قال عبد الله حتوس، رئيس “تكتل تمغربيت للالتقائيات المواطِنة”، ورئيس “جمعية تماينوت” و”المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات” سابقا، إن الأمازيغ في المغرب ليسوا “أقليّة مهيْمنا عليها”، وإن وضعيتهم تختلف عن وضعية الأمازيغ في باقي الأقطار بالمنطقة، كالجزائر وليبيا، كما تختلف عن وضعية باقي الشعوب الأصلية.
وذكر المتحدث ذاته، خلال لقاء تقديم كتاب “من التعدد إلى التعددية: محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب”، للكاتب سعيد بنيس، أن الحركة الأمازيغية أصرت خلال مناقشة الإعلان العالمي لحقوق الشعوب الأصلية، لاسيما المادة الثالثة منه، “على التأكيد على أننا في المغرب كشعب أصلي حالة فريدة، لأننا لسنا أقلية ولسنا شعبا مهيْمنا عليه من طرف شعب آخر”.
وذهب حيتوس إلى القول: “إن انخراطنا في الشعوب الأصلية كان خيارا تكتيكيا فقط، ولم يكن خيارا إستراتيجيا، لأننا كنا نبحث، بعد أن أُغلقت الأبواب في وجهنا خلال التسعينيات، عن نافذة دولية من أجل الضغط، على الأقل لدفع الحكومة المغربية إلى الإنصات إلينا”.
الرأي الذي عبر عنه حيتوس أتى كرد على سؤال طرحه سعيد بنيس في كتابه بشأن ما إن كانت الحركة المدنية الأمازيغية ستفضي إلى “زعزعة مقولة الانسجام الوطني والهوياتي في المغرب”، وما إن كانت المطالب اللغوية والثقافية ستصبح “ذريعة مباشرة للمطالبة بأشكال متعددة من فك الارتباط مع مؤسسة وهوية الوطن، وتعويضها بكيانات متعددة الأبعاد جهوية داخلية (الريف تافيلالت)، أو جهوية إقليمية خارجية (شمال إفريقيا)، أو كيان جغرافي تاريخي (تمازغا) تمتد حدوده عبر الدول والأوطان”.
وأشار بنيس في معرض تساؤله إلى أن هذه “الكيانات التعويضية” تتميز بكونها “لا تُقحم المكوّن العربي بل ترفضه في غالبيتها، لأنه يشكل في نظرها عنصرا مهيمنا ومكتسحا يتعارض مع خصوصياتها وتماسكها الثقافي واللغوي”.
وقال حيتوس إن “السؤال الذي طرحه بنيس في كتابه له راهنيته، بالنظر إلى ما يجري في المحيط الإقليمي في إفريقيا والشرق الأوسط، لاسيما ما تتعرض له حركة “ماك” المطالبة باستقلال جمهورية القبائل في الجزائر، وما يتعرض له الأمازيغ في ليبيا، وفي مالي وفي النيجر… إضافة إلى ما يجري من صراعات ذات طابع عرقي في دول أخرى مثل السودان واليمن”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه “في السنة نفسها حيث نُظمت الجامعة الصيفية، التي كانت مركزا للتفكير حول القضية الأمازيغية من طرف نخبة من قادة الحركة الأمازيغية، سنة 1980، شهدت الجزائر أحداث الربيع الأمازيغي (أبريل 1980)، التي شابها العنف والاعتقالات؛ وهي الأحداث التي مازالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي الجزائري إلى الآن”، على حد تعبيره.
وأضاف الباحث نفسه أن “الدولة المغربية على الأقل تركت المناضلين الأمازيغ يفكرون في نوع من المقاربات الاندماجية التي يمكن أن نمضي بها إلى الأمام”، معتبرا أن “خطاب الحركة الأمازيغية كما بُلور سنة 1980، وتأسيسه على أن الثقافة الأمازيغية جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية، ينسجم مع ما ذهب إليه سعيد بنيس في كتابه”.
وأبدى حيتوس توافقه مع الرأي الذي عبر عنه سعيد بنيس في كتابه، حيث يرى أن “الاختلاف بين المغاربة لغوي صِرف، أما تمثل العالم القيمي وثقافة المجال والمحيط فهو مشترك مغربي؛ فيبدو العنصر البشري في المغرب عنصرا متجانسا والاختلاف البين الذي يظل قائما هو المتعلق باللسان، بمعنى أن هناك مغاربة ناطقين باللغة العربية وتنويعاتها، ومغاربة ناطقين باللغة الأمازيغية وتنويعاتها”.
وقال رئيس تكتل “تمغربيت للالتقائيات المواطِنة” إن “النهج الذي اتبعته الحركة الأمازيغية هو الذي جنّبنا الكثير من المحن والمشاكل ذات الصلة بتدبير تنوعنا اللغوي والثقافي، كما ساعدنا في الحركة الأمازيغية على اختراق خطاب الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، التي التحق الكثير من أطرها بالحركة الأمازيغية، خصوصا تنظيمات اليسار”.
وأشار المتحدث إلى حضور نخب بارزة أشغال الجامعة الصيفية سنة 1988، مثل محمد گسوس، “الذي ألقى محاضرة خلال تلك الدورة أشار فيها إلى أن ‘من يشك في الأمازيغية فهو كمن يشكّ في الإسلام، وأن المغربي كمن يسير على قدمين فلا بد له من اللغتين الأمازيغية والعربية’”.
وذكر الباحث عينه أن “نخبة الحركة الأمازيغية استثمرت نجاح الدورة الثالثة من الجامعة الصيفية في التفكير في ميثاق تؤطر به تزايد أعداد الملتحقين بالحركة باختلاف توجهاتهم، خوفا من انحراف إطارها وانزياحه عن المقاربة الاندماجية وشعار وحدة التنوع، ودرء السقوط في زعزعة مقولة الانسجام الوطني والهوياتي بالمغرب، وهو الميثاق الذي تم عرضه في الدورة الرابعة من الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1991”.
الميثاق، يردف حيتوس، “أكد على الوحدة في إطار التنوع، وأن الثقافة المغربية تتكون من البعد الأمازيغي، والعربي، والإفريقي والدولي، وهي إبعاد لا يمكن اختزالها في بعد أو نموذج واحد على حساب الإبعاد الأخرى، وهو ما جرى التنصيص عليه في دستور 2011″، مشيرا إلى أن “خطاب الحركة الأمازيغية كان موضوعيا ينتصر للاندماج، والعيش في ظل مغرب ينتصر لكافة لغاته وثقافاته بتعدد مكوناتها”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “الحركة الأمازيغية استمدت بعض عناصر خطابها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وانتصرت للوحدة في التنوع وللمقاربة الاندماجية، كسبيل لمواجهة الإقصاء، واعتبرت الثقافة الأمازيغية جزءا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المغربية”.
كما اعتبر حيتوس أن كتاب “من التعدد إلى التعددية: محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب”، لمؤلفه سعيد بنيس، “يحوي كل عناصر الإقناع الضرورية للترافع من أجل مصالحة وطننا مع ذاته من خلال مصالحته مع اللغتين العربية والأمازيغية، وكل التعابير اللغوية المغربية المتقاطعة معهما، والمرافعة من أجل التنزيل المنصف لمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ومراحل إدماجها في التعليم والإعلام ومختلف مناحي الحياة العامة”.
المصدر: وكالات