قال شوقي علام، مفتي الديار المصرية، إن المملكة المغربية “أثرت الحياة العلمية، في كافة جوانبها وتخصصاتها”، وأضاف في مداخلة له، الأربعاء، بكلية الآداب في جامعة محمد الخامس بالرباط: “أنا أنتمي إلى المذهب المالكي، والمملكة أثرت الحياة العلمية فيه على نحو فريد، في تجربة أولتها عناية خاصة من حيث التنظير والتطبيق، ويشرفني أن أحضر في الدروس الحسنية للمملكة العريقة الشقيقة، في حضرة أمير المؤمنين الملك محمد السادس”.
وزاد: “أكثر الأولياء والصالحين في مصر يرجعون في جذورهم الأولى إلى المغرب، ومنهم القطب أحمد البدوي. وأبو الحسن الشاذلي تلميذُ قطب من أقطاب المغرب هو عبد السلام بن مشيش”.
وحول دور المقاصد الشرعية في البناء الحضاري، قال مفتي مصر إنه لا كلام عن البناء الحضاري إلا بالحديث عن بناء الإنسان؛ “فقد حرص الدين الإسلامي وشرائع الله التي أنزلها على رسله على بناء الإنسان الحقيقي، الذي يكون خليفة لله في الأرض، ومكون هذا الأساس هو القرآن والسنة”.
وذكر في هذا الإطار أن الرسول قد مكث مدة طويلة دون أن ينزل عليه شيء متعلق بالعلاقات الاجتماعية، لأن “بناء الإنسان هو الأول، فلا ثمرة للقوانين دون أن تصاحبها ثقافة حقيقية لحسن التطبيق، وإذا وجدت هذه الثقافة سيكون الإنسان قد ارتقى ووصل إلى قمة التحضر”.
وأورد أن “الإحسان منطلق البناء الحضاري، والمسلمون الأوائل دخلوا البلدان وفتحوا القلوب قبل الأراضي، في أندونيسيا وماليزيا”.
وبجانب الدين، قال المفتي شوقي علام: “يوجد العلم، وأول آية نزلت من القرآن {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، والعلم رفيق فهم الدين، وبدونهما لا نستطيع بناء حضارة (…) وآيات القرآن الكريم في مجملها وتفصيلاتها تعنى بالتفكر والتدبر وإعمال العقل، والعلماء بعد ذلك فهموا هذا، وعكفوا ليس فقط على العلوم الشرعية بل العلوم كافة، وبرع علماء المسلمين في علوم الطب والفلك والفلسفة والفيزياء والكيمياء والتشريح والبصر، وأول تشريح للقرنية كان على يد علماء المسلمين، ومخطوط هذا الكتاب الطبي موجود في مكتبة جامع القرويين بمدينة فاس”.
وواصل مستحضرا كون “عائلات من فقهاء المالكية قد أولت هذا العلم عنايتها الكاملة ولم تقف عند العلوم المساعدة على فهم النص الشرعي، بل صاروا أطباء وفلاسفة، فعائلة ابن رشد امتد فيهم العلم لزمن طويل، وليس العلم الشرعي فقط، والمملكة المغربية ساهمت في توضيح الصورة الحقيقية لديننا الحنيف”، في حديث عن كون “العلوم عند المسلمين غير منفصلة بل متكاملة”.
وذكر المتحدث أن “المقاصد الشرعية غير منفصلة عن هذه العلوم، وهي {مطبوخة} بأصول الفقه، ولا تفصل عن منهج آبائنا وأجدادنا، والمقاصد في جملتها هي الحياة، من أجل الحياة المستقيمة، وتهدف إلى حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض، ويوجد من أضاف النسل”.
ثم استرسل شارحا: “المقاصد الشرعية متغلغلة في بناء الإنسان، ولا يمكن أن تتم إلا من خلال تكامل العلوم، فلا يمكن معرفة ما يضر بالعقل إلا بالبحث العلمي، وفي عصرنا، عصر التخصص، نحتاج الحوار والتلاقي والتكامل لنعرف الحدود المشتركة بين العلوم، والإنسان هو الأساس في التقدم والبناء، ثم يأتي دور الفتوى الصحيحة، وهو مهم للبناء والتحضر، فالفتوى الشاذة عائق للتطور”.
وشدد مفتي مصر على أن “الفتوى تحتاج فهم الواقع الحضاري، بدقة وفي أبعاده المختلفة، وفي الفتاوى أحتاج الذهاب إلى عالم الاقتصاد مثلا لفهم واقع قد أكون أجهله، وتتغير الفتوى بتغير الحال والشخص والزمان، وبعد مرحلة فهم الواقع، يأتي التكييف، ثم الانتقال إلى النص والدليل الشرعيين، قبل أن تأتي الفتوى ثمرة لهذه العملية العقلية؛ وما حرك داعش فتاوى تصدر من أناس لم يعيروا اهتماما للعلم الشرعي الأصيل، الذي يتلقاه المرء في المعاهد المعتبرة مثل القرويين بفاس والزيتونة بتونس والأزهر الشريف بمصر ومحاضر اليمن، وكانت فتاوى سلبية قد أدت إلى مفاسد عديدة”.
المصدر: وكالات