لا حديث في أوساط الموظفين إلا عن “المكاسب” التي جناها رجال ونساء التعليم بعد الإضراب العاصف الذي شل المدرسة العمومية لأزيد من شهرين، قبل أن تقود المفاوضات بين الحكومة والنقابات إلى إقرار زيادة قدرها 1500 درهم على دفعتين؛ الأمر الذي فتح الباب أمام قطاعات أخرى لتجريب حظها مع الإضراب لتحقيق مطالب تهم تحسين وضع الشغيلة المادي في ظل تداعيات التضخم التي تؤرق بال غالبية الأسر، وخاصة من الطبقة الوسطى.
وفي ظل هذا المشهد، يقفز إلى الواجهة موظفو قطاع الجماعات الترابية ومتصرفو الإدارات العمومية الذين قدم لهم موظفو قطاع التعليم “فرصة ذهبية” للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتحسين الأجور بعيدا عن الحوار الاجتماعي المتعثر بين الحكومة والمركزيات النقابات.
في تعليقه على الموضوع، قال عبد الحفيظ اليونسي، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة الحسن الأول، إنه “بعد تعيين الحكومة وتنصيبها من طرف البرلمان في العلاقة مع الملفات الاجتماعية، تمت مأسسة الحوار الاجتماعي ووضع لجنة عليا للحوار الاجتماعي، ثم هناك لجان تقنية تشتغل على الملفات التي لا يزال فيها خلاف بين الحكومة والنقابات”.
وأضاف اليونسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مخرجات الحوار بين النقابات التعليمية والحكومة وإقرار الزيادة المقدرة في 1500 درهم بينت أن “إجراءات مأسسة الحوار الاجتماعي لم تؤت أكلها”، متسائلا: “لماذا لم تستطع مأسسة الحوار الاجتماعي أن تحل مشكلة أدت إلى هدر الزمن المدرسي والمس بالأمن التعليمي والاجتماعي لأبناء المغاربة، خصوصا الفقراء منهم”.
وسجل الأستاذ الجامعي أننا أمام احتجاج “ذي طبيعة فئوية عرفت انخراطا واسعا لم يعرفه المغرب منذ التسعينيات؛ ولكن هذا الحراك ليس مصبوغا بصبغة نقابية من حيث المؤسسة، بل هو منظم من طرف التنسيقيات ويتجاوز النقابات”، معتبرا أن هذا السلوك يؤشر على وجود “أزمة حقيقية لدى مؤسسات الوساطة المعترف بها دستوريا من الأحزاب والنقابات”.
وبخصوص الاتفاق، أفاد المحلل السياسي ذاته بأن تجاوب الحكومة مع مطالب الشغيلة التعليمية بالزيادة “في جميع الحالات تؤشر على حسن نية الحكومة لحلحة المشكلة التي وقع فيها المغرب”، مبرزا أن السؤال الذي يطرح في هذا الملف هو “ما الذي دفع الحكومة إلى التأخر وألا تأخذ بعين الاعتبار مصلحة التلميذ المغربي والهدر الزمني؟”، موضحا أن “هناك تثمينا للخطوة؛ ولكن في الوقت نفسه هناك ضعف الحس السياسي لدى هذه الحكومة وحس استباقي لتجاوز هذه الإشكالات”.
وحول ما إذا كانت نتائج إضراب قطاع التعليم ستشكل حافزا لقطاعات أخرى على الاحتجاج، قال اليونسي: “بدون أي تحليل أو أي شيء، الجواب هو نعم.. والدليل على ذلك هو أن هناك حراكا الآن على مستوى الجماعات الترابية، وأيضا على مستوى متصرفي الوزارات العمومية، والتنسيقية هي الآن بصدد إعداد برنامج نضالي سيكون في الاتجاه نفسه”.
كما تساءل المتحدث ذاته عن أسباب انفجار الطلب الاجتماعي في هذه المرحلة لدى قطاعات واسعة من الموظفين، قبل أن يجيب: “ذلك متعلق بالزيادة في الأسعار وعدم قدرة الموظفين على ضمان العيش بكرامة والتضخم؛ لكن في الوقت نفسه الحكومة ملزمة بتقديم أجوبة ذات مصداقية، لا مطالبة الموظفين أو الأجراء أو العمال بالصبر على الدولة إلى حين لتحسين وضعيتهم وتفهم وضع الدولة”، مؤكدا أن هذا الأمر يجب أن يسري على “جميع المكونات؛ على الفاعل العمومي، والحكومي، على السلطة المحلية، على السلطة الترابية، على المنتخبين، وأيضا المواطن”.
وتوقع اليونسي أن يشهد المغرب “حراكا اجتماعيا متناميا في قطاعات أخرى ما دام أن أسلوب الاحتجاج والضغط قد نجح في ملف التعليم”، حسب تعبيره.
وفي السياق ذاته، سجل رشيد لزرق، الأستاذ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أن رفع الحكومة الحالية شعار الدولة الاجتماعية يقتضي “مداخل على رأسها التعليم والصحة بالدرجة الأولى”، مبينا أن ملف أسرة التعليم أدى إلى “بروز مفارقة تتمثل في تضاؤل دور النقابات وبروز التنسيقيات التي تضغط من خارج المؤسسات وتوظف وسائل التواصل الاجتماعي عوض الآليات التقليدية والكلاسيكية في التفاوض والحوار”.
وأضاف لزرق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ضغط التنسيقيات “خلف تصعيدا في سقف المطالب والتي استطاعت أن تحقق هذه المكتسبات”، مؤكدا أنه مع هذه النتائج “النقاش الذي يطرح في الوقت الراهن هو إلى أيّ حد مازالت النقابات تحافظ على مصداقيتها ودورها، خاصة أن هناك قطاعات أخرى تتجه إلى فتح النقاش مع الحكومة؟”.
وتساءل المحلل السياسي ذاته “إلى أي حد النقابة كهيئة وتمثيل فئوي ما زالت قادرة على إقناع قطاعها بالشكل الكلاسيكي؟ وهذا يطرح أمامنا سؤال إلى أي حد مازالت هناك حاجة إلى النقابات في المغرب؟”، معتبرا أن النقابات الأكثر تمثيلية “أصرت على عدم إشراك التنسيقيات في الحوار، لأن إشراكها يعني الضرب في قيمتها ومصداقيتها. وهذا يعني أن القطاعات ستتوالى فيها الإضرابات”.
وشدد لزرق على أن النقابات ما زالت هي “الشريك الرسمي القادر على ربط قنوات التواصل بين الحكومة وموظفي القطاع العام”، مبينا أن التساؤل الذي يطرح في هذه المرحلة هو مدى حضور النقابات الأكثر تمثيلية فعليا في الحركات الاحتجاجية التي يعيشها القطاعات؟”، مبرزا أن ما حققه قطاع التعليم نتيجة ضغط رجال ونساء التعليم سيكون “محفزا لموظفي باقي القطاعات، خاصة على مستوى الجماعات الترابية والمتصرفين وقطاعات أخرى يتوقع أن تشهد فعاليات احتجاجية أخرى على شكل تنسيقيات”.
وذهب الأستاذ الجامعي إلى أن هذا الوضع أسهم فيه ارتفاع نسبة التضخم وعشرية صعبة في القطاع الفلاحي الضروري للسلم الاجتماعي بالبلاد، متوقعا أن يكون حوار الحكومة “صعبا في المستقبل” مع باقي القطاعات الأخرى، حسب رأيه.
المصدر: وكالات