د.سميرة أحمد السيد عمر باحث علمي
[email protected]
قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (الأعراف: 56).
اقترح أحد النواب الأفاضل تعديل بعض القوانين المحلية بفتح المحميات الطبيعية بمختلف أنواعها لرعي الماشية والإبل والأغنام والماعز في الكويت لغرض التوازن البيئي الطبيعي واستدامة الغطاء النباتي.
هذا الموضوع يتعلق بنظامين: نظام المحميات الطبيعية الذي يمنع الرعي فيه ونظام «الحمى» أو«الحما» الذي يسمح بالرعي المنظم وفق أحكام وشروط محددة. ويختلف تعريف المحميات عنه من تعريف الحمى.
المحميات وفقا لتعريف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) هي مناطق جغرافية محددة المساحة تخصص للمحافظة على الموارد البيئية وتتميز بأنها قد تحتوي على نباتات أو حيوانات فطرية مهددة بالانقراض، مما يستلزم حمايتها من التعديات الإنسانية والتلوث، ويشرف عليها من قبل هيئة مثل الهيئة العامة للبيئة في الكويت.
وتتسابق الدول في الوصول إلى تنفيذ قرارات قمة الأرض للتنوع الأحيائي بحماية 17% من مساحة الأرض بما يعادل 21 مليون كيلومتر مربع و10% من المناطق الساحلية والبحرية حتى عام 2020 (الهدف رقم 11 من أهداف ايتشي، اتفاقية التنوع البيولوجي).
فعلى سبيل المثال خصصت دول مجلس التعاون الخليجي مساحة أكثر من 121 ألف كيلومتر مربع بنسب مختلفة لكل دولة وصلت إلى أكثر من 19% في الإمارات المتحدة لحماية التنوع البيولوجي فيها.
واتفقت دول العالم مؤخرا في زيادة نسبة هذه الحماية إلى 30% من كوكب الأرض في اجتماع الأمم المتحدة للتنوع الاحيائي عام 2022 (COP15) ليس فقط عن طريق إنشاء المحميات، بل كذلك عن طريق إنشاء ممرات بين المحميات لانتقال وهجرة الأنواع واستعادة النظم الأيكولوجية أو تأهيل البيئات المتدهورة.
وكل ذلك لحماية الأصناف والأنواع والجينات والموالي التي تعيش فيها لحماية كوكب الأرض من التدهور والاندثار وخاصة بتفاقم مشكلة تغير المناخ والتلوث البيئي.
وبدأ التخطيط في إنشاء نظام المحميات الطبيعية في الكويت في السبعينيات وحرصت الكويت في حفظ ما تبقى من عشائر نباتية مهمة، مثل الرمث والعرفج، ونظم بيئية مختلفة ليتم حمايتها من الرعي الجائر.
وتم إنشاء مجموعة من المحميات الطبيعية البرية والبحرية وفقا لمعايير الأمم المتحدة مثل محمية مبارك الكبير ومحمية صباح الأحمد الطبيعية ومحمية الصليبخات ومحمية الجهراء وغيرها، وتم مؤخرا إضافة مجموعة أخرى من المحميات بدعم مادي من سكرتارية الأمم المتحدة للتعويضات في المشاريع البيئية لغرض تعويض الكويت من الدمار البيئي على البيئة الصحراوية، وتبلغ المساحة المحمية في الكويت حاليا 2.979 كم أي حوالي 17% من المساحة الكلية، وبذلك حققت الكويت الهدف المنشود رقم 11 من أهداف ايتشي.
وتم إصدار التشريعات والقوانين لضمان حفظها على المدى البعيد. وبدأت هذه المحميات بالتعافي وجذب الكثير من الطيور المهاجرة والحيوانات الفطرية.
كثير من الجهات الحكومية والنفع العام تقوم بتوثيق المعلومات والمراقبة والرصد للأنواع والمشاركة الدولية في المعلومات والاعلام المرئي وغيره.
وتشارك الكويت في منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة وتتعاون مع جمعيات النفع العام الإقليمية والعالمية في مجالات الحماية والرصد والمراقبة.
أما فيما يتعلق بنظام الحمى فهو نظام قديم كان يطبق في شبه الجزيرة العربية والمناطق المجاورة قبل ظهور الإسلام تحت سلطة الحكومة القبلية أو الإمام وهو الموقع الذي يمنع فيه الرعي والصيد ولا يقربه أحد وتم ذكره في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عبارة عن مساحات معينة من الأرض تحفظ وتستعمل خلال مواسم محددة للرعي، حيث تترك الأعشاب والأشجار لفترة محددة لتنمو طبيعيا خلال موسم المطر ويمنع خلالها رعي الماشية، فيمنع الرعي خلال فترة الازدهار وتكوين البذور لضمان انتشارها ونموها في المواسم الممطرة القادمة. وكانت تستغل في فترة الحماية بتربية النحل.
