تواصل المدارس القرآنية المغربية، المعروفة بـ”المسيد” أو الكتاتيب”، في تقديم عرض تربوي يستأثر باهتمام العديد من الأسر المغربية، التي “تريد لأطفالها أن يتشربوا من الهوية الدينية التي تزكي الخصوصية المغربية في مجال التدين”؛ وبعد ما أثاره “العنف” أو “التحرش” داخل بعض الكتاتيب من نقاش داخل الأوساط الحقوقية، صارت الكثير من الأسر المغربية انتقائية.
وحسب العديد من الفعاليات الدينية المغربية، فإن “تفاعل الجهات الرسمية مع هذه النقاشات، والسيطرة على “أصول العنف” باعتبارها حالات معزولة يمكن أن تحدث في أي فضاء، خلق أفقا جديدا ساهم في الحفاظ على الإقبال المعتاد صيفيا بالتحديد على “المسيد”، لاسيما في المناطق القروية التي تأخذ فيها العائلات أبناءها لاستثمار العطلة الصيفية في حفظ القرآن وتعلم تجويده”.
حالات معزولة
لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، قال إن “الكتاتيب القرآنية كانت دائما فضاء حاضنا لرغبات الآباء الذين يريدون لأبنائهم حفظ القرآن وتعلم أسس الإسلام المغربي الوسطي والمعتدل”، مضيفا أن “العطلة الصيفية ترفع من الإقبال عليها من طرف العديد من التلاميذ، كما أنها تستمر خلال الموسم الدراسي أيام الأربعاء والأحد حسب الترتيب الزمني للمتعلمين”.
وأفاد السكنفل، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، بأن “الدوريات المتكررة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وحتى وزارة التربية الوطنية، توصي، في السنوات الأخيرة، بعدم استعمال أي شكل من العنف، سواء لفظيا أو جسديا، تجاه الأطفال الحافظين أو المتعلمين في الكتاتيب القرآنية”، مبينا أن “هذه الجهود ساهمت في محاصرة العنف الذي كان في أصله حالات معزولة نابعة من شخصية الفقيه أو المُحفظ”.
وشدد المتحدث على أن “تنامي الوعي عند الأسر المغربية، بحيث لم تعد تطلب من المعلم في هذه الكتاتيب تعنيف الطفل كما كان يحدث في الماضي، عزز بدوره تشجيع الكثير من العائلات الأخرى إلى إرسال أبنائهم لهذه المؤسسات العريقة”، معتبرا أن “الجهات الرسمية استجابت للنقاشات التي كانت سائدة وبذلت جهودا للحد من العنف، الذي كان في الأصل معزولا عن السياق العام؛ فالعنف لم يكن نسقا متأصلا في المسيد”.
تجربة متجذرة
في وصفه لمهمة الكتاتيب القرآنية، قال إدريس حبيبي، المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بالرشيدية، إنها “ساهمت، على مر عقود طويلة، في تبيئة مواطن قوة الإسلام المغربي المتسم بالتسامح والتعايش والغنى”، مضيفا أن “هذه المهمة الاستراتيجية الناعمة ساهمت في صناعة القيم الدينية على الطريقة المغربية السمحة لدى جزء من الأجيال المتعاقبة”.
وأضاف حبيبي، وهو يتحدث إلى هسبريس، أن “المغاربة دأبوا منذ الأجداد على بعث أبنائهم في سن مبكرة لتعلم أصول الدين وحفظ القرآن الكريم أو أجزاء منهم”، مفسرا أن “هذا يعضد خصوصية المغرب في حفظ القرآن، إذ تمكنت هذه الكتاتيب من تعميق معالمها وصقل إمكاناتها من خلال التأطير والمواكبة التي كان يقدمها المحفظ أو الفقيه”.
وأفاد المندوب الإقليمي للشؤون الإسلامية بالرشيدية بأن “الإقبال على هذه الكتاتيب ما زال لافتا كل صيف، بل وليس في الصيف فقط، بحيث لم يتأثر كثيرا بالتحولات المعروفة، خصوصا بالمناطق التابعة لمندوبية الرشيدية”، مبرزا أن “العنف تحاصر والحديث عنه لا يمكن الخوض فيه اليوم دون توفر شكايات متضررين منه، خصوصا مع المرحلة الحالية التي تدين كافة أشكال العنف”.
تجدر الإشارة إلى أن أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، قال، في جواب عن سؤال كتابي تقدم به النائب البرلماني عن حزب الاستقلال عمر حجيرة، في يناير الماضي، إن “عدد الكتاتيب القرآنية بالمغرب وصل إلى 12 ألفا و943 كتّابا قرآنيا حسب آخر إحصاء، بزيادة نسبتها 10 في المائة مقارنة مع الموسم الدراسي 2004-2005 حيث كان عددها يومها 11 ألفا و773 كتّابا قرآنيا”.
المصدر: وكالات