تزامنا مع اقتراب الانتخابات الإسبانية، يعيد الرأي العام الإسباني موضوع الخلاف مع المغرب إلى الواجهة، بدعوى ظهور معادن ثمينة في منطقة جبل ”تروبيك” المتواجدة في السواحل الإقليمية المغربية.
وفي هذا الإطار قالت صحيفة “لاراثون” الإسبانية ”إن النزاع القائم بين الرباط ومدريد على جبل تروبيك الواقع بالقرب من جزر الكناري الإسبانية والساحل الأطلسي المغربي يرجع إلى اكتشاف معادن عديدة وثمينة في هذه المنطقة، وهي معادن تُعد المواد الخام لجميع الصناعات في المستقبل”.
وتابع المصدر ذاته بأن ”المعادن الباطنية للأرض هي بترول المستقبل، وستكون المصدر الأساسي للصناعات التكنولوجية، وسيتم استخدامها في جميع القطاعات، كصناعة السيارات والهواتف والحواسب والكاميرات والأنابيب والأسلحة وغيرها من الأجهزة والآليات، وبالتالي من يتوفر عليها سيكون أقوى في المستقبل وستوفر له الأمن القومي”.
”المغرب يمتلك الفوسفاط والعديد من المعادن الأخرى، مثل الكوبالت، المنتشرة في المناطق الجنوبية الصحراوية، إلا أن نسبة هذه المعادن مقارنة بالفوسفاط تبقى ضعيفة، وهو الأمر نفسه بالنسبة لإسبانيا التي تحتوي مساحاتها البحرية على عدد من المعادن الهامة، إلا أنها تبقى أيضا غير كافية، وبالتالي فإن الأنظار تتجه إلى منطقة تروبيك”، تكتب صحيفة “لاراثون” الإسبانية.
وتابعت الصحيفة ذاتها بأن ”هذه المنطقة البحرية التي تقع في عمق بحري يصل إلى ألف متر غنية جدا بالمعادن، وستكون هي أساس الصناعات المستقبلية، مثل الحديد والكوبالت والبلاتين والنيكل والفاناديوم والمنغنيز، إضافة إلى أنواع أخرى من المعادن النادرة؛ وتتجاوز مساحتها مساحة بعض الدول بالكامل”.
وفي الإطار نفسه أكدت الصحيفة الإسبانية أن ”هناك نزاعا بين المغرب وإسبانيا حول من سيتمكن من الظفر بهذه المنطقة البحرية الثمينة، إذ حاولت مدريد في السنوات الماضية زيادة المساحة البحرية لجزر الكناري من أجل أن تشمل مساحات من منطقة تروبيك، دون جدوى، في حين قام المغرب في السنوات الأخيرة بإصدار قرار ترسيم حدوده البحرية من أجل ضم المنطقة”.
وأنهت الصحيفة الإسبانية مقالها مشيرة إلى أن ”هذه المعادن الثمينة ستتسبب في ظهور صراعات بين الأقطاب الكبرى في العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين”، مضيفة أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء يشكل خطوة مهمة لدعم المملكة بغية امتلاك منطقة “تروبيك”.
خلاف قديم
قال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة إن ”النزاع القائم بين الرباط ومدريد حول جبل تروبيك يعتبر قديما، إلا أن الرأي العام الإسباني يتعمد التذكير به بعد أن صادق مجلس النواب المغربي بالإجماع على مشروعي قانون يُحددان المساحات البحرية للمغرب، ويبسط بموجبهما ولايته القانونية على السواحل الممتدة من السعيدية شرقاً، مروراً بطنجة شمالاً، إلى الكويرة الواقعة جنوب الصحراء”.
وتابع بوخبزة حديثه لهسبريس بأن “سعي المغرب إلى تعزيز موقفه السياسي في مواجهة مطالب إسبانيا وصون مصالحه وحقوقه السيادية على كافة مجالاته البحرية، بالإضافة إلى رغبته في الاستفادة من الثروات التي تزخر بها هذه السواحل، خصوصاً مع الحاجة المتزايدة إلى مصادر الطاقة والموارد الطبيعية، يزيد من غل الرأي العام الإسباني، ما يدفعه إلى الخروج بهذه الكتابات”.
وأكد المحلل السياسي ذاته في تصريحه أن ”هذه الكتابات المنشورة من طرف الصحف الإسبانية هي بمثابة رد فعل من طرف الرأي العام الإسباني بعدما قام المغرب بترسيم حدوده البحرية بصفة أحادية دون مشاركة إسبانيا”، مشيرا إلى أن “هذا الترسيم يتم عبر مسطرة قانونية يتم تحديدها وفق التشريع الوطني والقانون الدولي للبحار والتحديد الخرائطي” .
وختم بوخبزة حديثه لـ هسبريس بأن ”هناك بعض الأطراف واللوبيات التي تتعمد التذكير بهذه المواضيع القديمة، التي مازالت موضوع نقاش لخلق التوتر بين البلدين”.
تطلعات المستقبل
قال عبد الصمد ملاوي، أستاذ جامعي وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، في تصريح لهسبريس، إن جبل تروبيك المتواجد بالسواحل المغربية “يحتوي على مواد ذات أهمية كبرى تستخدم في صناعة التكنولوجيا المستقبلية، كصناعة السيارات والألواح الشمسية عالية الكفاءة التي تولد الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية”.
“المنغنيز الحديدي والكوبالت والتليريو هي مواد ثمينة متواجدة بجبل تروبيك تستعمل في صناعة الحواسيب والآلات الإلكترونية، ويسعى المغرب من خلال تطويرها إلى التنافس على المراتب الأولى في مجال الصناعات التكنولوجية الدقيقة، معززا بذلك مكانته التجارية والإستراتيجية بين البلدان الأخرى”، يورد ملاوي.
وتابع الخبير الدولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة بأن “هذه الكمية الكبيرة من المعادن الثمينة المتواجدة بجبل ‘تروبيك’ هي نتيجة مجموعة من الدراسات والأبحاث التي قامت بها بعثة علمية موريتانية سنة 2016”.
وأضاف المتحدث نفسه: “رغم وجود هذا الخلاف الخفي بين مدريد والرباط إلا أنني لا أدري هل فعلا هناك خلاف بين البلدين أم لا، بحيث تشهد العلاقات الإسبانية المغربية تطورا إيجابيا، لاسيما بعد اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء”.
وأكد ملاوي على “إمكانية استغلال المغرب هذه المعادن الثمينة لتنزيل صناعة تكنولوجية مستقبلية توازي الصناعات العالمية اليوم، التي أصبحت تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والمساهمة أيضا في صناعة أزيد من 250 مليون سيارة كهربائية”.
المصدر: وكالات