اعتبر أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، أن “وقع الجفاف كان أكثر حدة خلال سنة 2022 بالمغرب، التي اتسمت بعجز في التساقطات المطرية بمقدار النصف تقريبا مقارنة بموسم فلاحي عادي”؛ مسجلا “تراجُع الأنشطة الفلاحية بنسبة 15.2 في المائة، بعد زيادة بنسبة 17.8 في المائة سنة 2021”.
وبمناسبة تقديم “الميزانية الاقتصادية التوقعية لعام 2023″، أكد الحليمي، في كلمة تلاها نيابة عنه الكاتب العام للمندوبية عياش خلاف، خلال ندوة صحافية عقدت بمقر المندوبية مساء أمس الخميس، في الرباط، أن “الوضعية الفلاحية تأثرت بمردودية المحاصيل وضعف قدرة السلاسل الحيوانية على الصمود، على خلفية ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة وأعلاف الماشية”.
“تعافي الفلاحة” يرهن الانتعاش في 2023
سنة 2023 لن تخلو من صعوبات، حسب المندوبية، التي قالت إن “الاقتصاد الوطني سيتطور في سياق تطبعه احتمالات حدوث ركود لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين، وتشديد الأوضاع المالية الدولية، واستمرار ارتفاع الأسعار”، هذا بغض النظر عن تحدي “تعافي الفلاحة” الذي جعلته شرطا لازما لانتعاش الاقتصاد.
وتوقع الحليمي علمي في كلمته أن “يتباطأ نمو التجارة العالمية إلى 1.6 في المائة عوض 4 في المائة سنة 2022″، لافتا إلى أنه “من المفترض أن يشهد الطلب العالمي الموجه إلى المغرب انخفاضا في معدل نموه ليصل إلى 3.2 في المائة في سنة 2023 مقابل 7.6 في المائة في سنة 2022”.
ومع افتراض تطور يتوافق مع “موسم فلاحي متوسط”، من المتوقع أن تشهد القيمة المضافة للقطاع الفلاحي ارتفاعا بنسبة 9 في المائة خلال 2023، محذرا من أن “مخاطر عودة شبح الجفاف لا تزال محتملة رغم هطول أمطار غزيرة نسبيا خلال شهر دجنبر 2022”.
وأكد المسؤول ذاته أن “إعادة صياغة استراتيجية تنموية للقطاع الفلاحي من أجل تعزيز السيادة الغذائية والحفاظ على البيئة وتحسين دخل المزارعين المتأثرين بشدة بتوالي سنوات الجفاف كلها تحديات تواجه القطاع الفلاحي”.
باستثناء قطاع الفلاحة، من المتوقع أن يستمر النشاط الاقتصادي في التباطؤ، مسجلا “زيادة محدودة” بنسبة +2.7 في المائة سنة 2023. وعزت المعطيات ذاتها إلى ما وصفه الحليمي علمي بـ”تبديد آثار الاستدراك/ اللحاق الميكانيكي لخدمات السياحة والنقل على العرض، وتباطؤ الطلب الأجنبي على الصناعات التصديرية، وإلى سياسة نقدية قليلة المرونة”.
وأجملت المندوبية توقعاتها لنمو 2023 بالقول: “مع مراعاة انتعاش الأنشطة الفلاحية، سيرتفع الاقتصاد الوطني بنسبة نمو 3.3 في المائة سنة 2023″، قبل أن تستدرك أن “عدم اليقين سيؤثر على هذا النمو، المرتبط بشكل خاص بتطور الحرب في أوكرانيا، وتطور أسعار الفائدة، والمخاطر الوبائية والمناخية”.
“تعطل” محركات النمو الاقتصادي
سجلت المندوبية تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد الوطني إلى 1.3 في المائة سنة 2022، بدلا من متوسط زيادة قدرها 3.2 في المائة سنويا تم تسجيلها بين 2015 و2019؛ عازيا ذلك، فضلا عن تأثير مزدوج لصدمات التضخم والجفاف، إلى “تباطؤ سرعة محركات النمو الاقتصادي”.
