رغم الأدوار الكبيرة التي يضطلعن بها داخل القرى، الدواوير، والمداشر المغربية، وجلَدهن في مُكافحة ومقاومة إكراهات وصعوبات الحياة بالهوامش، فإن وضعية النساء القرويات بالمملكة تؤشر على تواصل “الجُحود” بمجهوداتهن، بحسب ديناميات حقوقية ومدنية ترى أن اليوم الدولي للمرأة الريفية، الذي يصادف 15 أكتوبر من كل سنة، مناسبة لإعادة “طرح أوجه معاناتهن على ساحة النقاش العمومي، بما يمكن من رفع الحيف المزدوج الذي يطالهن؛ حيف على أساس النوع، وآخر على أساس الانتماء إلى مجال الهوامش”.
وتتمسك الديناميات الحقوقية التي تحدثت لجريدة هسبريس الإلكترونية بـ”إعادة لفت الانتباه إلى إشكالية احتلت حيزاً هاماً من مرافعات الجسم النسائي، تزامناً مع مشاورات تعديل مدونة الأسرة، تتعلق بعدم استفادة النساء القرويات من نصف الثروة بعد الطلاق أو في حال وفاة الزوج، رغم كونهن يحملن يومياً ثقلاً مهماً من الأعمال والأنشطة الفلاحية، من الرعي أو تربية الماشية أو غيرها”، مُبرزةً أن “التغيرات المناخية، وعلى رأسها الجفاف، تأتي لتطرح تحديات أخرى تعمق معاناتهن، تتمثل في دفعهن يومياً نحو قطع مسافات طويلة للبحث عن الماء، مهددات بالتحرش والاعتداءات، وكذا تقليص مداخيل تعاونياتهن الفلاحية”. بينما يأبى فاعلون مدنيون إلا أن يذكروا “إشكاليات أخرى ترتبط بضعف الولوج إلى التمدرس، الذي يجعل نسب الزواج المبكر في صفوفهن مُرتفعة؛ وبوصولهن المحدود إلى الخدمات الصحية”.
جهود بلا اعتراف
بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، قالت إن “اليوم الدولي للمرأة الريفية فرصة حقيقية لتسليط الضوء على أوجه المعاناة التي مازالت تعيشها مغربيات القرى، رغم المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال النهوض بوضعية النساء ومحاربة التمييز ضدهن، في ظل المقتضيات المتقدمة التي جاء بها دستور 2011، لاسيّما الفصل 19 منه”، مشيرة بدايةً إلى أن “السواد الأعظم من هؤلاء النسوة إضافة إلى القيام بكافة الأعمال المنزلية مازلن مضطرات لمشاركة الأزواج في كافة الأشغال الفلاحية، سواء الغرس أو الرعي أو غيرهما، دون أن يتم الاعتراف بجهودهن المُضنية”.
وأضافت عبدو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجُحود بمجهود النساء القرويات يتمثل في عدم تقاسم الثروة الناتجة عن الأنشطة سالفة الذكر أو الأملاك الفلاحية، من أراضٍ وماشية وغيرها، معهن بالتساوي في حالة الطلاق؛ مع استثناءات قليلة ومحدودة تهم المناطق الأمازيغية التي مازالت على عُرف ‘الكد والسعاية’”، لافتة إلى أن “هذا الجحود يضع الكثير من النساء القرويات وأبنائهن على سكة الفقر الشديد ويفاقم من عدم قدرتهن على تحقيق استقلاليتهن الاقتصادية”.
“ونساء القرى المغربية هنّ الأكثر تضرراً من تداعيات التغيرات المناخية بالمغرب، لاسيّما الجفاف الذي خيّم للسنة السادسة”، تورد الحقوقية ذاتها، شارحةً أن “الكثير منهن بتن مضطرات لقطع مسافات طويلة من أجل جلب الماء، ما يجعلهن عرضة لخطر التحرش الجنسي، فيما تقلص إنتاج تعاونياتهن الفلاحية جراء عدم قدرتهن على شراء المواد الأولية التي التهبت أثمانها بفعل الجفاف، ما أدى إلى تراجع مدخولهن من العمل بهذه التعاونيات”.
وسجّلت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة أن “هذه التعاونيات، رغم الدعم القوي الذي وفرته الدولة لها، مازالت غير قادرة على التمكين الاقتصادي للمنخرطات؛ فبالنظر إلى أنهن لا يتوفرن على الإمكانيات المادية اللازمة للمشاركة في المعارض الدولية التي تمكنهن من عرض مُنتجاتهن والتعريف بها، يضطررن للبيع إلى ‘سماسرة’ بأثمان لا تتناسب إطلاقاً مع المجهود البدني الذي تتطلبه هذه المنتجات”، لافتة إلى أن “وزارة الفلاحة والصيد البحري مطالبة في هذا السياق بتقديم الدعم المادي الكافي لتيسير مشاركة هذه التعاونيات في التظاهرات الدولية وتكثيف المعارض الوطنية الخاصة بمنتجاتها”.
معاناة مضاعفة
محمد الديش، المنسق الوطني للائتلاف المدني من أجل الجبل، سجّل بدايةً أن “المرأة الجبلية على وجه الخصوص تشكو معاناة مضاعفة، إذ تتعرض للتمييز المرتبط بكونها امرأة قروية، وللحيف الذي يطالها باعتبارها من ساكنة المناطق الجبلية التي مازالت تشكو العزلة والتهميش وتردي ونقص الخدمات العمومية، من الربط بالكهرباء وبالمياه الصالحة للشرب وغيرها”، مُسجلاً أن “هشاشة التنمية في المناطق الجبلية تتأثر بها النساء الجبليات في مختلف مراحل حياتهن”.
ولفت الديش الانتباه، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “ضعف خدمات التمدرس بالعديد من هذه المناطق مازال يتحد مع المعتقدات الثقافية للساكنة التي ترى أن مكان الفتاة عند بلوغها سن 14 أو 16 سنة هو في بيت زوجها، ليفرزا نسباً مهولة من القاصرات المتزوجات في سن مبكرة والعرضة للهدر المدرسي”، مُسجلاً أنه “نتيجة لهذا الوضع لم تتحرك نسبة الأمية بهذه المناطق؛ بحيث تصل إلى حوالي 90% ببعض الجماعات الجبلية”.
وأكد المتحدث ذاته، على غرار عبدو، إلى أن “النساء القرويات يلعبن دوراً محورياً في تنشيط الدورة الاقتصادية وخلق الثروة الوطنية، سواء من خلال اشتغالهن كعاملات زراعية بالحقول أو من خلال قيامهن بأغلب الأشغال الفلاحية من الرعي والزراعة وغيرها، ولكنهن لا يستفدن من مداخيل تضمن كرامتهن واستقلاليتهن نظير هذه المساهمات، التي لا يتم احتسابها في حالة الطلاق أو الوفاة”.
وشدد المنسق الوطني للائتلاف المدني لأجل الجبل على أن “إعادة الكرامة للمرأة الجبلية والقروية عموماً لن تتم من خلال القيام بتعديلات قانونية وتشريعية أو سن قوانين جديدة، بل ببلورة سياسة متكاملة للنهوض بالمجال الجبلي قائمة على تعزيز العرض الصحي وإنشاء مدارس وإعداديات وثانويات لأجل تشجيع تمدرس الفتاة الجبلية ومحاربة تزويجها في سن مبكرة، الذي يساهم في هضم حقوقها في ما تبقى من حياتها”.
المصدر: وكالات