لاحظ العديد من المتتبعين أنّ العمليات الإحسانية والتضامنية التي تتكثّف كل سنة قبل عيد الأضحى، لأجل شراء الأضحية للعائلات المعوزة، تعرف هذه السنة “خفوتا” و”ضموراً” و”تراجعاً”، رغم أننا بلغنا الأسبوع الأخير قبل يوم العيد، وسط تساؤلات كثيرة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع.
“الضّمور” الذي تم تسجيله على المستوى الافتراضي، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، كان بدوره لافتاً ومثيراً للاهتمام، لكونه كشف فقط عن استثناءات ومبادرات معزولة لم تجد التفاعل والتجاوب الكافيين، كما السنوات الماضية، ًحين كان جمع الأضاحي والتبرعات يتم في وقت قياسيّ، وذلك ما أكده بعض متزعمي الحملات الحالية لجريدة هسبريس.
أسباب عديدة
اعتبر مصطفى بنزروالة، الباحث في علم الاجتماع، أنه “لا يمكن لأيّ متابع أن يخطئ الملاحظة التي مفادها التّراجع المسجّل والملحوظ في عمليات تنظيم حملات جمع التّبرعات واقتناء الأضاحي لفائدة الفئات المعوزة، التي لا تستطيع توفيرها”، لافتا إلى أنّ “فهم هذا الأمر لن يتمّ إلاّ باستحضار مجموعةٍ من السّياقات التي ساهمت في هذا التراجع، ويمكن أن نجملها في أربعة مصوغات مركزية”.
المصوغ الأول، حسب ما فسره بنزراولة لجريدة هسبريس، “هو بالأساس اقتصادي ومادي، راجع لما يسجله سوق الأضاحي من ارتفاع مُخيف في الأسعار، ليس له ما يبرره في كثير من الأحيان مقارنة بأثمان السنوات الماضية”، مضيفا أنّ “هذا الأمر دفع الكثيرين، خاصة فئة من الطبقات المتوسطة وتحديداً الموظفين الذين ألفوا الانخراط في جمع التبرعات واقتناء الأضاحي، يعدلون عن الأمر بمبرّر الغلاء والاكتفاء الذاتي”.
المصوغ الثاني، الذي يقدمه الباحث في علم الاجتماع، يتعلق بـ”المستجدات القانونية التي ساهمت في تراجع الحملات الدعائية العلنية لجمع التبرعات، بالنظر إلى تعقد مسطرة الإحسان العمومي وما تحمله من تبعات قانونية لكل مخالف لهذه المسطرة، التي جاءت للحد من استغلال حملات جمع التبرعات والإحسان وحملات التضامن لحسابات إيديولوجية وحزبية أو شخصية”.
أما المصوغ الثالث فيمكن قراءته، وفق المتحدث ذاته، “من خلال الانتقادات الافتراضية التي طالت بعض الحملات التضامنية التي يتزعمها مشاهير و’مؤثرون’، أو ما يمكن وسمه بـ’التضامن المرقمن’؛ وقد طرحتْ حينها سؤال الغاية والمصادر وحدود التضامني فيها من الإشهاري”.
كما أشار الباحث، في السياق ذاته، إلى أنّ “هناك العديد من الحملات التي تم فيها استغلال صورة الفقراء ووضعهم البئيس لجذب المتابعين، بل هناك من اتُّهم بالنصب والاحتيال أو بالاغتناء من وراء هذه الحملات، ما زهّد الكثيرين في عمليات التبرع الجماعي”.
وفي ما يخصّ المصوّغ الرابع فهو، في اعتقاد بنزروالة، أن “هذا التراجع لا يمكن عزله عن تراجع الإشعاع العام للطّقوس والممارسات المُصاحبة لمجموعة من الشعائر الدينية، بالنّظر إلى مجموعة من التّحولات القيمية النسبية التي يعيش على وقعها المجتمع المغربي، والتي تتراجع فيها منظومة قيمية قوامها التضامن والتعاون لصالح قيم فردانية جديدة”.
