لا تتحمّس الحساسيات الأمازيغية كثيرا لرغبة الوزارة المنتدبة المكلفة بإصلاح الإدارة والانتقال الرقمي بتوسيع دائرة “أعوان الأمازيغية”، الذين يبلغ عددهم في الوقت الحالي 460 عونا، من أجل مواصلة الاضطلاع بمهمة تقديم خدمات الإرشاد والتوجيه للمرتفقين بـ”تمازيغت”؛ لأنها ترى أن “الرفع من عدد هؤلاء على المستوى الوطني وتعميم المرافقة على قطاعات أخرى، لا بد أن تسبقهما الاستجابة لمطلب قديم، ألا وهو حل مشكلة ظروف عملهم الحالية”.
الجهات الحكومية مازالت تتعهد بـ”تعزيز استعمال الأمازيغية، خصوصاً في التواصل والتشوير”، وأطراف من الحركة الأمازيغية تثمن “جهود الحكومة على أعلى مستوى في هذا الاتجاه”، غير أن مشكلة “تأهيل الموارد البشرية”، التي يطرحها النشطاء المنطلقون من خلفية مطلبية، تظل “حاضرة في النّقاشات المتعلقة بالرفع من عدد الأعوان وفق التقطيع الترابي الوطني، لكونه يطرح أكثر من إشكال”، بتعبير نشطاء.
“ظروف هشاشة”
عبد الله بادو، عضو المكتب التنفيذي للشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، قال إن “مشكلة أعوان الأمازيغية، هي أن هذا الملف يتم تدبيره وفق منطق التدبير المفوض، مثلما هو معمول به بالنسبة لأعوان الحراسة الخاصة وعمال النظافة، أي إنه يكرس الهشاشة الوظيفية، لكونها ليست وظائف عمومية قارة ودائمة”، مسجلا أن “هذا المنطق في التشغيل يعتبر هذه الوظيفة مسألة ثانوية، في الوقت الذي كان يتعين أن يتم توظيف هؤلاء الأعوان مباشرة في وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أو وزارة العدل”.
وأضاف بادو، في تصريح لهسبريس، أن “نماذج كثيرة من عقود العمل التي توصلت بها فعاليات أمازيغية تبين أنها لا يمكن أن تضمن استمرارية حيوية الأمازيغية داخل المرفق العمومي”، مؤكدا أن “تشغيل هؤلاء لدى شركات المناولة يصعّب معرفة كيفية تدبير هذه العقود وآليات التوظيف المعتمدة، لأنه في أحيان كثيرة يُشترط التوفر على ديبلوم تقني، والإشكال المطروح الآن متعلّق بالأهلية، فمسألة تملك اللغة مسألة جد هامة، بما أن لدينا من درس الأمازيغية وتخصص فيها ويستطيع التواصل بها وكتابتها”.
ومضى الفاعل الأمازيغي قائلا: “بعض هؤلاء الأعوان اشتكوا من كون ظروف تشغيلهم لا توفر لهم الحماية أمام الشركة المكلفة بالصفقة، في غياب معلومات كافية بخصوص كيفية فوز شركة بعينها بهذه الصّفقة دون غيرها، لا سيما وأن التّدبير غير واضح”، مبرزا أن “الأجور بنفسها لا تتجاوز 3500 درهم، وهذا لن يجعل هذه المهنة جذابة ولن يعزز الرغبة في امتهانها إلا من باب الترقيع ودفع البطالة، والحال أن هذه المهنة يجب أن تكون أكثر تنظيما لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”.
وتابع شارحا بأن “توسيع هذه المهن يتعين أن يتم أولا برؤية استشرافية، وأن يضمن أبرز حقوق الشغيلة، وهي الترقي والاستقرار المهني. لا بد من الحفاظ على هذه المهنة لكي تكون خدمة مضمونة في جميع المرافق العمومية”، خالصا إلى أن “عملية التوظيف داخل هذه القطاعات التي تقدم خدمات للمواطنين يتعين أن تخرج من نطاق اختصاصات صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرّقمي واستعمال الأمازيغيّة، ومحاسبة الشركات التي لم تحترم الشروط في التجربة الحالية”.
“تهميش الكفاءة”
أحمد عصيد، حقوقي ناشط أمازيغي، تساءل عن “الغاية من استمرار هذه الأوضاع التي مازالت تهمش الباحثين الذين تلقوا تكوينا جيدا في اللغة الأمازيغية، سواء في سلك الإجازة أو الماستر وحتى الدكتوراه”، مسجلا أن “هذا يطرح مشكلا حقيقيا إذا لم تستطع الدولة تجاوز هذا المنطق الترقيعي، قبل التفكير في إجراء أي توسيع أو تعميم له، رغم أنه يظل غير كاف عموما، بالنظر إلى الحاجة المرتفعة إلى التوجيه بتمازيغت في مناطق كثيرة”.
وأشار عصيد، في تصريح لهسبريس، إلى أن “اللجوء إلى شركات المناولة في هذه الحالة يوضح أننا ضيعنا 20 سنة دون الاستفادة من تعميم تدريس الأمازيغية أفقيّا وعموديّا في كل الأسلاك”، موضحا أنه “لو قمنا بذلك منذ بداية الألفية، لكانت لنا الموارد البشرية الكافية والخاضعة للتّكوين الجيد للقيام بمهمة التوجيه والإرشاد وتسهيل ارتفاق الأشخاص الذين أحيانا لا يتقنون سوى اللغة الأمازيغية”، وشدد على أن “المنطق المعتمد حاليا لا يتعامل مع الأمازيغية كلغة رسميّة”.
واعتبر الناشط الأمازيغي ذاته وجود أعوان إداريين للتواصل، “خطوة إيجابية ومهمة”، إلا أنه أكد ضرورة أن “تكون لهم الوضعية السّليمة التي تمكنهم من الاشتغال في ظروف حسنة وتكون مردوديتهم جيّدة، وهذا ما لا تُتيحه ظروف الشغل الحالية لهؤلاء”، مبرزا أن “هذا التخبط يبين أن الدولة خاضت هذه التجربة بدون تهيئة الشروط الضرورية لها وإيجاد جميع الوسائل التي يمكن أن تنجح هذا الورش، ولهذا ورش الأمازيغية مازال متأخرا”.
المصدر: وكالات