خاضت لجنة تحكيم اليوم التصفيات النهائية على مستوى الجاليات ضمن مسابقة “تحدي القراءة العربي”، في عملية تقييم دقيقة لانتقاء بطل الجاليات من بين 26 طالباً وطالبةً، يمثلون 26 دولة حول العالم؛ وذلك خدمةً للنهوض بلغة الضاد في البلدان “غير العربية”، واستدامتها كتراث لغوي حيّ ولسني كوني. ومن المنتظر أن يُعلن عن صاحب “سرّ اللغة في بلدان الآخر” غداً في الحفل النهائي بحضور أمير دبي محمد بن راشد.
ورغم أن المتبارين من دول عديدة غربية، الحائزين على المرتبة الأولى ضمن التّصفيات السابقة المتعلقة بالجاليات، لا يوجد ضمنهم أي مغربي أو مغربية؛ إلا أن اللمسة المغربية حاضرة وبقوة من خلال وجود منسق الوفد البلجيكي من أصول مغربية. كما أن الحائز على الرّتبة الثّانية على مستوى دولة بلجيكا، بعد طالب سوري، أصوله مغربيّة.
وعاينت هسبريس أجواء التصفيات في غرفة مغلقة أمام لجنة التحكيم بمكتبة محمد بن راشد بدبي، ودردشت مع بعض المتبارين العرب الذين يقطنون في بلدان أجنبيّة عديدة، منها فرنسا وإسبانيا والولايات المتّحدة الأمريكية والهند، إلخ، فنوّهوا جماعةً بما أتاحه لهم “تحدي القراءة العربي”، كما أكدوا حبهم العميق للغة الضاد، التي يفتقدونها في الفضاء العمومي بالغرب، ورغبة كل منهم في إقناع اللجنة بأحقيته بأن يحمل لقب الجاليات.
وقال منسق الوفد البلجيكي في “تحدي القراءة العربي”، المغربي علي أربعين، إن “المغاربة كانوا سنويا يظهرون قدرات عاليّة في ما يخصّ التّمسك باللغة العربيّة في الديار الأوروبيّة، وهذا ما يبينه وجود المغربيّ محمد طه بوسدر في المرتبة الثّانية، بكل أهميّتها الرّمزية، التي خولت له أن يكون حاضراً معنا اليوم بدبي”، موضحاً أن “هذه المسابقة مبادرة جد هامة، بل ومن بين أهم المبادرات في العالم الخاصة باللغة العربية”.
واعتبر أربعين، في دردشة مع هسبريس، أن “أهمية هذه المبادرة تكمنُ في رهانها على شريحة التلاميذ، رغبة في دعم اللغة العربية وتثمينها، من خلال توطينها وتعميقها في صفوف الناشئة”، مؤكدا أن “تخصيص جائزة لبطل الجاليّات معناه تكريس تصوّر جديد ينسف التصورات القديمة بأنها لغة محلية تتعلق بالعرب والمسلمين حصراً”، وزاد: “هذه المبادرة تجعل اللّغة كونية، وحاضرة في كل بقاع العالم”.
ورغبة في “تأصيل الفعل القرائي كطقس يوميّ” أفاد المتحدّث ذاته بأن “التحفيز محوريّ لكي يصبح حمل الكتاب من ضمن طقوس المغاربة الذين يعيشون في الخارج، خصوصا باللغة العربية بما هي لغة جامعة وتمثل المغاربة قاطبة إلى جانب اللغتين الأمازيغية والحسانية، ولكن اللّغة المشتركة هي العربية”، مبيناً أن قبوله تنسيق هذه المبادرة في بلجيكا هو “رغبة في إبقاء المغاربة وغيرهم من الجاليات على اتصال بالتّراث اللغوي العربي”.
ويبدو أن الرجل على اطلاع بما يجري داخل عوالم اللغة بالغرب، بحيثُ أفاد بأن “العودة إلى اللغة العربية صارت قدراً حتى داخل أفق الغربيين؛ فبعد الأحداث المتواترة في الشرق الأوسط أراد القاطنون في الغرب أن ينفتحوا على هذه المناطق لكي يفهموا ما يجري من وجهات نظر أخرى مخالفة غير غربية بالضرورة، لاسيما بعدما أدركوا أن معرفتنا بهم أكثر من معرفتهم بنا”، مردفا: “لذلك نحن أيضاً يجب أن نهتم بهذه اللغة، التي ليست ملكا للعرب، بل تعد تراثا إنسانيا”.
