تميزت أشغال الدورة الأولى من “اليوم الوطني للصناعة”، الأربعاء بمدينة الدار البيضاء، المنظم بحضور رئيس الحكومة، ووزراء، وممثلي القطاع الخاص الملتئمين ضمن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بدعوة ملكية صريحة إلى “تعزيز الإنتاج المحلي” في مختلف قطاعات وفروع الصناعة بشكل يرتقي بالمملكة إلى مستوى “ولوج عهد صناعي جديد يتخذ من مفهوم السيادة هدفا ووسيلة”.
وقالت الرسالة الملكية إلى المشاركين في أشغال هذا اليوم، إن الصناعة الوطنية “مدعوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعزيز الإنتاج المحلي بشكل تنافسي، من أجل تقليص هذا الاعتماد، ودعم قدرتنا على الصمود والرفع من مستوى تنافسيتنا، وترسيخ مكانة المغرب في القطاعات الواعدة”.
المشاركون في هذا الحدث، الذي من المنتظر أن يصير “موعدا مرجعيا”، تدارسوا في خمس جلسات مواضيع “رافعات تعزيز التنافسية الصناعية”، و”الإدماج المحلي وعلامة {صنع في المغرب}”، و”الكفاءات في القطاع الصناعي”، و”إزالة الكربون والنجاعة الطاقية والمائية خدمة للصناعة”، و”تمويل الاستثمار المنتج”.
ومن المرتقب، وفق ما دعت إليه الرسالة الملكية بالمناسبة، أن يتم إدراج اليوم الوطني للصناعة، الذي سيتم توزيع دوراته المقبلة على مختلف الجهات من أجل تثمين المؤهلات الصناعية المحلية وتدبير الرهانات الخاصة ذات الصلة، في الأجندة الشاملة للأحداث الاقتصادية.
الدعوة الملكية إلى تعزيز السيادة الوطنية في القطاع الصناعي بمختلف فروع نشاطاته وتخصصات فاعليه، جاءت في سياق تعتريه “صدمات تضخمية” واضطرابات عالمية في سلاسل العرض والطلب لم تعد تخطئها عيون الفاعلين الاقتصاديين وصانعي السياسات العمومية بالمغرب.
تخطي وسم “البلد الفلاحي”
رشيد ساري، محلل اقتصادي، سجل بداية أهمية إقرار يوم وطني موعدا قارّا يحتفي بالصناعة المغربية قائلا: “أن يكون هناك يوم وطني للصناعة، فهذا مؤشر في حد ذاته على أن المغرب تخطى عتبة أن يسمى بلدا فلاحيا، واليوم يدخل إلى العالم الصناعي”.
وتابع ساري موضحا في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “هذا جد مهم، ويعني أن المملكة المغربية قد دخلت فعليا نادي الدول الصناعية”.
واعتبر أن “الرسالة الملكية للمشاركين واضحة جدا وحاملة لدلالات عديدة، يجب التفاعل معها بشكل جدّي من طرف مختلف الفاعلين، حكومة وفاعلين اقتصاديين”، مشددا على دور الجهات في تفعيل مضامين الرسالة لبلوغ السيادة الصناعية بشكل متكافئ مجاليا.
“اليوم أمام مخاض عسير وسياق عالمي في خضم إشكالية التوريدات من جهة، وتضخم أسعار المواد الأولية المستوردة من جهة ثانية، فإن المغرب مدعوّ أكثر من أي وقت مضى للاعتماد على صناعته المحلية وسلاسل الإنتاج المحلية”، يؤكد ساري، موردا “نماذج ناجحة تحدثت عنها الرسالة الملكية لبعض الصناعات الوطنية، أبرزها صناعات السيارات والنسيج والطيران”.
دور الجهات حاسم
لفت الباحث الاقتصادي ذاته إلى “ضرورة استغلال فروع الصناعات المحلية-على اختلاف أنشطتها-منجزات المغرب في مجال الطاقات المتجددة والصناعة الخضراء النظيفة”، مجددا التأكيد على “دور المجالات الترابية في توفير حاضنات ومنصات صناعية لتسهيل الاستثمار، لا سيما مع استغلال ما يتيحه الميثاق الجديد من أرضية خصبة وانطلاقة من أجل إنجاح رهانات سيادة صناعية قوية محليا”.
