عرفت قديماً باسم «الحجرين»، وتقف اليوم شاهداً على حقبة تاريخية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، إذ يُرجع بعض المؤرخين تاريخها إلى أكثر من 3000 عام مضت، وتسطر قصة تميّز تجمع فصولها بين عراقة التراث وتنوع البيئة الطبيعية والطموح نحو مستقبل مستدام.
منطقة «حتّا»، التي تصل مساحتها إلى نحو 130 كيلومتراً مربعاً وتقع على مسافة نحو 130 كيلومتراً جنوب شرق إمارة دبي، التي اختارت أن تكون في سباق دائم مع عقارب الساعة نحو تبوؤ مواقع الصدارة في مؤشرات التنافسية العالمية ضمن مختلف المجالات، تشهد أيضاً حركة تنمية شاملة هدفها تطوير مختلف القطاعات الاجتماعية والتعليمية والبيئية والاقتصادية والسياحية لهذا الجزء المهم من إمارة دبي، والذي يشكل أحد أهم المقاصد السياحية في دولة الإمارات.
ويؤكد المفوض العام لمسار البنية التحتية والتخطيط العمراني وجودة الحياة رئيس اللجنة العليا للإشراف على تطوير منطقة حتّا، مطر الطاير، أن العمل يجري برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على تعزيز قدرات حتّا وجعلها نموذجاً للتنمية المستدامة بمشاركة أهالي المنطقة، ومركزاً سياحياً يقصده الزوار على مدار العام للاستمتاع بطبيعة المنطقة.. وأن التقدّم في تنفيذ مشاريع المرحلة الثانية من خطة تطوير حتّا يسير وفق الجدول الزمني المعتمد، حيث تراعي تلك المشاريع التوازن بين تحقيق أهداف الاستدامة ودفع جهود التنمية الشاملة في المنطقة.
وتخدم مشاريع المرحلة الثانية من خطة تطوير حتّا في تحويلها إلى وجهة سياحية رئيسة ومركز جذب للزوار من داخل الدولة وخارجها، من خلال الاهتمام بالمساحات الاستثمارية حول الواجهة المائية، وتوفير مرافق وخدمات وأنشطة سياحية وترفيهية، منها إنشاء تلفريك بطول 5.4 كم لنقل السياح من منطقة السد إلى قمة أم النسور، وهي أعلى قمة جبلية في إمارة دبي، إضافة إلى مشروع «شاطئ حتا» الذي سيوفر تجربة جديدة بالمنطقة، إلى جانب بناء فنادق ومنتجعات صحية ذات تصاميم تراعي طبيعة وبيئة المنطقة، بما يخدم في تنشيط حركة السياحة في حتّا.
وأضاف الطاير: «تتضح أهمية حتّا من خلال العناية الكبيرة التي تحيط بها القيادة الرشيدة هذه المنطقة الحيوية بكل ما تتمتع به من مؤهلات ترشحها بقوة لأن تكون نموذجاً عالمياً للحفاظ على التراث والاحتفاء بالبيئة الطبيعية، والسعي لتحقيق أعلى مستويات الاستدامة.. كذلك تتضح هذه المكانة من حرص القيادة الرشيدة لإمارة دبي على متابعة تفاصيل خطوات تطوير حتّا على مختلف المحاور التنموية سواء اقتصادية كانت أو ثقافية أو اجتماعية أو بيئية».
وتشغل منطقة حتّا حيزاً كبيراً من اهتمام وعناية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهو ما يتجلى في اعتماد سموه في أكتوبر من عام 2021 الخطة الشاملة لتطوير حتّا، كمحور من محاور «خطة دبي الحضرية 2040»، والرامية إلى إحداث نهضة تنموية شاملة في كل مناطق الإمارة، وتطوير البنية التحتية وتنفيذ حزمة مشاريع ومبادرات تنموية للعشرين عاماً المقبلة، كبداية مرحلة جديدة في تعزيز دور حتّا في تحقيق الهدف الكبير الذي حدده سموه بأن تكون دبي المدينة الأفضل في العالم للعيش والعمل والزيارة.
