بينما تسابق الدولة الزمن لاستكمال تعميم التغطية الصحية الإجبارية في إطار ورش الحماية الاجتماعية، عبّر متدخلون في منتدى نظمه المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، بتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، اليوم الجمعة بالرباط، عن مخاوفهم من أن تؤدي النواقص التي تعتري هذا الورش إلى عدم تحقيق الأهداف المتوخاة منه لضمان تغطية صحية شاملة للمواطنات والمواطنين المغاربة.
خديجة كنيان، دكتورة اختصاصية في الإنعاش والتخدير عضو المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، اعتبرت أن من بين العوائق التي تحدُّ من فعالية نظام التغطية الصحية الإجبارية بقاء التعريفة المرجعية التي على أساسها يتم التعويض عن العلاجات في المصحات الخاصة.
وأوضحت كينان أن المواطن ما زال يتحمل نسبة كبيرة من مصاريف العلاجات بسبب عدم مراجعة التعريفة المرجعية، إضافة إلى الأدوية المكلِّفة، قائلة: “حين يتوجه المواطن إلى المستشفى العمومي يجد العلاجات والأدوية البسيطة؛ ولكن حين يحتاج إلى أدوية غالية يُخبر بأن المستشفى لا يتوفر عليها.. وبالتالي يتحمل المواطن الفاتورة، أو يتوجه إلى الطب التقليدي، أو يتخلى عن العلاج نهائيا”.
وشددت المتحدث ذاتها على أن ضعف التعريفة المرجعية، التي على أساسها تُحتسب التعويضات عن العلاج في المصحات الخاصة، يجعل المريض يتحمل الفارق؛ “وهو ما يقتضي النهوض بقطاع الصحة العمومية من أجل تمكينه من الإمكانيات الكفيلة، برفع قدرته على استيعاب عدد أكبر من المرضى، وتوفير مختلف العلاجات والأدوية لهم، لتخفيف العبء عنهم”، حسب تعبيرها.
وتُبدي الحكومة تفهمها للإكراهات التي تواجه مشروع التغطية الصحية الإجبارية، حيث قال عفاش خالد، ممثل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، إن الحكومة واعية بالتحديات المطروحة؛ ومن أجل تذليلها عقدت اجتماعات مع جميع الفاعلين المعنيين، من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والهيئات المهنية، والفرقاء الاجتماعيين، وتقوم بحملات تواصلية عبر مختلف المنابر الإعلامية من أجل إطلاع المواطنين على المساطر التي يتعين عليهم اتباعها، إضافة إلى إبرام شراكات مع مكاتب القرب لتقديم استشارات ومعلومات حول التغطية الصحية الإجبارية لطالبيها.
وأضاف المتحدث ذاته أن تحدي تأهيل العرض الصحي، إضافة إلى تعدد المتدخلين، من بين التحديات التي واجهت برنامج التغطية الصحية الإجبارية؛ لأن كثرة المتدخلين تنعكس سلبا على التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية، إضافة إلى الصعوبة التي طرحها إدماج القطاع غير المهيكل.
وأردف أن التحديات لم تكن محصورة فقط على الجوانب التقنية، بل همت أيضا الجانب الثقافي؛ ذلك أن ثقافة المساهمة في صناديق الحماية الاجتماعية من أجل الاستفادة من التغطية الصحية لم تكن حاضرة بقوة لدى فئات من المجتمع المغربي، “وبالتالي يجب أن يجد المواطن عرضا صحيا لائقا عند إدماجه في هذا الورش، وإلا سيعتبر المساهمة التي سيؤديها نوعا من الغرامة”.
ولفت المسؤول ذاته إلى أن المغرب “أصبحت لديه الآن استراتيجية واضحة لإنجاح ورش التغطية الصحية، مسطريا وقانونيا”، وأن “الأمور الآن أصبحت واضحة، والتحدي الآن الذي يجري الاشتغال عليه هو التنزيل”.
في المقابل، ترى رجاء كساب، عضو المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، أن ربْط التغطية الصحية بالأداء يشكّل ضربا لمبدأ ديمومة الرعاية الصحية للمواطنين، على اعتبار أن المواطن عندما لا يؤدّي ما عليه من مساهمات في صناديق الحماية الاجتماعية يُحرم من الرعاية الصحية، مشيرة إلى أن هناك نماذج مقارَنة جيدة تكفل للمواطنين تغطية صحية شاملة ومجانية، مثل كوبا.
واعتبرت المتحدثة ذاتها أن تحدّي توفير التمويل اللازم لتنفيذ برنامج التغطية الصحية لا ينبغي أن يكون محصورا على إلزام المواطنين بالأداء؛ “بل يجب البحث عن حلول أخرى، مثل العدالة الضريبية”، مضيفة: “مسألة التمويل تتعلق أساسا بتوفر الإرادة السياسية”.
وتوقفت كساب عند مشكل الخصاص الكبير الذي تعاني منه المنظومة الصحية المغربية في الأطر الصحية، قائلة: “جزء كبير من خريجي كليات الطب يهاجرون إلى الخارج، بحثا عن آفاق أفضل، فما هي التحفيزات التي ستقدمها الحكومة لهذه الأطر للحد من نزيف القطاع؟”، قبل أن تجيب عن سؤالها بالقول: “إلى حد الآن، ليست هناك إجابة من طرف الحكومة حول هذا الموضوع”.
واعتبر المرصد المغربي للحماية الاجتماعية أن مختلف المصالح والمؤسسات المعنية تبذل مجهودات لتسريع الانتقال إلى مرحلة تعميم التغطية الصحية الإجبارية الشاملة؛ لكن هذه العملية اعترتها العديد من الاختلالات البنيوية والعراقيل ذات الأبعاد المادية والتقنية واللوجستية.
ورصد المرصد جملة من الاختلالات؛ في مقدمتها ضعف مستويات الدخل لدى العديد من الشرائح الاجتماعية المستهدفة، وعدم القدرة على دفع الأقساط بشكل منتظم، وصعوبة تحصيل المساهمات المادية للمستفيدين المشتغلين في القطاع غير المهكيل الذي يشكل تمثيلية وازنة في النسيج الاقتصادي الوطني.
المصدر: وكالات