أثار تعثر الفرق النيابية بمجلس النواب في حسم ترشيحاتها لتشكيل هياكل المجلس موجة من التساؤلات بشأن الموضوع الذي مثّل سببا رئيسا في تأجيل جلسة دستورية مشتركة بين غرفتي البرلمان لعرض عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، حصيلة نصف الولاية؛ وهو ما عده البعض تعطيلا لأشغال مؤسسة دستورية.
وكشف هذا التعثر جزءا من الواقع السياسي الذي تعاني منه الساحة السياسية بالمغرب، والمتمثل أساسا في الصراع على المناصب وتولي المسؤوليات بين نواب الفرق البرلمانية الممثلة تحت القبة التشريعية للمملكة.
وبدأت، أمس الأربعاء، بوادر إنهاء الخلافات المشتعلة داخل الفرق البرلمانية بين نوابها حول تمثيل الحزب في الهياكل التنظيمية للغرفة الأولى من البرلمان تلوح في الأفق؛ فقد حسم حزب الأصالة والمعاصرة الموضوع بإعلان أحمد التويزي رئيسا للفريق محتفظا بموقعه، فيما حسمت أحزاب أخرى ترشيحاتها، في مؤشر على قرب انتهاء البلوكاج المفتعل.
وأعلن رئيس مجلس النواب، في بلاغ رسمي، أنه طبقا لأحكام الفصل 62 من الدستور ومقتضيات النظام الداخلي سيعقد المجلس جلسة عمومية تخصص لاستكمال هياكل المجلس، وذلك اليوم الخميس على الساعة الرابعة بعد الزوال.
في تعليقة على الموضوع، لا يرى عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، وجود أي تعثر هناك؛ “لأن البرلمان مجال لممارسة السياسة وليس شيء آخر”، مؤكدا أن ممارسة السياسة تقتضي “التقيد بمجموعة من القواعد والممارسات التي تؤطر اليوم الممارسة البرلمانية، وخاصة ما يتعلق بانتخاب هياكل البرلمان وبشكل خاص مجلس النواب”.
وأضاف أدمينو، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية: “اليوم نحن أمام لحظة دستورية يؤطرها الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، مرتبطة بتجديد هياكل المجلس في منتصف السنة الثانية من عمر الولاية التشريعية والحكومية”.
وتابع موضحا أن الجلسة الافتتاحية تمت، وجرى انتخاب رئيس المجلس، “ونعلم أن البرلمان لا يمكن أن يؤدي مهامه التشريعية والرقابية، سواء تعلق الأمر بالجلسات العمومية للرقابة أو التشريع، إلا بعد استكمال هياكله فيما يتعلق بالمكتب، أي نواب الرئيس والأمناء والمحاسبون، إضافة إلى رؤساء الفرق ورؤساء اللجان”.
واعتبر أدمينو أن العملية خاضعة لاعتبارات “سياسية مرتبطة بتدبير الفرق النيابية للطموحات والترشيحات بداخلها”، مبرزا أن من العادي “ألا تحسم الفرق هذه الترشيحات في أوقات معينة؛ لكن من دون شك أنها لحظة بالنسبة للفرق البرلمانية من أجل أن تتمكن من التنسيق فيما بينها، لأن البرلمان مؤسسة لممارسة السياسة والتوافق السياسي ولكن في ظل قاعدة جوهرية هي قاعدة التمثيل النسبي”.
وأشار أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس إلى أن عددا من الفرق حسمت ترشيحاتها، و”الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى يستكمل المجلس هياكله؛ لأن البرلمان يتوقف على الهياكل، لأن مكتب المجلس مطالب بأن يعقد ندوة الرؤساء والتي تضم أعضاء المكتب ورؤساء الفرق ورؤساء اللجان الدائمة هي التي تدبر الزمن وتوزع الزمن التشريعي… وما دام أن هذه الهياكل لم تستكمل فإن البرلمان لن يستطيع أن يعقد جلساته، وأعتقد أن الأمر سيحسم في الساعات المقبلة ويعود البرلمان لممارسة مهامه”.
من جهته، قال عبد الله أبو عوض، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عبد المالك السعدي: “من المعلوم بالضرورة أن للبرلمان دورا تشريعيا ورقابيا، ولكل عضو فيه كممثل للأمة حق النظر في جميع المشاريع ومقترحات القوانين التي تحال عليهم ومناقشتها ثم التصويت عليها بالقبول أو الرفض، أو تقديم مقترحات طبقا لما هو مخول دستوريا لهم”.
وأضاف أبو عوض، في حديث لهسبريس، أن الفرق البرلمانية هي الممثل الرئيس للحكومة داخل البرلمان، كما تمثل الرقابة على الحكومة داخل البرلمان حسب الباب الخامس من النظام الخاص؛ ما يعني أنها “الضامن للسير التشريعي للعمل الحكومي، وما تعرفه من تأخير في تشكيل هياكلها وتحديد مناصب المسؤولية داخلها يعني تعثر عمل الغرفة الأولى في أداء وظيفتها والانعكاس السلبي الذي يعود على العمل السياسي عامة”.
وزاد أستاذ القانون الدستوري موضحا أن تجليات الانعكاس السلبي لهذا التعثر تتمثل في “بطء المساطر التشريعية، وكشف عدم الانسجام الداخلي للأحزاب، بالإضافة إلى البحث الشخصي عن التموقعات مقابل المصلحة العامة للوطن، فضلا عن هشاشة التوافقات السياسية داخل بعض الأحزاب السياسية”.
وأشار الأكاديمي ذاته إلى أن هذا التعثر يمثل “نقطة سوداء وهجينة تعكس مدى هشاشة الهياكل التنظيمية لدى بعض الأحزاب، والتي بالمقابل كان من باب أولى أن تكون نقطة جانبية، وتستدعي التدخل الحازم لرؤساء الأحزاب في تنظيمها وإقرارها”.
واستدرك أبو عوض قائلا: “لكن ادعاء بسير العملية الديمقراطية الموهومة لاختيار رئاسة الفرق النيابية تجعل مؤسسة الغرفة الأولى في مساءلة أخلاقية سياسية عن تفعيل السير الناظم للعملية التشريعية”، لافتا إلى وجود بعض الأحزاب في “شتات حول ممارستها وهويتها السياسية تجعل من هذا التعثر وسيلة انفراج لنكساتها الداخلية”.
وحول ما إذا كان هذا التعثر يؤدي إلى هدر الزمن التشريعي، قال أبو عوض “هو هدر للزمن التشريعي وهدر للعمل الحكومي، بل لنقل ينعكس على كل هياكل ومؤسسات الدولة”، داعيا الأحزاب إلى تحمّل مسؤوليتها “أخلاقيا وسياسيا؛ لأنها وسيلة لترجمة تطلعات الشعب المغربي، وعلى أحزاب المعارضة خاصة أن تكون على قدر تحمل مسؤوليتها في الدفع بسير العمل الرقابي خاصة والتشريعي عامة للعمل الحكومي”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات