أكد الخبير التربوي العالمي والباحث والمؤلف الفنلندي، البروفيسور باسي سالبيرغ، أن 60% من أسباب التباين في درجات اختبارات الطلبة بالمدارس تعود إلى «العوامل الأسرية»، مثل المستوى التعليمي للوالدين ومهنتهما، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية المجتمعية، مشدداً على أن تنشئة الأطفال «أصبحت أكثر صعوبة بسبب استخدامهم للوسائط والتقنيات الرقمية في المنازل».
وأوضح سالبيرغ، في محاضرة ألقاها بمجلس محمد بن زايد، أول من أمس، أن الطريقة الأكثر فاعلية لتعزيز ما وصفها بـ«الصحة الرقمية» للأطفال، تتمثل في إعلاء المسؤولية المشتركة والتعاون الذكي بين الأسرة والمدرسة، مُحدداً «ثلاث ممارسات تربوية» لتعزيز الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة: الأولى تعتمد على اعتبار أولياء الأمور شركاء في العملية التربوية وليسوا «متلقي خدمة»، ولاسيما في الدول التي تعتبر التعليم المدرسي سلعة والوالدين مستهلكين في أسواق التعليم المتطورة، والثانية تركز على بناء علاقات تقوم على «الثقة المتبادلة» بين الطرفين، والأخيرة تعمل على بناء «الصحة الرقمية» للجميع.
وتفصيلاً، شهد سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، محاضرة نظمها مجلس محمد بن زايد، في قصر البطين بأبوظبي، أول من أمس، بعنوان «الأسرة شريك في التعليم»، ألقاها الخبير التربوي والباحث والمؤلف الفنلندي، البروفيسور باسي سالبيرغ، بحضور وزير التربية والتعليم، الدكتور أحمد بن عبدالله حميد بالهول الفلاسي، ووزيرة دولة للتعليم المبكر رئيس الهيئة الاتحادية للتعليم المبكر رئيس دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، سارة عوض عيسى مسلم، بجانب عدد من القيادات التعليمية وكبار المسؤولين في مجال التعليم.
بدأت المحاضرة، التي أدارتها مديرة كلية الإمارات للتطوير التربوي، الدكتورة مي الطائي، بعرض فيلم تسجيلي عن أهمية الشراكة بين المنزل والمدرسة لرفع التحصيل العلمي والأكاديمي للطلبة، والمساهمة في منع التسرب وزيادة الحضور والاستقرار العلمي والنفسي والعاطفي لدى الطالب.
وأكد سالبيرغ، أنه لطالما كانت المدرسة مسؤولة عن اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للنجاح وتوفير تعليم جيد للأطفال والشباب، وحتى وقت قريب كانت المدرسة المكان الرئيس للحصول على المعارف اللازمة للنجاح في المستقبل، وكان للآباء دور حاسم في تعليم أطفالهم وتنشئتهم، بما في ذلك غرس القيم، وتهذيب السلوك، وتعزيز الصحة، وإكسابهم المهارات المختلفة للحياة اليومية، لافتاً إلى أن تغييراً شاملاً طراً على هذا النموذج، وظهرت أفكار جديدة لنظم التعليم، بعضها نتيجة جائحة «كوفيد-19»، حيث بات يستطيع الطلاب اليوم تعلّم معظم المعارف والمهارات التي كانت تُدرّس حصرياً في المدارس في السابق من خلال وسائل بديلة، مثل الوسائط والتقنيات الرقمية.
وقال سالبيرغ: «لقد أصبح اليوم التعلّم غير الرسمي خارج ساعات الدراسة التقليدية جزءاً لا يتجزأ من التعليم الرسمي في العديد من البلدان، وبات من الممكن للطلاب الحصول على شهادات تدل على اكتسابهم المعارف والمهارات بشكل مستقل وتعترف بها مدارسهم والسلطات التعليمية في بلدانهم، كما أدّت الفرص الجديدة للتعلم الذاتي الموجه إلى تغيير في دور الوالدين تجاه تعليم أطفالهم، وفي الوقت نفسه، مع امتلاك الأطفال القدرة على التعلم في المنزل باستخدام الأجهزة الرقمية، قد تتسع الفوارق في المخرجات التعليمية بين الطلبة الذين لديهم إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة وأولئك الذين لا يستطيعون الوصول إليها».
وأضاف: «بعض الأبحاث التي أجريت في أستراليا وكندا كشفت عن اختلاف أساليب الوالدين في توجيه استخدام أطفالهم للوسائط والتقنيات الرقمية، لأسباب تتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية، حيث يسمح نحو ثلث أولياء الأمور في أستراليا لأطفالهم باستخدام الهواتف الذكية في السرير كل ليلة، وترتفع هذه النسبة إلى النصف في الأسر ذات الدخل المنخفض، وغالباً ما يستخدم الطلاب الذين يواجهون صعوبات تعليمية في المدرسة أجهزتهم الرقمية في السرير كل ليلة»، مؤكداً أن رفاهية الأطفال، التي تشمل «الصحة الرقمية» والصحة العامة، أصبحت تمثل جانباً حاسماً في المناهج المدرسية في جميع أنحاء العالم.
ولفت الخبير التربوي العالمي إلى أنه لا يمكن تحميل المدارس المسؤولية عن صحة الأطفال، لكن هناك جوانب مثل السلامة، والشعور بالانتماء، والرفاهية البدنية، أصبحت اعتبارات مهمة في الخطط التعليمية، موضحاً أنه بما أن الآباء هم المربون الأساسيون والمسؤولون عن صحة أطفالهم ورفاهيتهم، فقد بات من الضروري إيجاد شكل جديد من التعاون بين المدرسة والمنزل.
