مرة أخرى يجنب المغرب جارته الشمالية إسبانيا “الوقوع في حمام دم”، بعد تقديمه معلومات استخباراتية “دقيقة” حول خلية إرهابية تنتمي إلى تنظيم “داعش”، “تستعمل مواقع التواصل الاجتماعي لجذب القاصرين إلى الأعمال الإرهابية”.
سياق هذا التعاون الأمني “المثمر” بين مدريد والرباط يتزامن مع استمرار رياح الانتخابات الإسبانية، التي تعرف صوتا يمينيا “مشككا” في العلاقات التي تجمع مدريد بالرباط، وعوائدها “المهمة” على الأمن القومي للمنطقة.
سنة 2019 وقعت كل من مدريد والرباط على خارطة التعاون الأمني الاستخباراتي، التي ساهمت في تعميق تبادل المعلومات بين الجانبين حول التهديدات المحتملة، وهي الفترة التي تلتها معلومات ثمينة قدمها المغرب لمدريد، جنبت الأخيرة أعمالا إرهابية خطيرة؛ غير أن استقبال غالي جمد الاتفاقية، لتعرف إسبانيا تخبطا في مواجهة الخلايا النائمة؛ ورغم نجاحها في التصدي لتلك التهديدات فإن أهمية التنسيق الأمني مع الرباط “ظهرت جليا خلال تلك الفترة”، لتسارع مدريد إلى إحياء الاتفاقية من جديد.
يظهر إذن سبب تشديد بيدرو سانشيز، رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسبانية، على “أهمية إبقاء العلاقات في مستويات عالية مع الجار الجنوبي”، التي أعطاها في حواراته الأخيرة بعدا إستراتيجيا، متجاوزة المصالح، والنوافذ الضيقة.
تعاون مهم
شريفة لموير، محللة سياسية، ترى أن “التعاون الأمني بين إسبانيا والمغرب يعتبر مرتكزا أساسيا بين البلدين، عززه التقدم والاستباقية التي تعرفها الأجهزة الأمنية المغربية؛ وما يعكس جدية هذا التعاون هو تفكيك مجموعة من الخلايا الناشطة على مستوى البلدين بفضل التنسيق المشترك”.
وأضافت لموير لهسبريس أنه “على مدى سنوات شكل الجهاز الأمني المغربي تميزا لافتا على مستوى تعاونه مع مجموعة من الشركاء الشماليين، والأكيد أن هذا يجعل تركيز مجموعة من الدول ينصب على التعاون الأمني مع المغرب، خاصة في مجال محاربة الإرهاب”.
وبحسب المتحدثة فإن “الخطوات التي يعرفها التعاون المغربي الإسباني في المجال الاستخباراتي والأمني، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة التي جنبت وقوع كارثة على الأراضي الإسبانية، وكذا التسارع الذي تعرفه التحديات المرتبطة بالإرهاب، والجريمة المنظمة العابرة للقارات، أمور تفند مجموعة من ادعاءات اليمين الإسباني التي من شأنها زرع التوتر بين البلدين لا غير”.
وتشير المحللة السياسية ذاتها إلى أن “إسبانيا في غنى عن أي توتر مع الرباط، ما قد يعيد تأزم الوضع بشكل كلي، خاصة في ظل مواقف اليمين الإسباني التي تحاول الترويج لأطروحات تهدد العلاقات بين البلدين”.
رسالة لليمين
من جانبه سجل هشام معتضد، خبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية، أن “التعاون الأمني والاستخباراتي مع إسبانيا هو بناء إستراتيجي مع الدولة الإسبانية، يتعلق أساسا بالحفاظ على الأمن القومي للبلدين، بعيدًا عن المزايدات السياسوية المرتبطة بتوجهات الأحزاب الإسبانية أو مواقفها الإيديولوجية”.
ويضيف معتضد في تصريح لهسبريس أن “أهمية هذا التعاون الاستخباراتي هي ما تجعل الحكومة الإسبانية، كيفما كان توجهها السياسي أو إيديولوجيتها الحزبية، تحترم التوجهات الإستراتيجية للدولة في ما يخص رؤيتها الدفاعية أو ديناميكية تعاونها الأمني، بعيدًا عن الأحكام السياسية أو الاختيارات الإيديولوجية لمن يقود الحكومة”.
“العملية الأخيرة أظهرت ليس فقط تفوق المغرب في تقفي آثار العمليات الإرهابية، بل تبرهن أيضا عن الانخراط المسؤول لمختلف المؤسسات الأمنية المغربية في مجال التعاون الدولي لاستتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى جدية أفرادها في التدخل في الوقت المناسب والحازم لاجتناب أي خسائر كيفما كان نوعها”، يقول المتحدث ذاته، وزاد: “الجهاز الأمني والمخابراتي المغربي ساهم بشكل كبير في تفكيك العديد من العمليات الإرهابية والإجرامية المعقدة جدا في أوروبا بشكل عام، وفي إسبانيا وفرنسا وبلجيكا بشكل خاص، لذلك فمكانته في خريطة الدفاع الأمني في المنطقة المتوسطية والأوروبية ليست فقط ضرورية، ولكن إجبارية في الحفاظ على الأمن عبر التدخلات الاستباقية والتشخيص المبكر للعمليات”.
ولفت الخبير في العلاقات الدولية والإستراتيجية إلى أن “هاته العملية تأكيد جديد للتعاون الأمني الاستخباراتي المستمر والمتجدد بين الرباط ومدريد، الذي تؤطره خريطة التعاون الإستراتيجي بعيدة الأمد، التي لا تتأثر بالتحولات السياسية للحكومات أو الأحداث السياسية الظرفية والعابرة، خاصة أن هذا التعاون ميدان محفظ للدولتين، ويهم أمنهما القومي بعيدًا عن التوجهات الإيديولوجية”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “العملية أيضا تأتي لتوضح مجددا للمشككين في رؤية الرباط الأمنية في المنطقة أن أمن المغرب من أمن إسبانيا، وأن الدولة المغربية تعتبر أمنها القومي والأستراتيجي من أمن أوروبا وشعوبها؛ فضلا عن أن انخراط المؤسسات الأمنية والاستخباراتية المغربية لتشفير هذا النوع من العمليات دليل إضافي على تشبتها بمبادئها، وقيم رؤيتها في مجال التعاون الدولي للحفاظ على السلم والسلام في المنطقة”.
المصدر: وكالات