“مَالُو طاحْ؟ من الخيمة خرج مَايَلْ”
شارك المغرب بوفد رياضي يضم عشرات الشباب لتمثيل بلدنا في أعلى محفل دولي للتنافس في فضاءات دورة الألعاب الأولمبية. شاركنا ونحن على أبواب طرق نادي كبار منظمي أرقى المنافسات العالمية الرياضية- كأس العالم لكرة القدم- سنة 2030. ففي دورة الألعاب الأولمبية التي أُقيمت في باريس هذا العام، والتي أُغلقت أبوابها يوم الأحد الماضي، ورافقها الكثير من النقاش المتأثر بما يحدث في العشرية الثالثة من الألفية الثالثة من صراعات عسكرية واقتصادية وسياسية وإيديولوجية وثقافية وقيمية وقانونية حادة، شارك المغرب برياضيين لا نشك في طموحهم ولكنهم عادوا جميعا، خاصة المسؤولون منهم، بخيبة أمل كبيرة مست المواطن والوطن. فرغم هذه المشاركة المهمة، فإن حصيلة الوفد كانت جد متواضعة، حيث تمكن من الفوز بميداليتين فقط: واحدة ذهبية حققها، كما كان متوقعا، البطل العالمي والأولمبي سفيان البقالي في مسافة 3000 متر موانع، وأخرى برونزية حققها الفريق الوطني الأولمبي لكرة القدم، الذي صادف كرة القدم المغربية وهي تمر بمرحلة تألق بنيوي مشرق بعد النتائج الرائعة التي حققتها في المونديال الأخير بقطر.
نعتبر هذه النتيجة كارثية وتراجعا كبيرا للرياضة المغربية بمعناها الشامل. ففي الوقت الذي كان فيه الأمل كبيرا أساسه نشوة انتصارات كرة القدم أساسا، جاءت النتائج لتعكس الواقع الحقيقي للرياضة الوطنية بمعناها الاستراتيجي كرافعة لإنتاج الأبطال وشحذ همم الابتكار والاجتهاد والعمل الدؤوب والتربية العالية القيم للبدن وتعميق مشاعر المواطنة القطرية والكونية على أسس علمية وتربوية علمية ومهنية مدروسة ومخطط لها على المديين المتوسط والبعيد، ولتوقظنا من حلم تعميم وقياس على كرة القدم لا يقاس عليه. إن الفجوة لكبيرةٌ في الواقع الرياضي المغربي بين الطموحات وبين الإمكانيات اللوجستية والمالية والبنية التحتية والتكوينية والبشرية والقيمية.
من جد وجد ومن زرع حصد
لا يمكن في نظرنا البتة- وإلا سنستمر في سياسة النعامة- الفصل بين هذه النتائج المتواضعة جدا وبين السياق العام الذي تعيشه الرياضة في المغرب، وهي متعددة نعرض لبعضها هنا بعجالة:
أحد أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع الرياضي- على سبيل المثال لا الحصر- غياب الأنشطة الرياضية المنتظمة في المدارس والجامعات. وهي إن وجدت على هزالها فلا تحوز الاعتراف بمكانتها في التربية والتكوين الابتدائي والثانوي والجامعي كمادة أساسية. إن الرياضة في المدرسة والجامعة ولأكثر من خمس عشرة سنة إذا بلغ التلميذ الإجازة، إنما هي مقياس وآلية لتعلم واكتساب قيم جوهرية في المدنية والعيش المشترك والسلوك والعقلية. فالرياضة والحالة هذه تدل على قيم تتصل بدرجة الانضباط والمسؤولية والإصرار والمكابدة والرغبة في التفوق والواجب والإصرار على بلوغ الأهداف والعمل الجماعي والصلابة النفسية.. كل هذه الخصائص لا مندوحة عنها لتكوين وتربية أجيال قادرة على حمل مشعل التنمية وبناء الدولة والمجتمع العقلاني والحداثي معا، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الرياضة جزءًا أساسيًا من التعليم والتربية في العديد من الدول، تظل في المغرب على الهامش، حيث تفتقر المدارس والجامعات إلى المواد والبرامج والمنافسات الرياضية الجدية والمنظمة والمصممة كاستراتيجيات للتكوين والتربية، التي يمكن أن تكتشف المواهب وتُطورها لضمان الخلف السليم والملائم والمساير للتطور الدولي والمستمر.