وراعت هذه الخطة الشاملة التركيز على صون طبيعة حتّا، وزيادة تنافسيتها السياحية، ومنح القطاع الخاص دوراً كبيراً في تنميتها مع توفير الفرص للمشاريع الوطنية المحلية لأهالي المنطقة ودعمها وتشجيعها، لاسيما تلك المرتبطة بالحركة السياحية، وتحفيز ريادة الأعمال وفق ضوابط محددة تكفل الحفاظ على الطابع الجغرافي والتراثي والبيئي المميز لهذه المنطقة التي يقدر تاريخها بأكثر من 3000 عام، ما يجعلها من أقدم المناطق التاريخية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي فبراير الماضي، حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على متابعة سير العمل في تنفيذ الخطة، حيث زار سموه يرافقه سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، وسمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي، منطقة حتّا للوقوف على التقدم المتحقق في مشاريع ومبادرات تطوير المنطقة وعددها 14 مشروعاً ومبادرة.
واعتمد سموه خلال الزيارة التي شملت أنحاء عدة في حتّا المرحلة الثانية من المشاريع التي يجري تنفيذها العام الجاري وعددها 22 مشروعاً ومبادرة. وفي إطار حرص سموه على تحفيز الشباب، كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خلال زيارة حتّا، خريجي برنامجي الدبلوم المهني المعتمد لريادة الأعمال «التجاري» و«الزراعي»، وعددهم 87 خريجاً من أهلها، تأكيداً على أهمية هذين النشاطين الاقتصاديين لمستقبل التطوير في حتّا، ودبي بوجه عام، بما يستدعيه ذلك من تخريج كوادر وطنية متخصصة قادرة على ريادة جهود التطوير في هذين المسارين الاقتصاديين.
وكان سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، قد أصدر قرار المجلس رقم (3) لسنة 2022 في يناير من العام ذاته، بتشكيل «اللجنة العُليا للإشراف على تطوير منطقة حتّا»، برئاسة المُفوّض العام لمسار البنية التحتية والتخطيط العمراني وجودة الحياة في دبي، بهدف الارتقاء بالخدمات والأعمال التي تقدم ضمن نطاقها الجغرافي، بما يتناسب مع قيمتها البيئية والتاريخية وما تحويه من مواقع طبيعية وأثرية.
وتميزت خطة تطوير حتّا بشموليتها حيث تتطرق إلى العديد من المحاور بدءاً من وضع خطة إطارية للمنطقة وإعداد وتنفيذ الحلول المرورية، وتوفير خدمات التنقل التي تخدم المنطقة بشكل عام وتسهل الوصول إلى المواقع السياحية والحيوية فيها، مروراً بإنشاء مسار للدراجات الهوائية بطول 11.5 كم وصيانة المسارات الجبلية بطول 50 كم، إضافة إلى ربط مسارات الدراجات الهوائية مع المواقع الرئيسة والسياحية، علاوة على برنامج لدعم المزارعين من أهالي المنطقة، وزراعة أكثر من 13 ألف شجرة من البيئة المحلية في ربوع حتا، مع تطوير قرية حتا التراثية والمواقع التراثية لإبراز ثقافة وتاريخ وعادات أهالي حتّا، بالإضافة إلى إنشاء بحيرة ليم، وغيرها العديد من المشاريع الطموحة التي تعكس مدى الاهتمام بهذه المنطقة وما تحتله من مكانة في مقدمة الخطط التنموية لإمارة دبي.
وتجتمع في حتا العديد من المقومات التي تجعلها أقرب إلى لوحة طبيعية يعانق فيها التراث بشواهده التاريخية المناظر الطبيعية الخلابة للمنطقة والتي تميزها الجبال والبحيرات والوديان، لتكون بذلك المزيج الفريد من أكثر المناطق المحببة للزيارة.
وتشهد منطقة حتا العديد من الجهود الرامية إلى تعزيز مستويات الاستدامة البيئية فيها من خلال العديد من المشاريع والمبادرات التي تنسجم مع الدور الرائد لدولة الإمارات كقوة عالمية رائدة في هذا المجال، وهو ما أكده «اتفاق الإمارات» التاريخي للعمل المناخي، الذي تم التوصل إليه في ختام إحدى أهم الفعاليات العالمية التي استضافتها دولة الإمارات على الإطلاق، وهي مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي اجتمع في أروقته قادة العالم على أرض مدينة إكسبو دبي، واختتمت أعماله رسمياً بتبني هذا الاتفاق الذي يشكل منعطفاً مهماً بل وحاسماً في تحديد مصير كوكب الأرض، ومعالجة تداعيات التغير المناخي والحد من تأثيراته السلبية على مستقبل العالم.
