وحسناً فعلت؛ حيث وقفت على التفاصيل بشكل دقيق، وزادت ثقافتي في هذا الجانب الحيوي، الذي يتصل بحماية البيئة، المفضية إلى المحافظة على صحة الإنسان؛ بما يكفل له تحسين جودة الحياة، الذي يعد مرتكزاً مهماً في مستهدفات رؤية المملكة 2030.
على أن سروري بإعلان هذا الجدول انتاشته كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، بالنظر إلى وضع النفايات والتخلص منها في عموم مناطق المملكة بلا استثناء.
فإعلان عقوبات ما على مخالفات في أي مجال، يستوجب أولاً شيوع المعرفة بطبيعة هذه المخالفات ونوعيتها، وهذا مجال ينشط فيه تكثيف جرعات الوعي، والإعلانات التوعوية والتحذيرية، في كافة وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، وجعل قضية النظافة والمحافظة على البيئة همّاً جماعياً، وثقافة مجتمع، وسلوك حياة، خلافاً لما هو مشاهد اليوم، حيث يسود اعتقاد جماعي بأن ذلك وظيفة ومهمة عامل أجنبي، عليه أن يؤديها على رأس الساعة، ويتعقّب أخطاءنا البيئية وتعاملنا غير الحضاري مع النفايات، سواء في دورنا أو في الأماكن العامة والطرقات..
أما الأمر الآخر الذي كان من المهم أن يسبق الإعلان عن هذا الجدول؛ فهو النظر في طُرق التخلّص من النفايات في المملكة، ومدى مواءمتها للتطور الإقليمي ناهيك عن العالمي، فالطريقة المتبعة في المملكة بالتجميع في حاويات كبيرة مفتوحة لساعات طويلة خلال اليوم، وتفريغها عبر نقلها في حاويات النقل، إلى حيث يتم التخلص منها إما بالدفن، أو الحرق، أو خلافه؛ -برأيي- لا تنسجم مع تطلعات المملكة ومكانتها الاقتصادية ورؤيتها المتوثبة 2030، وبخاصة أنها ماضية نحو استضافة أحداث عالمية غاية في الأهمية، بما يتوجّب إظهار المملكة بيئياً بمظهر يتلاءم مع مكانتها، وينسجم مع رؤيتها.. ولهذا فإن الحاجة تبدو ماسة لانتقال المملكة نحو استخدام أسلوب النفايات المفروزة في البنايات السكنية، أسوة بكثير من الدول الإقليمية والعالمية، خذ مثلاً أستراليا التي تتبع طريقة جمع النفايات من جانب الطريق وتقدم لكل منزل ثلاث حاويات قمامة؛ واحدة للمواد القابلة لإعادة التدوير، وأخرى للمواد العضوية، والثالثة للنفايات العامة، والحال نفسه في اليابان والصين، فيما ذهبت تايبيه إلى حدود فرض ضرائب على المواطن حسب حجم النفايات المنزلية، بما حقق لها تقليلاً في حجم النفايات وتحسيناً في البيئة العامة..
إننا إلى هذا النهج أحوج ما نكون قبل الإعلان عن المخالفات وما يترتب عليها من عقوبات، فالواقع يشير إلى أن هذه الحاويات المفتوحة، وهذه الطريقة في التعامل مع النفايات تساهم بشكل كبير في تلويث البيئة بالروائح الكريهة، وتوالد الحشرات الناقلة للأمراض المعدية، وشاهدي في ذلك «أسراب» الذباب التي تجد في هذه الحاويات المفتوحة المحضن المثالي للتكاثر السريع، والانتشار الواسع، والمحصلة من ذلك بيئة غير مثالية، وأمراض تذهب بالمقدرات البشرية والمادية للوطن.. فلا أقل من التفكير بشكل جدي في اعتماد أسلوب النفايات المفروزة، حتى ولو في نطاق البنايات والإنشاءات الجديدة، وتعميمها من ثم على كافة المرافق والبنايات السكنية القديمة، على أن يسبق ذلك تحفيز للمبادرين، وتقديم للإرشادات الضرورية، مع التقويم المستمر، وصولاً في النهاية إلى أنجع وسيلة وأمثل طريقة للتخلص من النفايات، وحسن استغلالها وتدويرها بالشكل الذي يتيح الاستفادة منها في إنتاج الطاقة، أو إعادة تشكيل ما يصلح منها للاستخدام ثانية، أو التخلص منها بطريقة علمية مدروسة، وهذا لا شك يعد أحد الميزات الإيجابية التي نلمسها من نظام النفايات المفروزة، حيث يرفع هذه النظام من وعي المواطن بأهمية المحافظة على البيئة، ويجعله شريكاً فيها، فضلاً عن مساهمته في تقليل الكلفة المادية المهدرة في الطرق التقليدية، فوق ما له من مظهر حضاري معبر عن التطور والتقدم والمواءمة، الذي تستحقه المملكة، وهي جديرة به كفاء موقعها ومكانتها ورؤيتها القديرة.