أثارت مسألة الحضانة نقاشا واسعا خلال مرحلة تعديل مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة حاليا)، سواء من طرف أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية التي أشرفت على مراجعة المدونة، أو من طرف جمعيات المجتمع المدني التي تم الاستماع إليها. وقد تواصل النقاش حول هذه المسألة في البرلمان.
ومن بين النقاط التي أثيرت بشأنها ملاحظات خلال مناقشة مشروع مدونة الأسرة أمام البرلمان عبارة “الرعاية الدينية”، الواردة ضمن شروط الحاضن، حيث رأى برلمانيون أن العبارة المذكورة لا حاجة إلى النصّ عليها، وكانت هناك اقتراحات بالاستغناء عنها وحذفها بعلّة أن الحاضن، خاصة الأب أو الأم، يُفترض فيه القيام بهذه المهمة.
ولم يحظ هذا الاقتراح بترحيب وزير العدل آنذاك، حيث أكد أن التنصيص على ورود شرط الرعاية الدينية ضمن شروط الحاضن “يخدم مصلحة المحضون”، وأن “النص عليه في القانون أولى من عدمه لأنه يتضمن على الأقل التزاما قانونيا في مواجهة الحاضن أو الحاضنة بالقيام بهذه المهمة”.
وتكشف المعطيات الواردة في مجلد الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة أن وزير العدل آنذاك تشبث بالتنصيص على عبارة “الرعاية الدينية” في المادة 173 من مدونة الأسرة، مشيرا إلى أن النصّ على هذا الشرط في القانون فيه أيضا تهذيب لخلق الأطفال، وأن “اشتمال نصوصنا وتشريعنا على مثل هذه المقتضيات هو فخر لنا لما يحققه من حسن التربية”.
ونصت المادة 173 من مدونة الأسرة، التي بدأ العمل بها سنة 2004، في الفقرة الثالثة منها على “القدرة على تربية المحضون وصيانته ورعايته دينا وصحة وخلقا، وعلى مراقبة تمدرسه”.
وعلاقة بذلك، كانت مسألة سقوط الحضانة مثار نقاش خلال مراجعة مدونة الأحوال الشخصية، حيث طالبت العديد من الجمعيات بالمساواة بين الأب والأم في أسباب سقوط الحضانة، وعدم حرمان الأم من الحضانة عند زواجها.
واستندت الجمعيات التي تبنت هذا المطلب على كون حرمان الأم من الحضانة عند زواجها يتعارض مع الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وطالبت بحذف زواج الأم كسبب من أسباب سقوط الحضانة “لأن ذلك يتعارض مع حقها في الزواج وفي الأمومة”.
اللافت في الموضوع هو أن أحد أعضاء اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية كشف أن تطبيق حرمان الأم من الحضانة بعد زواجها أدى إلى مشاكل أضرّت بالمحضون من جهة، وبالأم الحاضنة من جهة أخرى، “حيث دفع بالعديد من النساء المطلقات الحاضنات إلى التحايل على القانون بإقامة زواج عرفي، أو العيش في الحرام مخافةَ سقوط حضانتهن”.
ودافع أعضاء من اللجنة عن حق المرأة في الاحتفاظ بحضانة مولودها بعد الزواج، على اعتبار أن “الزواج حق من حقوق الإنسان ولا يمكن وضع المرأة بين خيارين كلاهما مُر، فإما أن تتنازل عن حقها المشروع المتمثل في الزواج لتحافظ على الحضانة، وإما أن تتخلى عن فلذة كبدها مقابل الزواج، وهذه معادلة صعبة للغاية”.
وقال أحد الأعضاء الذين دافعوا عن حق الزوجة المطلقة في الحفاظ على حضانة طفلها إذا تزوجت مرة أخرى، بعد أن أشار إلى أن الزوج لا يُحرم من الحضانة إذا كان حاضنا وأقدم على الزواج، إن “الضرر الذي يلحق الأبناء من زوجة الأب يفوق بكثير ما قد يلحقهم من طرف زوج الأم”.
مقابل هذا الرأي عبّر أعضاء آخرون عن موقف مخالف، استنادا إلى أن الموضوع محسوم في الشريعة الإسلامية، مستندين إلى قول الرسول ﷺ لامرأة حينما جاءته تشتكي، فقال لها: “هو لك ما لم تتزوّجي”.
واقترح أحد الأعضاء الرافضين لإبقاء الحضانة للأم إذا تزوجت التنصيص على أن “زواج الحاضنة بغير قريب من المحضون له حق الحضانة أو وصيّ عليه يُسقط حضانتها إذا طالب بها من يليها في ترتيب الحاضنين، ولا تسقط حضانتها رغم زواجها إذا كانت وصيا على المحضون أو كان هو لا يقبل مرضعا غيرها”.
عضو آخر من أعضاء اللجنة عبر عن رفضه للمساواة بين الرجل والمرأة في أسباب سقوط الحضانة، مبرزا أن سقوط الحضانة عن المرأة الحاضنة بعد زواجها بني على قواعد شرعية، وأن الحاضنة “إذا تزوجت على ولدها الصغير وأنجبت من زوجها الثاني قد يصبح هذا الولد عرضة للضياع”.
وأوضح أن “الشريعة الإسلامية، رأفة منها بهذا الطفل ورعيا لمصلحته، انتزعته من أمه لتجعله تحت حضانة قريبة أخرى غيرها”.
وحسمت اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية النقاش حول مسألة سقوط الحضانة عن الأم بعد زواجها بالتنصيص على أن زواج الأم الحاضنة لا يُسقط حضانتها إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع سنوات، أو يلحقه ضرر من فراقها، وإذا كانت بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم، وإذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون، وإذا كانت نائبا شرعيا للمحضون.
المصدر: وكالات