المملكة الإسبانية في غاية الأهمية بالنسبة للمملكة المغربية حاليا ومستقبلا.
إليكم الأدلة:
1.اقتصاديا: يصل كبش العيد من الخزيرات إلى طنجة في نصف ساعة. لو جاء الكبش من أستراليا لاستهلك في الطريق ما يزيد عن ضعف ثمنه.
2.اجتماعيا: يمكن “الحريك” سباحة إلى إسبانيا، وبالتالي فقد أنقذت إسبانيا آلاف المغاربة من البطالة لعشرات السنين.
3.كانت القنوات التلفزيونية الفضائية الإسبانية في تسعينيات القرن الماضي مدرسة حب لمتابعيها قبل زمن الأنترنيت.
4.في الشمال يتابع الشعب البطولة الإسبانية أكثر مما يتابع ما يجري في “الداخل”.
5.ثقافيا: اللغة الثانية الأكثر استخداما في العالم هي الإسبانية على بعد 14 كلم. وحين تسأل المسؤول المغربي: أين أذنك؟ يجيب: في باريس.
6.فنيا تقدم السينما الإسبانية نموذجا قويا للسينما المغربية. لا يمكن للناقد السينمائي المواظب على الكتابة تجاهل هذا. مثلا في فيلم المخرج بيدرو ألمودوفار “فولفر” 2005 نتعرف على ريموندا، وهو الدور الذي صمّم على مقاس الساحرة Penélope Cruz. ريموندا تعيش بما يتوفر، تكسب رزقها بالصدفة لكن بكرامة… تشتكي من تزايد الجفاف في إسبانيا… تحاول أن تحمي ابنتها المراهقة من كل المخاطر…
يقول المخرج إن فيلمه هو رد اعتبار لنساء ما بعد الحرب الأهلية اللواتي تحملن تربية أبنائهن بلا رجال… يعترف بأنه مدين بحياته لأمه التي تحملت محن ومجاعات إسبانيا بين 1940 و1960…
في المسلسلات تقدم “لا كاسا دي بابيل” درسا في السيناريو. في خمس دقائق كان البروفيسور شكل فريق العصابة، وفي عشر دقائق تم تحديد الهدف وتقسيم المهام… إنه إيقاع السرد سريع في قمته.
7.إسبانيا هي مشتر كبير للخضر والفواكه المغربية، وفي هذا تمويل يومي للعالم القروي الذي يزرع. ولا عبرة لمن يجلس في مقهى في قلب الرباط ويقترح وقف الزراعة حفاظا على الماء. جميلة هي الرومانسية البيئية. لكن ماذا سيأكل العمال الفلاحيون؟.
8.إسبانيا هي باب لأوروبا.
9.هي معبر لأمريكا اللاتينية.
10.إسبانيا حليف لمونديال 2030 بحضور 48 فريقا. سيلعب 24 فريقا على الأقل في طنجة والرباط والدار البيضاء والعيون.
11.إسبانيا نموذج ديمقراطي. مرت الانتخابات دون نصر سياسي واضح للحزبين الرئيسين فاتضح الدور الكبير للملك فيلب السادس. بعد مفاوضات، سياسيا انتصر الاشتراكيون وانهزم اليمين، بينما في فرنسا وألمانيا يصعد نجم وزير الداخلية جيرالد دارمانان ونانسي فيزر. في إيطاليا تحكم اليمينية جورجيا ميلوني بالمراسيم.
12.إسبانيا مصدر دعم سياسي حقيقي غير مسارا بأكمله.
كيف؟
في نونبر 2009 كانت إسبانيا مقلوبة عن بكرة أبيها للتضامن مع ناشطة سياسية جنوبية رفضت تقديم جواز سفرها لدخول مدينة العيون. في مارس 2010 قاطع الملك محمد السادس قمة غرناطة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. في مارس 2022 كتب سانشيز للملك محمد السادس: “لي الشرف أن أخاطب جلالتكم، لأنقل إليكم بعض الأفكار المهمة حول العلاقة الجديدة بين مملكتي المغرب وإسبانيا”.
نصت الرسالة على دعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. كان قرار المستعمر السابق إسبانيا أكثر ثقلا من قرار أمريكا في التسليم بمغربية الصحراء التي سبق وأخذتها من المغرب.
فورا استدعت الجارة الشرقية سفيرها احتجاجا على قرار إسبانيا، واعتبرت ذلك موقفا شخصيا لبيدرو سانشيز. في 19-04-2022 اشترطت الجزائر توضيحات إسبانية “مسبقة” حول تغير موقفها لكي تعيد سفيرها إلى مدريد. لا جواب. مر عام. بعدها كتبت الشروق أن السفير سيعود حين يخسر سانشيز الانتخابات.
أثناء الحملة الانتخابية نقلت الشروق ببهجة تصريحا لزعيم الحزب الشعبي الإسباني مفاده أنه “سيصحح” العلاقة مع الجزائر.
سهم مرتد: لأن سانشيز كسب انتخابات يوليو 2023. كسب المغرب إسبانيا في صفه وهي أخطر وأثقل وزنا اقتصاديا.
كيف؟
تاريخيا العداء الإسباني التاريخي للمغرب أعمق من العداء الجزائري. كان سانشوبنثا يسخر من المغاربة عشاق الباذنجان في رواية “دون كيخوته” 1605. من يتابع مبالغات جريدة إلموندو في 2023 سيعرف الحقيقة. إلموندو هي التي قادت الحملة ضد سانشيز حين كان يتناول الطاجين في مراكش بعد الانتخابات.
تاريخيا، العداء الجزائري للمغرب مجرد فقاعة سلطة وليس له امتداد شعبي، والدليل أن العسكر يخافون فتح الحدود.
من يستطيع إقناع الشاب خالد بهذا العداء؟.
قالت الجزائر إنها لن تعيد سفيرها إلى مدريد حتى يخسر سانشيز الانتخابات.
هكذا سهلت مهمة المغرب.
عمليا يصعب الجمع بين صداقة إسبانيا والجزائر،
بالنظر إلى تاريخ الجيران. فقدت إسبانيا 200000 شخص في عهد قمع فرانكو (1936- 1975) ثم قتلى حرب الباسك، وبعدها فقدت الجزائر 250000 شخص في الحرب الأهلية (1990-2000). هذه جراح عميقة. في كل الحالات كسب إسبانيا حليفا أجدى من كسب الجزائر.
مرت الانتخابات. سانشيز رئيسا للوزراء، لم يخسر. لا يكرهه الشعب كما كتبت وسائل الإعلام الجزائرية.
سقط الرهان على الحزب الشعبي. سيكون سانشيز في قصر مونكلوا Moncloa خلال السنوات الخمس القادمة.
ليعمق المغرب علاقته مع إسبانيا. ونرى أين سيكون السفير الجزائري في 2028.
سيؤتي الإنهاك الزمني مفعوله.
المصدر: وكالات