ويطبق نظام الحمى حاليا في المملكة العربية السعودية، وتعود ملكية الأراضي الحمى الى الدولة. وهناك عدة أنظمة وأساليب للرعي تطبق في دول العالم مثل «رعي مشاع»، وهو الرعي في المراعي العامة، الذي لا يتقيد بشروط.
و«الرعي المستمر»، وهو رعي الحيوانات في مرعى معين بصفة مستمرة طوال السنة إذا كان الرعي سنويا أو طوال موسم النمو إذا كان الرعي موسميا. والرعي المؤجل وهو نظام رعي يؤجل بموجبه الرعي في المرعى إلى ما بعد تكوين البذور، والرعي المتعاقب وغيره من الأساليب، وجميعها تطبق وفقا لخطة الرعي وإدارة المرعى، وهي عبارة عن برنامج عمل يستهدف تنقل الماشية في المرعى لتحقيق أفضل استعمال ممكن للمرعى وإدارة المرعى أو التعامل مع رعي الحيوانات للمرعى في سبيل الوصول الى أهداف معينة.
فالغرض من الحماية في هذين النظامين مختلف في الجوهر: فالمحميات يتم إنشاؤها للتخفيف من فقدان الأنواع وحفظها في بيئاتها الطبيعية وضمان استمراريتها، وأما نظام الحمي فهو الاستخدام الرشيد والمستدام للأراضي الرعوية.
وجميعها تصل الى الغاية المرجوة في تنفيذ قرارات قمة الأرض لتغير المناخ والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
نحن نتفق على أهمية تطوير نظام الحمي في الكويت وإدارة المراعي بتخصيص مناطق كبيرة (تستخدم حاليا في الرعي المشاع)، وليس استغلال المحميات كما اقترحه النائب الفاضل، لما لذلك من ضرر على البيئات الطبيعية وفقدان الأنواع وهجرتها وتعرض النباتات النادرة الى الاندثار وانتشار النباتات الضارة والغازية، وتعرية التربة أو دكها من قبل حركة الماشية، ويتم اختيار هذه المناطق وفقا لما تحتويه من عشائر نباتية قبل تدهورها حسب الخارطة النباتية، ويتم حمايتها على الأقل لمدة موسمين مطريين ومن ثم يتم تقسيمها الى مساحات وفقا لخطة مدروسة للرعي، ومن الممكن زراعة أعلاف مقاومة للجفاف في بعض الأجزاء منها لاستخدامها وقت الجفاف.
ويتم إعداد خطة الرعي مع تحديد الدورة الرعوية وعدد الماشية المسموح لها بالرعي/الحمولة الرعوية والفترة الزمنية للرعي وطرق توزيعها، ويمكن وضع رسوم الدخول للحمى في الفترة المحددة لتغطية تكاليف الحماية والإدارة، ووقف عملية الرعي المشاع حاليا إلا في مناطق الحمى، كما يجب استغلال الجواخير جيدا، ووفقا للغرض من إنشائها في تنمية الثروة الحيوانية، والتوسع في مشاريع إنتاج الأعلاف في المزارع وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة بإعادة توطين النباتات الصحراوية وزراعتها وإكثارها وفقا للأساليب العلمية والزراعية المعروفة. ومن الإجراءات المتعلقة بالتكييف والتخفيف من فقدان الأنواع نذكر التالي:
٭ إنشاء محميات طبيعية مع ممرات لحفظ البيئات والأنواع والجينات وتسهيل انتقالها.
٭ إنشاء مبني خاص لحفظ الجينات والأنواع النباتية والحيوانية.
٭ استعادة النظم الأيكولوجية وإعادة تأهيلها وفقا لمبادئ الأمم المتحدة.
٭ التقليل من الاعتماد على الموارد الطبيعية وإيجاد موارد بديلة مستدامة وزيادة الإنتاج النباتي بطرق رشيدة.
٭ التقليل من الملوثات والمخلفات الضارة بالبيئة والتربة.
٭ تطبيق القوانين والتشريعات البيئية للمحافظة على التنوع الأحيائي واستخدامات الأرض.
٭ تقنين/حظر المركبات داخل المناطق المخصصة للرعي وتحديث مسوحات اعداد الحيوانات الرعوية بأنواعها وأماكن تواجدها للمساعدة في تحديد الحمولة الرعوية.
٭ الرصد والمراقبة المستمرة للتنوع الاحيائي وتوثيق المعلومات للأنواع والمشاركة في المعلومات دوليا.
٭ التوعية والتثقيف والتعليم بالتنوع الأحيائي وسبل المحافظة عليه. والله الموفق.