تضخم يحجّم التضامن
من جانبه، قال خالد بنعلي، الخبير الاقتصادي، إنّ “عملية التّضامن في عمقها الاجتماعيّ دائما ما كانت تريد حل مشكل اقتصاديّ من خلال توفير الأضاحي للأشخاص المُعوزين اقتصاديا، بغاية إدخال الفرحة والبهجة على جميع الأسر”، مسجلاً أنّ “المؤشرات الكثيرة الحالية تبين أنّ هذه السنة سيختلط الاقتصادي والاجتماعي بشكل مختلف، ولن تكون النتيجة كما كانت في السنوات القليلة الماضية، بسبب تراجع عمليات التضامن”.
وشدد بنعلي، في تصريحه لجريدة هسبريس، على أنّ “الجمعيات المدنية وبعض المؤسسات الرّسمية، بما فيها السّفارات أو البعثات، حين كانت تود القيام بهذه العملية التضامنية كانت تحدد عدة شروط، ويكون التخطيط لشراء مجموعة من الأضاحي بناء على عدد الأسر التي ستستفيد”، ذاكراً أنّه “مرحليا تبدأ بعد ذلك عملية جمع التبرعات، التي تعرف صعوبات جمّة بسبب ارتفاع أسعار الأضاحي هذه السنة”.
الأثمان الملتهبة، حسب الخبير الاقتصادي ذاته، “من الطبيعيّ أن تفرز تقلّصا على مستوى حملات التضامن، وهو ما لاحظناه جميعا هذه السنة”، موضحاً أنّ “هناك ما يتعلق أيضا بمشكلة الإمكانيات، فجمع أثمان الأضاحي هذه السنة ليس مهمة سهلة لأن ما نمر به من ارتفاع مهول في أسعار المواد الأساسية جعلَ الأسر العاديّة مثلا، التي كانت تساعد أفراداً من العائلة، تجدُ صعوبة بسبب تضرّر قدرتها الشّرائية”.
وبالنسبة لبنعلي فإن “الأسئلة المطروحة اليوم تتعلق بانعكاس التضخم على التضامن”، وزاد مفسراً أنّ “الجواب يجب أن يدفعنا جميعا إلى التفكير في خلق آليات مستقبلاً حتى لا يكون للتضخم الاقتصادي تأثير كبير على التّضامن الاجتماعي كما نراه اليوم”، مشيرا إلى أنّ “التضامن قيمة إنسانية واجتماعية، خصوصا في هذه الأعياد، ومن ثمّ يجب أن تكون هناك مقاربة رسميّة لتكريس المزيد من التضامن”.
وقال المتحدث ذاته: “عيد الأضحى هو سنّة مؤكدة لمن له إمكانيات تقديم الأضحية، لكنه من الجانب الاقتصادي والاجتماعي رسّخ داخل المجتمع حملات من التضامن خلقت رواجا اقتصاديا في سوق الماشية، عبر تسخير الرقمية في السّنوات الأخيرة”، وأضاف متأسفا: “يبدو هذه المرة أنّ التّداعيات الاقتصاديّة التي مسّت مُختلف شرائح المجتمع ستفسد نكهة العيد عند العديد من الأسر، نتيجة تراجع العمليات الخيرية”.
لهذا، خلص بنعلي إلى أنّ “تقلّص حملات التضامن سيجعل العديد من الأسر تلجأ إلى خيار تضامنيّ آخر، وهو أن تمنح قطعا من لحم الأضحية للذين لم يتمكنوا من توفير الأضحية، ولم يتمكن حتى الجمعويون من توفيرها لهم، بما أنه ليس ممكنا توفيرها لكل المعوزين”، مسجلاً أنه “حتى الحملات التضامنية القليلة التي انطلقت فهي مازالت تواجه جشع السماسرة و’الشناقة’، الذين أفسدوا فرحة عيد الأضحى هذه السنة”.
المصدر: وكالات