في جولته الرابعة، بعد غرناطة والخزيرات وطريفة، يحط معرض “فن العيش لدى الأمازيغ”، للفنانة التشكيلية ذات الأصول السوسية زهيرة تيكطاط، الرحال في مدينة سبتة المحتلة، ابتداء من الأربعاء 22 نونبر الجاري إلى غاية 15 يناير 2024، بتنظيم من “مؤسسة التعايش” التابعة لوزارة التربية والتعليم والثقافة والشباب والرياضة الإسبانية، وبتعاون مع “المؤسسة الأوروبية العربية” بغرناطة و”الكرسي الدولي الامازيغي”.
هذا المعرض، الذي تُعلق لوحاته الـ24 على جدران المركب الثقافي “Estación del Ferrocarril” بمدينة سبتة المحتلة، يحاول أن يعكس مرة أخرى ثقافة الأمازيغ في أفق اللوحة، وأن يقرب العين الأوروبية، والإسبانية تحديداً، من التعابير المتداولة داخل نسق “تمازيغت”، وأن “يقدم معنى جديدا للهوية المغربية، التي كان الأوروبيون يعتبرونها لصيقة بالهوية المشرقية، في حين إنها هوية غنية ومستقلة بذاتها”.
زهيرة تيكطاط، صاحبة اللوحات، لم تنف، في تصريح لجريدة هسبريس، رهانها على “إضفاء شكل جديد للتعريف بالهوية الأمازيغية، وبشكل أوسع التمغربيت، كأفق يجمع كل المغاربة باختلاف روافدهم، وهو ما عكسَ نضالات المكونات الأمازيغية لنيل الاعتراف في ظل الوحدة في إطار التنوع”، وقالت: “هذا المعرض له حمولة حضارية وثقافية كبيرة، لكوني أود أن أظهر ثقافة السلام والتسامح والتعايش التي تطبع تاريخنا المغربي”.
وأكدت الفنانة التشكيلية عينها أن “أعمالها المعروضة تنخرط وتنضاف إلى جبهات البحث عن الاعتراف بالأمازيغية بالمغرب وتفعيل طابعها الرسمي والنهوض بها كلغة وكثقافة حاضرتين بقوة في الشخصية المغربية”، معتبرة أن “الفن عنصر أساسي في هذه العملية، وبالتالي لا تنفصل هذه اللوحات عن الدينامية الأمازيغية التي يشهدها المغرب في الوقت الحالي، ومحاولة المساهمة فيها بأي شكل من الأشكال باعتبارها دينامية عادلة تراهن على كسب المزيد من الحقوق اللغوية والثقافية”.
وأبرزت المولودة سنة 1963 بمدينة آسفي المغربية أن “الذين زاروا المعرض طيلة دوراته الثلاث السابقة، والذين يزورونه في هذه الدورة الحالية، يطرحون أسئلة عميقة حول الهوية الأمازيغية والمغربية، ويذهبون للبحث عنها، وبالتالي هذه اللوحات هي آلية للترافع، ليس بالضرورة سياسيا، لكنه ترافع يعرف بهوية معينة”، مشددة على أن “حتى النقاشات التي تصاحب المعرض تبين فضولاً وشغفا يؤكد أن الرسائل المرجوة من هذا العمل تجد سبيلها إلى المتلقي”.
وتابعت بأن “اعتماد الفن الحر محتوى لهذه اللوحات، هو انعكاس للحرية وللقيم الأمازيغية التي أود إبرازها، خصوصاً وأنني أتناول مواضيعا من قبيل المرأة ودورها داخل النسق الأمازيغي وأيضا دورها في الحفاظ على الموروث المادي واللامادي سواء في الماضي أو الحاضر”، وزادت: “حتى دستوريا، اللغة الأمازيغية موجودة في دستور 2011، وهو ما شكل طفرة مهمة بالنسبة للفاعلين في القضية الأمازيغية، وكل من النشطاء اتخذ طريقا للدفاع عن هذه الهوية”.
وأشارت الحاصلة على بطاقة الفنان من طرف وزارة الثقافة إلى أن “الحاجة إلى التعريف بالهوية الأمازيغية وبالقيم المتقدمة التي عرفت بها تاريخيا، يشكل حاجة أساسية في ظل التوترات والصراعات العالمية القائمة، فهي لها قوانين نبيلة تحترم الإنسان وتقدس الحياة وتحترم الفرد”، مؤكدة أن “الذين يسمعون عن هذه المواضيع يستغربون أن لدينا هذه الشخصية المتميزة والمتفردة، وأن حضارتنا وثقافتنا مختلفتان عن الصور النمطية التي يشكلونها عنا”.
وعبرت المتحدثة عن “اعتزازها بنجاح هذا المعرض، الذي شكل تحفيزا مضاعفا للاستمرار في التمسك بالتعريف بتمازيغت من مدخل الفن”، معتبرة أن “الفن، سواء الرسم أو الموسيقى، لا يحتاج لغة منطوقة للتعبير، فعبره يمكننا أن نتواصل مع أي شخص حول العالم بالإشارات والتعابير والرموز، واللوحة هي وسيلة لتخليد الحضارات، وزمن اللوحة ليس هو عمر صاحبها، فهي تعبر عن الثقافة وتساهم في ديمومتها”.
وسجلت زهيرة تيكطاط، في معرض حديثها مع هسبريس، أن “التربية الجمالية التي تلعبها هذه اللوحات تعصف بمجمل خطابات الكراهية والعنصرية المستشرية اليوم، وتؤدي إلى تخليق التصورات عن الآخر، وتساهم في تهذيب النفوس وتربية الناشئة على قيم التسامح والحب والتعايش”، موضحة أن “هذا العنصر الذي يتيحه التشكيل كان فرصةً لاستحضار العديد من القيم والعادات والتقاليد الأمازيغية التي اندثرت أو في طور الاندثار، لكي نخلد كل ما يخدم الإنسان”.
المصدر: وكالات