كبَّرْ خُبزك يتبَاعْ
لم تنل الرياضية، كما الثقافة والفنون والإعلام، على الرغم من كل ما تحقق لحد الآن وهو مهم- الأهمية التي تستحقها كجزء من الاستراتيجية الوطنية الشاملة والبعيدة المدى للتنمية. فالرياضة ليست مجرد لعبة ترفيهية، بل هي وسيلة لتحديث وعصرنة وتطوير وتقوية الفرد والمجتمع، وتغيير العقليات، وتعزيز وعقلنة السلوكيات الإيجابية كما قلنا سابقا.
تهدف الرياضة- بالإضافة طبعا إلى تفريغ المشاعر السلبية والعدوانية للأفراد وللجماعات ولشغلهم عن التفكير السلبي والنقدي المبالغ فيه وغير المُؤَسَّس- إلى تعزيز العمل على بناء نوع المجتمع والدولة المأمولين، كما هو واضح في دستور البلاد وفي الخُطب الاستراتيجية الملكية السامية، المُحدِّدة للغايات الكبرى من السياسات العمومية للدولة منذ ربع قرن.
والواقع أنه في غياب رؤية واضحة وشاملة تُعطي الأولوية للرياضة كعنصر أساسي في بناء الفرد المجتمع وتنفيذ استراتيجيات التنمية الشاملة، نجد أن النتائج الرياضية المُحصلة في باريس منطقية ولا رجاء في أكبر منها إلا قليلا كما هو الشأن بالنسبة لمن نالوا ميداليتين أو ثلاث ميداليات أكثر منا.
كُن سْبَع وكُولْنِي
على مستوى السياسات العامة، يجب أن يكون هناك توجه مخطط له بشمولية ومن منظور بنيوي نحو تعميم الرياضة في جميع مستويات التعليم، من المدارس إلى الجامعات. ينبغي أن تكون الرياضة جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية، حيث يتم ربطها بالتربية والتعليم والثقافة وبقيمتهم الاختبارية والتقويمية والمهنية والوظيفية بصرامة وحرص على الجودة والبراغماتية. يمكن لهذه الخطوة أن تُسهم في خلق جيل جديد واعٍ بأهمية الرياضة في حياته اليومية، وقادر على تمثيل المغرب بشكل مشرف في المحافل الدولية، وهو ما سينعكس بالتأكيد على نظرة المجتمع للرياضة ولجودة الحياة وللصحة وللسلوك المدني بشكل غير مباشر على الأقل.
إن تطوير الرياضة في المغرب ليس فقط مسؤولية المقررين والمخططين والأطر الرياضية المشرفة على التكوين والتدبير والتسيير، ولا هي فقط مسؤولية الفرق الوطنية، بل هي مسؤولية جماعية تشمل المربين والأسر والإعلام وجميع فئات المجتمع.
أكيد يجب أن يكون هناك دعم مادي وملموس أكبر وأقوى، لكن عقلاني ومخطط له من الجهات الحكومية ومن القطاع الخاص المواطن أيضا. سيهدف هذا الدعم المتنوع والمتكامل إلى توفير البنيات التحتية اللازمة للممارسات الرياضية المتنوعة، ولتدريب الأطر الفنية والإدارية، ولتشجيع الشباب على الانخراط في الأنشطة الرياضية عن وعي وفهم واستيعاب لما تدره عليه وعلى بلاده بكل الأشكال.
تحركوا ترزقوا
في الختام يمكن القول إن النتائج المتواضعة التي حققها المغرب في أولمبياد باريس هذا العام هي جرس إنذار يستدعي من الجميع التفكير بجدية في مستقبل الرياضة المغربية. إن تحقيق النجاح الرياضي ليس بالأمر المستحيل، لكنه يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات العامة والاهتمام بالتعليم والرياضة كوسيلة لتطوير المجتمع وبناء أجيال قادرة على المنافسة على أعلى المستويات.
المصدر: وكالات