وذكر سالبيرغ أن الكثير من الأبحاث في جميع أنحاء العالم تدعم فكرة تأثير مشاركة الوالدين في تعلم الأطفال والأنشطة التعليمية في تحسين المخرجات التعليمية للأطفال والأسر والمجتمعات، ومع ذلك توجد وجهات نظر مختلفة حول ماهية المشاركة المفيدة للوالدين في التعليم، مشدداً على أنه عندما تكون هناك شراكات وثيقة بين المعلمين وأولياء الأمور، تصبح النتائج الإيجابية أكثر وضوحاً، خصوصاً في ما يتعلق باحتياجات الأطفال التعليمية والصحية.
وقال: «من الضروري أن يفهم أولياء الأمور والمعلمون العوامل التي تؤثر على المخرجات التعليمية للطلاب في المدرسة، ففي كثير من الأحيان يرجع البعض تدني مستوى تحصيل الطلاب إلى العوامل المدرسية فقط، مثل المناهج وطرق التدريس، لكن الأبحاث التجريبية على مدى العقود الخمسة الماضية أظهرت أن الخلفيات الأسرية للطلاب تؤثر بشكل كبير على أدائهم الدراسي، ومن الناحية الإحصائية فإن العوامل الأسرية، مثل المستوى التعليمي للوالدين ومهنتهما، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية المجتمعية، والعلاقات بين الطلاب مع أقرانهم، مسؤولة عن نحو 60% من التباين في درجات اختبار الطلاب في المدرسة».
وأفاد بأن طبيعة التعليم المدرسي تتغير بسرعة في العالم الذي أصبح من غير الممكن التنبؤ بحركته، ولذلك من المهم في سياق تعزيز الشراكات بين أولياء الأمور والمعلمين، تذكّر أن المدارس وحدها لا يمكنها معرفة شكل التعليم في المستقبل، ولكي يحصل جميع الأطفال في كل مكان على أفضل تعليم يمكنهم من النجاح في المستقبل، هناك حاجة إلى بناء أنواع جديدة من الشراكات بين الأسرة والمدرسة والمجتمع.
وتحدث الخبير التربوي العالمي عن ثلاث ممارسات تربوية أثبتت نجاحاً كبيراً في تعزيز الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة رغم اختلاف الأنظمة التعليمية: الأولى اعتبار الوالدين شركاء وليسوا «متلقي خدمة»، لاسيما في الدول التي تعتبر التعليم المدرسي سلعة، والوالدين مستهلكين في أسواق التعليم المتطورة، مشيراً إلى أن هذا الأمر يُصعّب من إقامة شراكات مثمرة ومستدامة ضمن العلاقة بين الوالدين والمدرسة، ما يستدعي ضرورة إحداث تحول أساسي في نظرة الوالدين إلى العملية التعليمية.
وقال سالبيرغ: «الممارسة الثانية تعتمد على بناء علاقات تقوم على الثقة، لأن الثقة المتبادلة هي العنصر الأساسي للعلاقات الصحية في أي مجتمع أو مؤسسة، والعلاقة الجيدة بين المدرسة والأسرة شرط ضروري للشراكة المثمرة بينهما».
وأضاف: «آخر الممارسات الناجحة في تعزيز الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة هي بناء الصحة الرقمية للجميع من خلال الشراكات بين المعلمين وأولياء الأمور، حيث أصبحت تنشئة الأطفال أكثر صعوبة بسبب استخدامهم للوسائط والتقنيات الرقمية في المنزل، وقد أظهرت الدراسات الدولية الحديثة أن الأسر غالباً ما تطلب الدعم من المدارس لمعالجة هذه المشكلة، وبالمثل يأمل المعلمون في الحصول على مزيد من الدعم لمساعدة الأطفال على تطوير عادات رقمية منتجة في المنزل، وإدراكاً للمسؤولية المشتركة بين الأسرة والمدرسة فإن التعاون الذكي بينهما هو الطريقة الأكثر فاعلية لتعزيز الصحة الرقمية للأطفال».
تكرار المُعلّم
ذكر الخبير التربوي العالمي، البروفيسور باسي سالبيرغ، أن أحد أهم الحلول الممكنة لبناء الثقة بين الوالدين والمدرسة، يكمن في «تكرار المعلم»، لافتاً إلى أن هذه الممارسة عديمة الكُلفة تقريباً ولكنها نادراً ما توجد في المدارس.
وقال سالبيرغ: «تعتمد هذه الممارسة على تدريس الفصل بأكمله بواسطة المعلم نفسه خلال عامين متتاليين أو أكثر في المدرسة، وقد نجحت هذه الطريقة في تعزيز العلاقات القائمة على الثقة في أنظمة التعليم الابتدائي والثانوي في فنلندا، علاوة على ذلك، فقد أكدت الدراسات البحثية على مر السنين أن وجود معلم متكرر في كل فصل يُحسّن التحصيل الدراسي ويقلل من حالات التغيب (سواء المبرر أو غير المبرر) عن المدرسة، ومن حالات الإجراءات التأديبية بحق الطالب».
• تنشئة الأطفال أصبحت أكثر صعوبة بسبب استخدامهم للوسائط والتقنيات الرقمية في المنزل.