وجاء إطلاق مجلس دبي للإعلام مهرجان «شتانا في حتّا» قبل أيام، وفي مستهل النسخة الثالثة من مبادرة «#وجهات_دبي»، وبتوجيهات من سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، وضمن الموسم الشتوي الجديد للمبادرة، ليؤكد على المكانة المتميزة التي تتمتع بها هذه المنطقة بكل ما تحمله من معطيات جعلتها من المناطق التي يقصدها الزوار من مختلف أنحاء الدولة، بل يحرص أيضاً على زيارتها السياح القادمون إلى دبي من مختلف أنحاء العالم، لاسيما خلال فصل الشتاء.
وتعد منطقة حتّا شاهدة على جهود الدولة وإمارة دبي في مجال الاستدامة، حيث تتضافر الجهود في إطار الخطة التطويرية الشاملة لجعلها فصلاً مهماً من فصول ملحمة الاستدامة التي تواصل الإمارات كتابتها بمداد من العمل الجاد الذي توّجه النجاح المبهر لمؤتمر الأطراف في إنجاز تاريخي جديد لدولة الإمارات، أكدت به جدارتها كشريك في صنع مستقبل مستدام وآمن للعالم.
ويمثل مشروع المحطة الكهرومائية في حتّا بتقنية الطاقة المائية المخزنة أحد المشاريع الواعدة التي تقوم بتنفيذها هيئة كهرباء ومياه دبي، بقدرة إنتاجية ستصل إلى 250 ميغاواط، وسعة تخزينية 1.500 ميغاواط/ساعة، وعمر افتراضي يصل إلى 80 عاماً، باستثمارات رأسمالية تقدر بنحو مليار و420 مليون درهم، ومن المنتظر البدء في تشغيلها عام 2024.
وتعتبر المحطة الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي، وتعد ترجمة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتطوير البنية التحتية لدبي ومناطقها المختلفة وفق أرقى معايير الاستدامة، لترسيخ مكانة دبي عاصمةً للاقتصاد الأخضر، ووجهة عالمية رئيسة ومستدامة للعيش والعمل والزيارة.
وحققت هيئة كهرباء ومياه دبي في عام 2019 سبقاً عالمياً تمثل في حصول دبي على التصنيف البلاتيني العالمي الخاص بالمدن – الريادة في الطاقة والتصميم البيئي، بحسب تصنيف المدن العالمية من المجلس الأميركي للأبنية الخضراء، لتكون بذلك أول مدينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحصل على هذه الشهادة المرموقة. ومن المباني الخضراء الحاصلة على تصنيف الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED) التابعة للهيئة، يأتي مسجد الريان المشيد في منطقة حتّا، وهو أول مسجد في العالم يحصل على التصنيف البلاتيني الخاص بالمباني الخضراء.
ويصل عدد المحميات الطبيعية في دبي إلى ثماني محميات، من أهمها محمية حتّا الجبلية التي توفر بيئتها المجاورة لاثنين من السدود المائية في المحمية ملاذاً آمناً للعديد من الأنواع الحيوانية والنباتية النادرة، فيما تعد المحمية الموطن لأكبر مجموعة من حيوانات «الطهر العربي» المهددة بالانقراض في الإمارات. وتتميز المحمية بطبيعتها الجبلية الصخرية، وهوائها النقي وبيئتها الفطرية المتنوعة.
وتعد «حديقة التلة» رئة خضراء لدبي ومنطقة حتّا تحديداً، حيث تتجاوز مساحتها 63 ألف متر مربع، واكتسبت اسمها من موقعها المتميّز أعلى تلّة حتّا، وهي من الحدائق ذات الطابع الخاص لما يميزها من تضاريس وارتفاع وتنوّع بيئتها، وتمثل إضافة مهمة للرقعة الخضراء ومناطق الترفيه في إمارة دبي.
شلالات مستدامة
مشروع «شلالات حتّا المستدامة»، الذي تنفذه هيئة كهرباء ومياه دبي بكلفة تبلغ نحو 46 مليون درهم، هو أحد الشواهد على تلك الجهود الرامية لتعزيز مفهوم وممارسات الاستدامة في حتا، وتهيئة البنية التحتية اللازمة لذلك، وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية، إذ يهدف المشروع إلى إيجاد بيئة طبيعية مستدامة، إضافة إلى تطوير المنطقة وتعزيز جاذبيتها كمساحات ترفيهية ومناطق سياحية.
22 مشروعاً ضمن المرحلة الثانية تسهم في تحويل حتّا إلى وجهة سياحية على مدار العام.
. شلالات مستدامة وتلفريك جبلي وشاطئ وفنادق ومنتجعات ضمن مشروعات جديدة ستضمن تجربة زيارة فريدة إلى حتّا.