يواصل موضوع إعادة بناء الأقاليم المتضررة من زلزال الحوز المدمر إثارة اهتمام الخبراء والمتخصصين في التخطيط الترابي والتنمية؛ فقد دعا أحمد الطلحي، الخبير في العمارة والبيئة والتنمية، إلى اعتماد الدوار كـ”وحدة مجالية في التخطيط الترابي، والبداية بالمناطق المتضررة من الزلزال”.
جاء ذلك في مقال علمي للطلحي توصلت به هسبريس حول “خطط تنمية الدوار.. مقاربة جديدة في التخطيط الترابي”، في محاولة منه الإسهام في إغناء النقاش الدائر حول كيفية إعادة بناء المناطق التي دمرها زلزال 8 شتنبر بأقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورزازات وأزيلال، التي رصد لها ميزانية بمقدار 120 مليار درهم على مدى خمس سنوات.
وأكد الخبير في العمارة والبيئة والتنمية أن دعوته إلى اعتماد الدوار كوحدة مجالية في التخطيط الترابي يفرضها كبر حجم الجماعات في المغرب، سكانا ومساحة، مقارنة مع دول مثل فرنسا وإسبانيا، وكذلك بالنظر إلى الخصاص الكبير الذي تعرفه نسبة كبيرة منها، ومن أجل تنمية محلية عادلة ومتوازنة، وحتى يمكن إشراك الساكنة المحلية في مختلف مراحل التنمية الترابية.
وذهب الخبير ذاته إلى أن محطة إعادة البناء ينبغي أن تكون “مناسبة لمراجعة مقاربة التخطيط الترابي، خصوصا ما يتعلق بالمستويات الترابية المستهدفة من التخطيط الترابي، وهي ثلاثة: الجهة والعمالة أو الإقليم ثم الجماعة”.
ومن خلال التجربة العملية، أفاد الطلحي بأن هذه المستويات الثلاثة يظهر أنها “غير كافية للاستجابة لحاجيات السكان وتعميم التنمية المحلية، تلك التنمية الأفقية التي لا ينبغي أن تستثني أي جزء من جغرافيا الوطن ولا أي تجمع بشري قرويا كان أم حضريا”، معتبرا أن الزلزال عرى أمام الرأي العام “الواقع المرير الذي كانت تعيش فيه نسبة كبيرة من المناطق المتضررة، خصوصا القروية منها”.
وانطلاقا من هذه المسألة، اقترح كاتب المقال أن يضاف مستوى ترابي آخر في التخطيط الترابي، يهم “الوحدة الجغرافية الأصغر في المنظومة الترابية وهي القرية في الوسط القروي، بمسمياتها المحلية المختلفة: الدوار، المدشر، القصر، إغرم… على أن الدوار هو الاسم الذي أصبح متداولا أكثر إعلاميا وفي الدراسات والأبحاث والوثائق الرسمية، والحي في الوسط الحضري المعروف محليا باسم الحومة أو الدرب”.
وأشار المقال ذاته إلى أن هناك “العديد ممن يعمل في التنمية المحلية، خصوصا في العالم القروي، يطالب بذلك؛ بل هناك تجارب لتطبيق الاقتراح”، وتابع: “لعل أول مبادرة في هذا المجال كانت في السنوات الأولى من هذه الألفية، من قبل مؤسسة حكومية وبالشراكة مع هيئات أممية. وتم التطبيق على جماعة أكفاي التابعة لعمالة مراكش. وبحكم عملي آنذاك في هذه المؤسسة الحكومية بمدينة مراكش، كنت مكلفا بتتبع ومواكبة هذه الدراسة والتجربة”.
وزاد الطلحي قائلا: “حينما انتقلت للعمل بطنجة حاولت أكثر من مرة أن أطبق المقاربة في جهة طنجة تطوان الحسيمة، وكان أول تطبيق لها في مشروع التشخيص الترابي التشاركي لجماعات إقليم الفحص أنجرة سنة 2006 في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛ ولكن لم يكن على مستوى كل دوار على حدة لكثرة عدد الدواوير التي فاقت 150 دوارا، وإنما عمدنا إلى تجميع الدواوير ضمن 80 مجموعة من الدواوير. وكررت التجربة بعد ذلك؛ منها الذي نجح، ومنها الذي فشل”.
وتساءل الخبير ذاته عن “لماذا الدوار؟”، قبل أن يجيب: “الجماعات، التي تعتبر أصغر وحدة ترابية رسمية بالمغرب، هي وحدات كبيرة من حيث المساحة ومن حيث السكان، عكس ما نجده في البلدان التي لها تجربة طويلة في الديمقراطية المحلية والعمل الجماعاتي، خصوصا تلك الواقعة في القارة الأوروبية”.
وزاد الطلحي مبينا: “من خلال المقارنة مع دولتين أوروبيتين قريبتين منا جغرافيا وتربطنا معهما علاقات قوية في شتى المجالات، وهما فرنسا وإسبانيا، سيتبين بوضوح أهمية اعتماد الدوار كمستوى ترابي أول للتنمية المحلية”.
كما أوضح أنه من خلال المقارنة يظهر بأن الجماعات في المغرب “كبيرة جدا من حيث المساحة”، إذ متوسط مساحتها أكثر بـ30 ضعفا من متوسط مساحة جماعات فرنسا وبحوالي 8 أضعاف متوسط مساحة جماعات إسبانيا، ونفس الشيء من حيث عدد السكان، إذ نجد أن متوسط عدد سكان الجماعات بالمغرب يساوي أكثر من 12 ضعفا عما هو في فرنسا وأربعة أضعاف عما هو في إسبانيا، دائما حسب الطلحي.
بل أكثر من ذلك، واصل الخبير في العمارة والبيئة والتنمية مبينا أن الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 500 نسمة “لا تتجاوز 11 جماعة بنسبة أقل من 1 في المائة، مقابل أكثر من نصف عدد الجماعات في فرنسا وحوالي النصف في إسبانيا”؛ فيما الجماعات التي يتراوح عدد سكانها ما بين 500 وألف نسمة، فعددها “7 في المغرب بنسبة أقل من 0.5 في المائة، بينما نجد النسبة تصل إلى حوالي 20 في المائة في فرنسا وحوالي 13 في المائة في إسبانيا”.
وخلص الخبير المغربي، في مقارنته، إلى أنه توجد “4 جماعات مغربية عدد سكانها صفر نسمة وهي: الكويرة وأغونيت وزوك في إقليم أوسرد، ومجيك في إقليم وادي الذهب. والعدد يصل في فرنسا إلى 6 جماعات، وهي أساسا الجماعات التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، بل تم إحصاء 30 جماعة في سنة 2020 فيها 10 نسمات أو أقل. وفي إسبانيا تم إحصاء 1800 قرية في سنة 2023 يعيش فيها شخص واحد فقط”.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط، يوجد في المغرب 32 ألفا و125 دوارا، بمعدل 25.1 دوار لكل جماعة. وإذا قمنا بقسمة عدد السكان القرويين في المغرب على عدد الدواوير، سنجد أن متوسط عدد سكان الدوار هو 452 نسمة، حسب الطلحي؛ وهو “عدد كبير يساوي أو يفوق عدد سكان نصف عدد جماعات فرنسا وإسبانيا تقريبا، بمعنى أن حجم الدوار يساوي حجم جماعة في هذين البلدين”.
المصدر: وكالات