من جانبه، لم يُخف المغربي محمد طه بوسدر، القاطن ببلجيكا، والحائز على الرتبة الثانية، أن خوض تجربة تحدي القراءة العربي، وكونه وصيفا ببلجيكا الآن رسميّا، بمنطق المشاركة، فهذا خلق لديه “تحفيزاً من نوع آخر لاستئناف مشوار ربما لن ينتهي في الاجتماع بالكتب وسبر أغوار عالم يتشكّل في الورق”، وتابع: “أتصوّر أنني سأركز جهدي الأكبر لكي أقرأ المزيد وأشارك في مسابقات مماثلة”.
ولم يتردد المولود بمدينة كرسيف المغربية في القول إنه دخل غمار التجربة “رغبة في إشعال المنافسة فقط، لكنّ ما بعد التنافس، استدمجه ليكون جليساً للكتب”، مضيفا أن “اللغة العربية لغة جميلة وثرية ونفيسة، وبحكم أن الجالية المغربية تكتسح نسبة مهمة من المجتمع البلجيكي فمن الضروري استثمارها للتواصل مع الجاليات الأخرى لكي نتشبث بأصولنا ونتمسك بثقافتنا وبلداننا بكل فخر واعتزاز”.
ومضى المتحدث شارحا: “المرتبة الثانية التي حصلت عليها ضمن مسابقة ‘بطل الجاليات’ شرّفتني أيضا، ومكنتني من التواجد مع قراء من طراز فريد، من مختلف دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط”، مستطردا: “أشعر بأنني عندما أشارك هنا لا أشارك كشخص فقط، وإنما كبلد كامل، لأرفع العلم المغربي وأشرّف أهلي. وجودي هنا للقول إنني من المملكة المغربية ليسمع ذلك كلّ المشاركين… هذه المشاركة هي مفخرة حقيقية لي ولعائلتي ولكلّ المغاربة”.
وفي تصريح لهسبريس قالت ساجدة البشير، من أعضاء لجنة تحكيم “بطل الجاليات” ضمن “تحدي القراءة العربي”، إن “الفرح الذي نشعر به كلجنة تحكيم هو أننا نحكّم طلابا عرباً يسكنون في بلدان غربيّة، وهم في غاية النضج، من حيث إصرارهم وحبهم وعشقهم للغة العربية”، مردفة: “هذا الحب جعلهم قارئين بهذه اللغة متحدثين طلقاء بها، وهو ما يجعلني أستحضر حين كنت قارئةً نهمةً أشارك في عدة مسابقات”.
ونوهت البشير بـ”الدور المحوري الذي يلعبه دعم الولدين لهؤلاء الطلبة” قائلة: “حين سألناهم عن الصّعوبات التي يواجهونها أخبرونا بأن من ضمن الإشكالات حضور اللغة العربية في البيت وانتفاؤُها تدريجيّا في الخارج، بحكم أن كل بلد يتحدث لساناً أجنبيا”، مثمّنة “هذه الجهود وهذا الإصرار لإتقان لغة أصولهم نطقاً وفهماً واستيعابا وقراءة، كما تم خلال دورات التحدي كلها”.
ونفت عضو لجنة التحكيم أن تكون فئة الجالية من تحدي القراءة العربي مخصصة لذوي الأصل العربي، شارحة: “في إحدى الدورات حكّمنا وفاز طالب إيطالي أصرّ أن يتعلم اللغة العربية وهو في عمر متقدم حتى يشارك في هذه التظاهرة الهامة، رغم أنه ليس عربيا ولا من أصول عربية”، مشيرة إلى أن “هذه المبادرة صنعت جيلاً يقرأ ويتحدّث ويفخر بأنه يعرف لغة القرآن، بوصفها لغة حية ومنتعشة”.
المصدر: وكالات