هل فَقَدَ سلاح المقاطعة فاعليته بالمغرب؟ سؤال بات يطرح نفسه بقوة في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تواجهها الأسر، جراء الغلاء وارتفاع أسعار المواد الأساسية وتداعيات التضخم والجفاف التي زادت من انحدار القدرة الشرائية للمواطنين.
وأمام هذا الوضع، تعددت المبادرات والحملات الرقمية المنادية بالمقاطعة من أجل الضغط على الشركات وكبار المنتجين من أجل خفض الأسعار؛ غير أن جميع تلك المبادرات والحملات باءت بالفشل، ولم تحقق النجاح والزخم الذي لاقته حملة المقاطعة الشهيرة إبان سنة 2018.
وعاش المغرب خلال العام 2018 حملة مقاطعة غير مسبوقة في تاريخ المملكة، استهدفت 3 علامات تجارية بالبلاد. وأدت تلك الحملة، التي أحدثت ضجة كبيرة على المستويين السياسي والاقتصادي بالمملكة، إلى إلحاق أضرار اقتصادية وتجارية بها ودفعت العديد من الشركات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التجارية بالبلاد.
ومع موجة الغلاء التي تعيشها البلاد، شهد الفضاء الرقمي إطلاق العديد من المبادرات والحملات الرامية إلى مقاطعة بعض المنتوجات من أجل خفض أسعارها، إلا أنها باءت بالفشل ولم تلقَ التجاوب المطلوب.
الفتور وأسبابه
سجل عبد الرحيم شلفوات، أستاذ السياسات الإعلامية والثقافة الرقمية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن سلاح المقاطعة يعرف في الوقت الراهن “فتورا” وليس فقدان الفاعلية بالمغرب.
واعتبر شلفوات أن حملات المقاطعة في السياق المغربي ارتبطت بـ”التعبير عن الحرية في الاختيار وبرفض الظلم الاقتصادي ومظاهر الاحتكار”، مؤكدا أن هذه العوامل ما زالت قائمة ومن خلال استمرارها يتبين أن الحاجة إلى المقاطعة ستستمر.
وسجل أستاذ السياسات الإعلامية والثقافة الرقمية أن نجاح حملات المقاطعة يحتاج إلى سياق وصفه بـ”الخاص”، لافتا إلى أن نجاح حملة مقاطعة ثلاث شركات سنة 2018 جاء كـ”جزء من سياق سياسي محتقن بعد حراك الريف وتزامنا مع نشاط كبير لشباب الألتراس في ملاعب كرة القدم”.
وتابع المتحدث ذاته مفسرا افتقار حملات المقاطعة الرقمية إلى الزخم الشعبي في الواقع، بالضعف الذي يعيشه اليوم “الحراك سواء في الشارع أو في الفضاءات العمومية غير الرقمية، بالإضافة إلى ضعف خطاب المعارضة سواء داخل المؤسسات أو خارجها.
فهم الدرس
لم يغفل شلفوات دور الشركات والمؤسسات في إبطال مفعول هذه الحملات، حيث اعتبر أن الهيئات والشركات التي تتعرض لحملات المقاطعة فهمت الدرس وتنظم “حملات رقمية دعائية تشوش على دعوات المقاطعة”.
وشدد الأكاديمي ذاته على أن هذه الحملات تنشط إما بشكل “مباشر من خلال مواقع أو صفحات أو مؤثرين تابعين لها، أو بشكل غير مباشر من خلال تشتيت الانتباه عبر تكثيف التركيز على بعض القضايا الهامشية”، موضحا أن الاستثمار الرقمي الضخم الذي ظهر خلال الانتخابات الأخيرة “خير دليل على ذلك”.
كما لفت شلفوات إلى ضرورة الانتباه إلى أننا اليوم نعيش في واقع ما بعد كورونا، مبرزا أن حملات المقاطعة تنجح في حالات “الوفرة”، حيث يمكن الاستغناء الطوعي عن بعض المنتجات لإجبار الشركات وكبار المنتجين على تخفيض أثمنتها.
واعتبر المتحدث ذاته أن حالة الإغلاق المستمر أيام كورونا أوجدت “واقعا جديدا يتسم بـ’الندرة’ التي تجعل المقاطعة صعبة جدا من الناحية النفسية، بسبب سيادة الخوف من المجاعة أو من الغياب الكلي لمواد أساسية”، واستدرك قائلا: “رغم ذلك، يمكن القول إن سلاح المقاطعة سلاح في حالة كمون، ولا شك سينجح عند توفر حد أدنى من الشروط الموضوعية”، حسب تعبيره.
غير مجدية
قال أحمد شراك، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، “لا شك في أن المغاربة ذاقوا الويلات من الأسعار الحامية، والتي وصلت إلى ما يكنى بالمنتوجات الشعبية؛ مثل الدجاج على مستوى اللحوم، الذي كان في متناول الطبقات الواسعة نظرا للثمن البسيط الذي كان يحمله ويجعله في متناول حتى الفئات الشعبية الهشة”.
واعتبر شراك، في حديث مع هسبريس، أن المقاطعة “خطاب سهل قد يبدو للناظر أو المكتوي بلهيب الأسعار مخرجا”، وأضاف أنه لا يشك في أن المواطنين سينخرطون بكثرة في هذه المقاطعة إذا توفرت شروطها.
وسجل المتحدث ذاته أن المقاطعة من الزاوية السوسيولوجية تبدو في الظاهر “رابحة ومربحة، لكن إلى أي مدى تستقر الأسعار، بعد مقاطعة بعض المنتوجات لمدة زمنية محدودة، كعشر أيام أو خمسة عشر يوما، خاصة بالنسبة للمواد التي يمكن الاستغناء عنها”.
وتابع أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس موضحا: “صحيح أن الدجاج يمكن الاستغناء عنه، كما يمكن الاستغناء حتى عن اللحم؛ ولكن لا يمكن الاستغناء عن الخضر لأنها تشكل البنية التحتية للتغذية بالنسبة لجماهير عريضة من المواطنين”.
واعتبر شراك أن الاحتجاجات على هذه الأوضاع المعيشية الغالية ينبغي أن تأخذ “شكلا احتجاجا جماهيريا أو تأخذ صبغة أسئلة شفوية في البرلمان وما إلى ذلك، على اعتبار أن المقاطعة في نظري تبقى أمرا ثانويا”، وزاد مبينا أن المقاطعة جاءت من أجل “الحد من غلاء الأسعار وليس من أجل تحسين أوضاع اقتصادية، كما هو الحال بالنسبة للإضراب عن العمل أو رفع المردودية والاستجابة الى مطالب الشغيلة”.
وختم المتحدث ذاته قائلا: “إن السؤال العريض الذي يطرح على الجماهير الواسعة المتضررة من الغلاء الفاحش يبقى هو: إلى أي حد ستكون للمقاطعة جدوى فعلية وأثر حقيقي على حياة المواطنين، ليس هنا والآن؛ ولكن على المدى المتوسط على الأقل؟”.
المصدر: وكالات