“تكاثف جهود القطاع العام مع نظيره الخاص”، نقطة أخرى ستضمن، بحسب المتحدث لهسبريس، إنجاح رهان السيادة الوطنية في الصناعة.
وخلص ساري إلى أن “الظروف العالمية رفعت مستوى الإنتاجات المحلية إلى مرتبة الحاجة الملحة”، لمجموعة من الأسباب، أبرزها تفادي الفاتورة الثقيلة للاستيراد وحل إشكالية التوريدات، مشددا على أن “الإنتاج المحلي يتيح إمكانية التصدير وجلب العملة الصعبة من جهة، واستثمارات منتجة، من جهة أخرى، بكل الآثار الإيجابية لذلك على الحد من عجز الميزانية”.
أربعة مرتكزات
“كسب رهان الصناعة بالمغرب يمرّ وجوبا بأربع مرتكزات”، يقول بدر الزاهر الأزرق، خبير في قانون الأعمال والاقتصاد، لافتا في حديث لهسبريس إلى أهمية مراعاة هذه المرتكزات بشكل منسجم في السياسات العمومية أفقيا وعموديا.
المرتكز الأول، بحسب الزاهر الأزرق، “طاقي بامتياز”؛ فـ”في المغرب لا يمكن الحديث عن تطور مختلف القطاعات والجاذبية الاستثمارية إلا باكتمال ركن مسألة الطاقة التي طورتها المملكة في العقدين الماضيين رغم تسجيل تأخير كبير في رفع نسب الطاقات المتجددة في المشهد الطاقي الوطني، مما يجعله مرتهنا إلى حد الآن بشكل كبير للخارج”.
ثاني المرتكزات، بحسب الخبير الاقتصادي ذاته، هو مرتكز “الموارد البشرية”، داعيا في هذا الصدد إلى “التنويع في خارطة التكوينات، بما في ذلك بالنسبة للتقنيين في التكوين المهني، مع أخذ بعين الاعتبار مسالك جديدة روعيت في مخططات مدن المهن والكفاءات التي تم إطلاقها”.
وأردف في هذا السياق بأن “توفر المغرب على يد عاملة مؤهّلة عامل استقرار صناعي قوي يمنحه الأفضلية”، قبل أن يؤكد أنه “لا سيادة صناعية دون بحث علمي وابتكار واستقطاب الكفاءات المغربية بالخارج”.
وأوضح أن “البحث العلمي والابتكار ليس فقط مسألة مال، بل هو كيفية الاستفادة من كفاءات مغربية مع ربط المقاولة بالبحث العلمي، وهو الرهان الذي يجب أن يكون القطاع الخاص واعيا به للحصول على براءات اختراع مغربية في مختلف الصناعات وتحقيق خطوط إنتاج مغربية خالصة”.
“تحيين” المنظومة القانونية
ثالث المرتكزات لكسب رهان الصناعة بالمغرب، وفق الزاهر الأزرق، هو “مسألة المنظومة القانونية والمؤسساتية، لاسيما في شقها المتعلق بالسياسة الجبائية وتحفيزات المستثمرين الصناعيين”.
واعتبر المتحدث أن “ميثاق الاستثمار الجديد يدشن جيلا جديدا من القوانين، لكن المنظومة برمتها بحاجة إلى تحيين”، خاصا بالذكر قانون الأعمال، القانون التجاري، قانون المناطق الحرة، وقوانين التحفيزات الجبائية.
وتابع الباحث في الاقتصاد بأن المرتكز الرابع للسيادة الصناعية هو “تطوير البنية التحتية”، قائلا إن “المغرب قد قطع أشواطا كبيرة في هذا المضمار، وهو رائد قاريا فيها عبر احتلاله المركز 45 عالميا في جودة البنية التحتية”.
إلا أنه رغم ذلك دعا إلى “بذل جهود أكبر في توفير البنية التحتية الصناعية، وعصرنة المركبات المينائية”، ونبه إلى مشكلة تهميش المناطق النائية، مشددا على أنه “لا يمكن أن نتصور سيادة صناعية في ظل فرص استثمارية هائلة تظل مغيّبة في عدد من المناطق البعيدة عن المركز”.
المصدر: وكالات