ونتج هذا التباطؤ في النشاط الاقتصادي عن “تعطل أهم محركات النمو الاقتصادي”، وفق توصيف المؤسسة، التي توقعت أن الطلب الداخلي قد عرف انخفاضا في معدل نموه ليصل إلى + 2.3 في المائة سنة 2022، بدلا من + 9.1 في المائة سنة 2021. كما أكدت أن “القوة الشرائية للأسر قد عرفت، من جهتها، هبوطا بنسبة 1.9 في المائة، في ظل التأثير المشترك للانخفاض في الدخل الفلاحي والزيادة في التضخم”.
وتوقع المصدر ذاته أن الأسر المغربية، للحفاظ على استهلاكها، قد اضطرت إلى “الاعتماد جزئيا على مدخراتها والرفع من استدانتها في 2022″، موردة في هذا الصدد أرقاما جد مقلقة عن تراجع مؤشرات الثقة بين الأسر كما المقاولات.
محيط دولي “منقسم”
سجلت المندوبية تذبذب إيقاع النمو في السنوات التي تلت “جائحة كورونا”، مؤكدة أنه “بعد عامين اتسَما بالأزمة الصحية وانتعاش ما بعد الأزمة، شهد الاقتصاد الوطني تراجعا في وتيرة نموه في سنة 2022، تحت تأثير صدمات الجفاف والتضخم. كما كان المحيط الدولي أقل مواتاة في 2022 مع تزايد حدة التوترات الجيوسياسية”.
المؤسسة الإحصائية الوطنية جددت التحذير من “التفكك المتزايد للعولمة وتصاعد النزعة الحمائية عبر العالم، اليوم”، مؤكدة أنه يشهد “انقساما غير مسبوق بشكل متسارع للمحيط الاقتصادي الدولي”.
إن تداعيات هذا الانقسام، وبعد أن زجت بالاقتصادات المتقدمة في حقب جديدة من التضخم والمؤدية إلى الركود الاقتصادي، ستنعكس على الدول النامية التي ستعاني من الآثار الجانبية لارتفاع تكلفة التمويل بسبب ارتفاع معدلات الفائدة”، سجل المندوب السامي لافتا إلى أن “الدولار سيخسر أكثر وستنخفض أسعار المواد الأولية. كما ستتلاشى آمال الإقلاع والتعافي على المستوى الدولي بالنظر إلى تباطؤ التجارة العالمية وانتشار الركود؛ ما يعني “معاناة المغرب، أيضا، من انعكاسات هذا المحيط إلى جانب صدمات أخرى خاصة باقتصادنا الوطني”، حسب الحليمي علمي.
مقاولات في “وضعية صعبة”
باستثناء قطاع الفلاحة، واجهت المقاولات صعوبات أثرت بشكل كبير على أنشطتها، لاسيما في القطاع الثانوي (الصناعة)، إذ بلغت نسبة المقاولات الصناعية التي واجهت مشاكل التزود، حسب نتائج البحوث المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، حوالي 65 في المائة في منتصف سنة 2022، عوض 15 في المائة سنة 2019.
وإجمالا، رجحت المعطيات الرسمية ذاتها أن يصل النمو الاقتصادي، باستثناء الفلاحة، إلى 3.4 في المائة سنة 2022، بدلا من 6.8 في المائة سنة 2021؛ وهو ما يؤشر إلى تراجع في أنشطة القطاعات غير الفلاحية أيضا.
البطالة.. انخفاض “طفيف”
وفي ظل تباطؤ النمو الاقتصادي، الذي أعقبه تراجع معدل النشاط ومناصب الشغل التي تحدثها أنشطة القطاع الثالث، التي كان من شأنها أن تعوض الخسائر المسجلة في قطاعي البناء والأشغال العمومية والفلاحة، فإن معدل البطالة على المستوى الوطني قد انخفض بشكل طفيف ليصل إلى 11.6 في المائة سنة 2022، أوردت المندوبية.
المصدر: وكالات