“مشاورات مغلقة” تلك التي احتضنها مقر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة حول قضية الصحراء المغربية، وهي مشاورات منتظمة جاء منصوصا عليها في آخر قرار للمجلس رقم 2654 الذي تم اعتماده في 27 أكتوبر 2022.
ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء، عن مصادر دبلوماسية وصفتها بالمتطابقة، أن “أعضاء مجلس الأمن تلقوا، أول أمس الأربعاء (19 أبريل)، إحاطة من ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، وألكسندر إيفانكو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء ورئيس بعثة المينورسو”.
واتسمت نقاشات أعضاء مجلس الأمن بالإجماع، حسب المصدر ذاته، الذي أكد على “الدعم القوي للعملية السياسية التي تجري تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل واقعي وعملي ودائم وقائم على التوافق لقضية الصحراء المغربية”.
وحظيت دينامية دي ميستورا، المدشنة عبر مشاورات ثنائية غير رسمية، لاسيما مع المغرب والجزائر وموريتانيا نهاية مارس الماضي في نيويورك، بإشادة وتقدير الدول الأعضاء في المجلس؛ مما يؤكد وضع الجزائر كطرف رئيسي في هذا النزاع الإقليمي الذي افتعلته وعملت على إطالته لمدة نصف قرن، في تحدٍّ لمصالح شعوب الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي ومصيرها المشترك.
تشبث بالحل السياسي
تعليقا على مستجدات الموضوع، أكد محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الأمر يتعلق فعلا بـ”مشاورات مغلقة بشكل ممتد زمنيا، كان الهدف منها هو إحاطة مجلس الأمن بتطورات قضية الصحراء المغربية التي يعِيها جيدا المبعوث الشخصي الأممي”، مؤكدا أن “مجلس الأمن قد أحِيط بمختلف المعطيات عن التطورات والزيارات والمحادثات التي قام بها دي ميستورا في إطار مساعيه”.
وأشار نشطاوي، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنها “تطورات في مجملها مرتبطة بمخرجات القراريْن 2654 و2602 وتؤكد أنه لا وجود لأي حل لقضية الصحراء دون أن تكون الجزائر طرفا في المشاورات بشأنه”، مشددا على أنها “تأكيد لمعطيات التقارير التي أنجزها هورست كولر المبعوث الأممي السابق”.
ولفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن “مجلس الأمن، ورغم تغير أعضائه غير الدائمين خلال دوراته، يعي جيدا وجاهة وأهمية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي يراها تشكل حلا ذي واقعية ومصداقية”، مضيفا: “لا شك في أن مجلس الأمن واعٍ بكل تطور تنموي اقتصادي واجتماعي يجري في أقاليم الصحراء المغربية”.
“أعضاء مجلس الأمن واعون، أيضا، بأن المغرب هو الطرف الوحيد الذي يقدم حلا سياسيا واقعيا لهذه الأزمة في ظل إصرار جزائري على أنها غير معنية بالنزاع، وضغطها على البوليساريو لإدامته”، أورد نشطاوي، الذي لفت إلى أن “قرارات مجلس الأمن منذ 2018 تؤكد على قلق المنتظم الدولي بخصوص هذا المشكل الذي عمر طويلا، وصار متسببا في وضعية غير مريحة وغير مستقرة بمنطقة الساحل والصحراء، كما تؤكد اقتناعها بأن الحل يجب أن يكون سياسيا”.
وأردف خاتما بأن “المنتظم الأممي، لاسيما أعضاء مجلس الأمن، قلقون من خرق القانون الدولي عبر تجنيد البوليساريو للأطفال في نزاعات مسلحة والمتاجرة في مساعدات إنسانية أممية”، فضلا عن أن “تداعيات إقليمية ودولية لإطالة أمد النزاع من حيث استتباب السلم والأمن العالميين”.
“تشويش وعرقلة”
من جانبه، اعتبر محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن “إحاطة المبعوث الشخصي كانت فرصة لإثارة التعقيدات والتحديات التي يواجهها دي ميستورا في مهامه لإيجاد حل، في مقدمتها تنصل الطرف الجزائري من مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية الملقاة على عاتقها في هذا الملف باعتبارها طرفا رئيسيا فيها”، مؤكدا أنها “بذلك تظل رافضة الانصياع لنداءات متتالية عن الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس الأمن للانخراط في آلية الطاولات المستديرة”.
هذه المشاورات والإحاطات وضعها عبد الفتاح، في تصريح لجريدة هسبريس، في “سياق موجة تصعيد جزائرية عدائية غير مسبوقة تمثلت في التصريحات الأخيرة لكل من وزير الداخلية والرئيس تبون، فضلا عن تعيين مبعوثة مغربية عن اتحاد المغرب العربي بمفوضية الاتحاد الأفريقي؛ ما أثار غضب الجزائر التي تستمر في استعدائها المغرب في كل فرصة”.
كما انصبت الإحاطة، حسب المحلل السياسي المتابع لشؤون الصحراء، على استعراض أمام أعضاء مجلس الأمن لـ”عرقلة البوليساريو لعمل بعثة المينورسو عبر منع الترخيص لدوريات وقف إطلاق النار في المنطقة العازلة وكذلك رفض الترخيص لقوافل الإمداد”؛ فيما تم التأكيد على ضرورة ضمان ظروف العمل الآمن لعناصر البعثة”.
التنمية بالصحراء محط إشادة
“الانتصارات الدبلوماسية والمنجز التنموي والحقوقي في الأقاليم الجنوبية للمملكة فضلا عن انخراط هذه الأخيرة في المسلسل الأممي كان حاضرا ومحط إشادة ضمن النقاش حول الإحاطة بين أعضاء مجلس الأمن في مشاورات مطولة”، أكد الخبير ذاته، لافتا إلى أن “الأوضاع الأمنية المتدهورة في مخيمات تندوف كانت مثار اهتمام وقلق عدد من الدول الأعضاء، نظرا لتداعيات خطيرة ترتبط بتغلغل الإرهاب وانتشار عصابات الجريمة المنظمة وانعكاسات الوضع على الأمن والاستقرار في منطقة الساحل كما القارة”.
وخلص المتحدث لهسبريس إلى أن “مشاورات مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء شهدت إشارة واضحة للالتزام الجدي المغربي بالمساعي الحميدة للوساطة الأممية من خلال الاستجابة المغربية وتسهيل العمل الميداني للبعثة الأممية، مع التنويه باتزان الموقف المغربي برفض الانجرار إلى التصعيد الذي يعكف عليه خصوم المغرب”.
المصدر: وكالات