادمة، وانضمام فئات جديدة من رجال القبائل والسياسيين ورجال الأعمال والمتطرفين السابقين إلى منظومة الوسطاء”.
وتوقعت الورقة أن “تتزايد عمليات خطف الأجانب في القارة الإفريقية وانتقالها إلى مناطق أخرى من العالم، بعضها يعاني الفوضى والهشاشة الأمنية، وبمثابة تربة خصبة لخطف الرهائن، وبالتالي انتعاش هذه الظاهرة وانتشارها”، ودعت إلى “اتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنية التي تحول دون السماح للتنظيمات الإرهابية باختطاف مزيد من الرهائن من قبل حكومات الدول التي تنشط فيها المجموعات الإرهابية؛ ما يفرض على الدول الغربية تقديم العون والمساعدة لهذه الحكومات”.
المصدر: وكالات