اعتبرت فعاليات حماية المُستهلك أن “جهود الدّولة مازالت مُحتشمة فيما يخصّ تأهيل التجارة الجائلة، التي مازالت تمثل نقطة مظلمة في الاقتصاد الوطني”. جاء ذلك بعدما أفاد وزير الصّناعة والتجارة رياض مزور، مطلع الأسبوع الجاري، بأن “86 ألفا من الباعة الجائلين استفادوا من البرنامج الوطني لتنظيم المجال من أصل 126 ألفاً جرى إحصاؤهم”، مؤكدا أن “عدد المواطنين النّشطين في هذا المجال يقدّر بحوالي ربع مليون شخص”.
الفعاليات التي تواصلت معها هسبريس بهذا الصدد، أكدّت أن “الإحصاء الحقيقيّ لهذه الفئة لا يمكن تبينه على وجه التّدقيق، لأنها مهنة مشتتة وكُثُر من ممارسيها لا يشتغلون بشكل دوري”، مقترحة أن يكون “إصلاح هذا القطاع بنيويّا وشاملاً ليضمن للدّولة تحصيل جبايات من هذه التجارة، ويضمن ممارسات أجود لها في إطار علاقتها بالمُستهلك”.
أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، قال: “يجب أوّلا أن نعيد طريقة تصوّرنا لمفهوم التّجارة الجائلة، لكونه مجالا قائما بذاته ويحتاج فقط إلى تأهيل قانوني”، موضحا أن “العديد من الدول الأوروبية يوجد فيها باعة متجوّلون، لكنهم يخضعون للتّأمين وللتّغطية الصّحية ومسجّلون بشكل قانوني لممارسة هذه التّجارة، ولديهم برنامج زمني دقيق وصارم يلتزمون باحترامه بشكل تلقائي بموجب القوانين المنظمة”.
ودعا بيوض، في السّياق ذاته، إلى أن “يتجه المغرب في هذا المنحى، لأنه لا يمكنّنا استئصال التّجارة المتجولة، بل ينبغي أن تصبح أنشطة مهيكلة مدرّة للدخل تؤدي الضّريبة وتضمن احترام الملك العمومي من خلال التدبير الزّمني للمساحات”، مبرزا أن الفضاء الجغرافي “يجب تهيئته من طرف السلطات لفائدة هذه التجارة على نحو يضمن الانتقال حسب الأسواق الحيويّة، بمراعاة طبيعة الأنشطة وتركيزها في نقط محدّدة: تجارة الملابس، تجارة الأدوات المنزليّة، تجارة الخضر والفواكه، إلخ”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “التّأهيل القانوني لا بدّ أن يراعي توفير ظروف مصاحبة للتنزيل إجراءات مثل المراقبة والحرص على النظافة وعلى جودة المنتوج، بمعنى أن المستهلك يتعين أن يجد مبدأ جاهزا يتيح له اقتناء العديد من المنتوجات بشكل قانوني، وليس في شكله العشوائيّ الحالي الذي ليست فيه أي ضمانات تحمي المستهلك الذي يقبل على التّجارة الجائلة”، لافتا إلى أن “وضع إطار قانوني واضح لفائدة هذه التجارة، سيساهم في رفع عبء كبير على المستهلك والبائع والدولة”.
من جانبه، أشار بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إلى أن “تنظيم هذه المهنة صار ضرورة ملحة بالنظر إلى التحولات الاقتصادية التي نعيشها حاليا”، مبرزا أن “الجهود الرسمية في هذا الجانب تبقى مهمة وأساسية، لكونها ستمكننا في حدود 2030 من معالجة نحو 90 في المائة من الإشكالات التي تطرحها هذه التجارة، لكن هذه الجهود الرسمية يجب أن تمنح الفرصة لفعاليات المجتمع المدني للمشاركة، باعتبارها واكبت هذا الملف جيدا، خصوصا جمعيات حماية المستهلك”.
وأكد الخراطي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “تقنين التجارة الجائلة وتضريبها سيجعل المغرب من الدول التي تنظم هذا النشاط، بحيث سيصبح للبائع رقم خاص به يتيح للمواطن معرفة من أين اقتنى المنتوج”، كما “ستبذل الجهات المختصة في السلامة الصحية مجهودات أكبر في مراقبة المنتوجات التي يتم عرضها من طرف الباعة المتجولين، والحرص على أن تكون متلائمة مع الشروط التي لا تشكل أي ضرر لصحّة المستهلك”، بتعبير المتحدث.
وأورد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أنه “لا بد من تعزيز القوانين بمساحة مخصّصة للكراء، وبمعايير صارمة لا تسمح لأي بائع بتعدّيها”، مثمّنا إخضاع الباعة الجائلين للتكوين قبل أي تأهيل قانوني “لإدماجهم في المنظومة، وتمكينهم من عرض منتوجاتهم في الأوساط الرقمية الخاضعة للقوانين المعمول بها، وليس في مواقع التواصل الاجتماعي التي مازالت تتسم بالعشوائية”.
يشار إلى أن رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، أفاد خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب، الاثنين، بأنه في إطار برنامج تنظيم الباعة الجائلين، جرى إحداث 200 من أسواق القرب تم تخصيصها لاستقطاب الباعة المتجولين، مبرزا أنه “تم إصدار دليل خاص بالمساطر للجماعات لتنظيم الباعة المتجولين”، وشدد على أهمية “ضمان التكوين للنشطين في هذا المجال من أجل تمكينهم من ترويج وبيع سلعهم في الفضاء الإلكتروني”.
المصدر: وكالات