سيول كاسحة وفيضانات عارمة عرفتها مناطق الجنوب الشرقي نهاية الأسبوع الفائت، خلفت خسائر كبيرة؛ بيد أنها شدت الانتباه مرة أخرى إلى السدود التلية والصغرى التي “تشكو هذه المناطق مما يشبه غيابها”، من خلال ظهور مطالب لـ”وضع تصور استراتيجي مُحين لتعزيز العرض المائي عبر تأهيل هذه السدود لتخزين وتجميع مياه هذه الأمطار الغزيرة وتسخيرها للتخفيف من حدة الجفاف”.
نزار بركة، وزير التجهيز والماء، أكد، منذ أشهر، “وجود تأخر في أشغال إنجاز السدود التلية بجهات المغرب، بسبب ارتفاع تكلفتها المالية مقارنة بالميزانية المرصودة لها”؛ غير أن الفاعلين في الشأن المناخي والمتتبعين لقضايا الجفاف وتداعياته يقولون إنه “من الممكن أن تنفتح الوزارة على الشراكة مع القطاع الخاص ضمن رؤية استراتيجية واضحة تخلص المغرب الشرقي من حيف التنمية”.
التجربة فرصة
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ، قال إن “الكميات التي ضاعت في السيول من هذه الأمطار المهمة تكشف بالفعل الحاجة إلى ضرورة التفكير في تعميم سياسة السدود التلية”، مسجلا أنه “ليس هذا فقط؛ بل التساقطات الأخيرة تتطلب إعادة النظر في سياسات تجميع المياه على مستوى الجنوب الشرقي للمغرب والجنوب. اليوم، لاحظنا أن البنية الطرقية والتجمعات السكنية وصلتها المياه نتيجة السياسة المعمول بها حاليا وتأخير تشديد بعض السدود”.
وأورد بنرامل، في تصريحه لهسبريس، أنه “اليوم وفق يعني التكنولوجيات الحديثة وما يتيحه الذكاء الاصطناعي وبالنظر لمورفولوجية المنطقة وسيناريوهات التنبؤ بأشكال الطقس المتطرفة تحتاج رؤية استراتيجية جديدة، حيث إن هذه الأشكال التي نعيشها بخصوص الفيضانات على مستوى المغرب الشرقي لم تكن منتظرة ولا متوقعة بهذا الشكل”.
وأضاف المتحدث عينه أن “التدخل يتعين أن يكون قبليا؛ فالملاحظ أن التدخل بعد بداية الأمطار الطوفانية كان ضعيفا. لم تكن هناك تجهيزات كافية للعملية، خصوصا في المناطق الوعرة، فضلا عن أن العتاد عادي”، مبرزا أن “السدود التلية كان يمكن أن تجمع هذه الأمطار في مناطق عليا تستطيع السلطات التحكم في تدبيرها”.
في النهاية، اقترح المصرح أن “يتم تشييد سدود تلية وسدود كبرى إضافية في الأماكن التي هي مرشحة لتشهد تساقطات من هذا النوع”، معتبرا أن هذه المياه يمكن أيضا تخزينها على شكل بحيرات ومستنقعات لتتسرب إلى الفرشة المائية أو توجيهها لأجل الاستغلال بعد توقف الأمطار سواء في المجال الزراعي أو في توليد الطاقة الكهربائية”.
وزاد الخبير البيئي ذاته: “السدود حل مطلوب؛ ولكن يجب ألا نعول عليه وحده مادامت هناك حلول عملية أخرى”.
“واردة مهدورة”
أميمة الخليل الفن، باحثة في المجال المائي، سجلت “أهمية” السيول التي تم تسجيلها على مستوى مناطق الجنوب الشرقي خلال الأيام الأخيرة والتي من شأنها التقليص من حدة الندرة، متأسفة لكونها مجددا ستضيع في الأودية وتسيح في الأرض دون الاستفادة منها في تعزيز الفرشة المائية وتقوية العرض المائي على مستوى هذه المناطق التي تعرف جفافا حقيقيا منذ سنوات.
واعتبرت الفن، ضمن توضيحاتها لهسبريس، أن “هذه المناطق صارت تحتاج بالفعل اليوم إلى سدود صغرى وتلية، بما أن العديد من السدود الموجودة مهترئة ومُصابة بالتوحل”، مشددة على ضرورة “تعجيلها وتسريع تنفيذها والتفكير في تكثيفها في هذه المناطق التي تعيش خصاصا مائيا ملحوظا. هذه تبقى أحسن وسيلة وأحسن آلية يمكن أن ندبر بها هذه الواردات التي تتلقاها الأنهار والروافد”.
وقالت المتحدثة إن “مدة إنجاز هذه السدود التلية لا تستغرق وقتا كبيرا، إلا أنها مكلفة ماديا؛ وهو ما يمكن أن يجعل وزارة التجهيز والماء تنفتح على القطاع الخاص للتعاون وضمان التمويل”، مبرزة أن “هذه السيول تبرهن على ضرورة استكمال ورش السدود والتفكير في أخرى؛ لأن الزخات المطرية الكبيرة صارت متوقعة، ومن شأنها أن تعفي السكان من فيضانات جارفة تضمن توزيع عادل للري الفلاحي”.
المصدر: وكالات