بعيدا عن حرائق الغابات بمناطق مغربية مختلفة في ظل توالي موجات الحرارة المفرطة، تتجه الأنظار نحو أضرار أخرى ليست أقل خطورة تتكبدها المملكة بسبب التغيرات المناخية، إذ تجعل الحرارة المخزون المائي السطحي المتراجع أصلا عرضة للتبخر بوتيرة أسرع تنذر بتفاقم أزمة الماء في البلاد.
في هذه الأجواء يرتفع معدل سخونة الأرض الذي يجعل نسبة مهمة من المياه المجمعة في السدود في مهب الريح، وهو الأمر الذي كان قد لفت الانتباه إليه وزير التجهيز والماء، نزار بركة، إلى جانب ظاهرة التوحل.
عبد الرحيم كسيري، المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، اعتبر أن ظاهرتي “تغير المناخ” و”إل نينيو”، “مؤشر على أن الحرارة ستستمر 18 شهرا وستبلغ أرقاما قياسية”، مؤكدا أن هذه الحرارة سيكون لها تأثير على “جميع مكونات الحياة والأوساط التي تحتوي على الماء”.
وقال كسيري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الظاهرة القوية التي تثيرها الحرارة المرتفعة هي “تبخر المياه”، مبرزا أن المياه السطحية تؤدي “أكبر نسبة من التبخر”.
ونبه المتحدث إلى اعتماد “قياسات جديدة لنسبة التبخر، لأن القياسات الموجودة تحتاج إلى التحيين”، مبرزا أن نسبة التبخر تهم “كميات ضخمة من المياه السطحية، لأننا نرى كيف تجف البحيرات وعدد من مناطق السدود”.
وتابع بأن هذا الوضع يبين “كيف يتناقص الماء بسرعة كبيرة، خاصة في هذه الفترات الجافة وتوالي سنوات الجفاف”، منبها إلى أن ليس المياه السطحية وحدها تجف؛ “فجميع النباتات والحيوانات والأشجار المثمرة تعرف عملية النتح”.
وأردف بأنه “بسبب التصحر، زادت حدة الجفاف، كما تزداد حدة تبخر المياه السطحية، والجفاف يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الماء من طرف المستهلكين، ولكن كمية الماء تنخفض بنسبة كبيرة، ولهذا يظهر أن عددا من البلدان قامت بمحاولات لخفض نسبة التبخر”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن العديد من الدول في “مناطق بها مياه سطحية كثيرة بدؤوا في استخدام الطاقة الشمسية التي تستهلك الأراضي، ولكن الفكرة التي اشتغلوا عليها ذكية، حيث وضعوا لوحات الطاقة الشمسية فوق الماء، وبذلك يربحون الأراضي ويحمون الماء من التبخر في الآن ذاته”.
وسجل كسيري أنه “لا معنى أن نستمر في استثمار أرقام ضخمة في بناء السدود وتحلية مياه البحر، في حين بإمكانيات قليلة يمكن أن ننقص من نسبة وحدة تبخر المياه الموجودة في السدود”.
ودعا المتحدث إلى تحديد الكلفة المالية والاقتصادية لأي استثمار لمعرفة نجاعته وذكائه، وبالتالي الاختيار بين حماية المياه السطحية من التبخر أو الاستثمار في محطة جديدة، مشددا على أن “تكلفة الماء ينبغي أن تحسب في أي مكان وكل منطقة وبأي شكل من الأشكال”.
وطالب المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة بالعناية بالمياه الجوفية وحمايتها من التلوث، معتبرا أن “ثمنها لا يتصور من الناحية الاستراتيجية، لأن المياه الجوفية هي سدود، ولكن لم نبنها، ولذلك لا نمنحها القيمة التي تستحقها”.
وختم كسيري بالقول: “لو كنا صرفنا على المياه الجوفية مثلما صرفنا على السدود، لكنا أحدثنا إدارة خاصة بها نرصد لها إمكانيات ووسائل لتتبعها والمحافظة عليها”، مؤكدا ضرورة التعامل بالجدية اللازمة مع التلويث الذي يمكن أن تتعرض له الموارد المائية الجوفية.
المصدر: وكالات