بشكل لافت تنتشر المساحات التجارية الكبرى في مختلف المدن المغربية، بما في ذلك المدن الصغيرة، وتتوغل العلامات البرتبطة بها داخل الأحياء الشعبية التي كان قاطنوها قبل سنوات قليلة يعتمدون على أصحاب محلات البقالة الصغيرة للتزود بالمواد الغذائية؛ بينما باتوا اليوم يتوجهون، بشكل متزايد، نحو المتاجر الكبرى.
وتشكل القدرة الفائقة للمتاجر الكبرى على استقطاب الزبناء و”انتزاعهم” من تجار المواد الغذائية الصغار تهديدا لوجود “مول الحانوت”؛ بالرغم من رسائل الاطمئنان التي ما فتئت الحكومة ترسلها إلى المعنيين، عبر الوزارة الوصية على قطاع التجارة والصناعة والتي تؤكد على ضرورة حماية هؤلاء.
مع “مول الحانوت”
لا يُخفي الطيب آيت باه، وهو أحد التجار الذين ناضلوا لسنوات طويلة في سبيل الارتقاء بوضعية البقال المغربي، اقتناعه بأن “مول الحانوت” يوشك على الاندثار، بالرغم من الدورين الاقتصادي والاجتماعي الكبيرين اللذين لعبهما لعقود من الزمن، إذ لم يقتصر دوره فقط على البُعد الاقتصادي بل الإنساني أيضا؛ فقد كان مزوّدا للأسر، لا سيما في الأحياء الشعبية، بما تحتاجه من مواد غذائية مع تأجيل السداد، إذ لا يخلو أي محل من محال البقالة من “كناش الكريدي”.
اليوم، صارت فئة كبيرة من الطبقة المتوسطة تفضل التوجه نحو الأسواق الكبرى، كنوع من الثقافة الجديدة التي تنتشر في المجتمع وكسلوك يبحث من خلاله المستهلك عن “عيش نوع من الرفاهية”، حيث يكون أكثر حرية إزاء البضائع، بعيدا عن النمط التقليدي حيث يحضر “الكونطوار” كفاصل عنيد بين التاجر والزبون، إضافة إلى ما توفره هذه المراكز من خدمات أخرى، مثل أماكن الترفيه للأطفال والمطاعم والمقاهي..
وبالرغم من أن التجار الصغار يشكلون قوة اقتصادية كبيرة، سواء على مستوى رقم معاملات تجارة القرب أو توفير فرص الشغل، فإن عدم تكتّلهم يعدّ من بين الأسباب الرئيسية لضعفهم أمام “تغوّل” المتاجر الكبرى التي تملك قوة تفاوضية هائلة للحصول على البضائع بسعر أرخص من السعر الذي يحصل بها عليها التجار من الشركات.
“مصدر قوة المتاجر الكبرى هو أن لديها مئات نقاط البيع، وهذا يعطيها قوة تفاوضية مع الشركات وبالتالي السيطرة على السوق. وقد حاولنا منذ سنوات خلق تكتلات، عبر إنشاء مجموعات عائلية كخطوة أولية، بحكم أن الرابط العائلي يقوي الثقة بين التجار؛ لكننا لم نتقدم في هذه الخطوة”، شرح الطيب آيت باه في حديث لهسبريس، مبرزا أن “المشكل الأكبر الذي أضعف التجار الصغار هو تشتّتهم”.
المواكبة الحكومية
أقر رياض مزور، وزير التجارة والصناعة، خلال اليوم الوطني للتجار المنظم في مدينة القصر الكبير شهر يونيو الماضي، بأن المنافسة من طرف المتاجر الكبرى والقطاع غير المهيكل هي من أبرز التحديات التي تواجه تجار القرب.
ويطرح مهنيو القطاع كحل لهذا التحدي تقوية صفوف التجار الصغار ليتمكنوا من “الشراء المشترك” بهدف الحصول على السلع من الشركات بأسعار منخفضة، وهو خيار يحظى بدعم من الوزارة الوصية على قطاع الصناعة والتجارة؛ غير أن غياب مواكبة في المستوى المطلوب لـ”مول الحانوت” يجعل تحقيق هذا الطموح مستبعدا، حسب آيت باه.
وقال المتحدث ذاته: “دايرين مسرحيات لمول الحانوت لكي يبرهنوا أنهم مهتمون به، ولكنهم لا ينكبون على حل مشاكله الحقيقية”؛ مضيفا: “حين لم تأخذ الغرف المهنية مطالبه على محمل الجد، تأسست نقابات، لكنها لم تقدر على فعل شيء ملموس، فانبثقت منها جمعيات، ولم يزدْ ذلك القطاعَ إلا تشرذما”.
ويشكل قطاع تجارة القرب واحدا من أعمدة الاقتصاد المغربي، إذ تمثل مساهمته في الناتج الداخلي الخام 10 في المائة. كما أنه يوفر زهاء 1.3 ملايين منصب شغل، محتلا بذلك الرتبة الثانية على قائمة القطاعات المشغّلة للمغاربة بعد قطاع الفلاحة والصيد البحري.
وبالرغم من الخطر المحدق بوجوده بسبب المنافسة، فإن “مول الحانوت” يمكن أن يصمد، شريطة تطوير نفسه، حسب آيت باه، موضحا: “العلاقة بين تاجر القرب والزبون ليست علاقة بيع وشراء فقط، وإنما هي بالدرجة الأولى علاقة إنسانية؛ فهو بنفسه المشرف على الصندوق بخلاف المتاجر الكبرى التي لا يرى فيها الزبون صاحب المتجر ويتعامل فقط مع المستخدمين. كما أن بقال الحي يقدم خدمات مختلفة، وفي مقدمتها “الكريدي” مجانا… ولكنه يحتاج إلى مواكبة من طرف الحكومة لتطوير نفسه، وإلا فإن وضعه سيتدهور شيئا فشيئا إلى أن يرفع الراية البيضاء”.
المصدر: وكالات