اعترف إبراهيم غالي، زعيم الانفصاليين في تندوف، في كلمة له على هامش احتفال البوليساريو بما تسميها زورا وجهلا “الذكرى الثامنة والأربعين للوحدة الوطنية”، بأن المرحلة الحالية التي تمر منها قضية الصحراء المغربية “مرحلة حافلة بالتحديات وتتطلب استعدادا وتجنيدا على كافة المستويات”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “شعبه” المحتجز في المخيمات بقرار سياسي جزائري سيكون “كما كان دائما، في مستوى التحدي، استعدادا وتعبئة وتجنيدا على كل الساحات والمستويات”، على حد تعبيره.
ولفت غالي المزداد بمدينة السمارة المغربية إلى أن “الدواعي الأساسية لقيام الوحدة الوطنية مازالت قائمة وكذلك التهديدات والمخاطر التي عجلت بقيامها، خاصة تلك المرتبطة بالتطورات المتسارعة التي تشهدها القصية”، لافتا إلى أن “التطور الأبرز لا يقتصر على استئناف الكفاح المسلح، ولكن أيضا حجم المؤامرات والتحالفات المشبوهة مع قوى الشر والطغيان التي لجأ إليها المغرب”، على حد قوله.
من جهتهم يرى متتبعون أن هذا “الخطاب الانهزامي” لزعيم الانفصاليين ينم عن اعتراف رسمي وصريح بفشل “دولة تندوف” المعلنة من جانب من واحد، في مجاراة الدينامية والنجاحات الدبلوماسية والميدانية التي حققها المغرب لصالح قضيته الوطنية، ومحاولة لتهيئة ساكنة المخيمات وإقناعهم بتقبل هذا الفشل؛ فيما يرى آخرون أن خطاب البوليساريو يُراوح مكانه بتشبث قادتها بأنانيتهم السياسية وإصرارهم على تحقيق مطلب بات بعيد المنال، ويبتعدون عنه يوما بعد يوم، في وقت أشرقت شمس التنمية المغربية في الأقاليم الجنوبية، بينما يعاني سكان تندوف الويلات بقرار من قادتهم.
نفق مغلق وأكذوبة طويلة
علي بيدا، رئيس الفرع الجهوي لـ”المركز الدولي للدفاع عن الحكم الذاتي بجهة العيون الساقية الحمراء”، قال إن “حديث غالي عن وجود تحديات خطيرة تواجه البوليساريو هو بمثابة إشعار صريح بفشل الجبهة الانفصالية في مختلف معاركها في مواجهة حنكة الدبلوماسية المغربية، التي تستمد قوتها وتأثيرها في مجريات هذا النزاع المفتعل من التوجيهات الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده”، مسجلا أن هذا الخطاب هو كذلك “تمهيد لأنصار غالي لتقبلهم إعلان البوليساريو فشل مشروع الانفصال الذي قادته نحو نفق مغلق”.
وأضاف بيدا أن “هذا الخطاب يأتي أيضا في سياق دولي وسياسي موضوعي يرتبط بوجود قناعة لدى اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بعدم وجاهة الطرح الانفصالي، إذ أكدت في قرارها الأخير إقبار خيار الاستفتاء بشكل نهائي، وهي القناعة التي جسدتها أيضا من خلال تجديد دعمها العملية السياسية الجارية التي يقودها دي ميستورا وأطراف دولية أخرى لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.
ولفت المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “هذا الوضع السياسي الجديد يُغضب بكل تأكيد قيادة البوليساريو، لكنها لا تملك في مقابل ذلك سوى أن تصفه بالمؤامرات الدولية على الصحراويين، فيما نسيت أن أكبر مؤامرة يتعرض لها الصحراويون هي تلك التي قادها هؤلاء وبتواطؤ مع جنرالات الجزائر الذين يستمرون في بيع الوهم لسكان مخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية في أكذوبة استمرت لأزيد من نصف قرن من الزمن”.
الصورة نفسها وبحث عن الشرعية
من جهته قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، قيادي سابق في جبهة البوليساريو، إن “الخطاب بمناسبة ما تسميه البوليساريو يوم الوحدة الوطنية، الذي يصادف 12 أكتوبر من كل عام، يتشابه إلى حد كبير من حيث الظروف السياسية بين الفترات السابقة وما نعيشه اليوم”.
وحول السياق التاريخي لما تسمى “الوحدة الوطنية”، أوضح ولد سيدي مولود أن “البوليساريو تأسست في الخارج من طرف شبان من أصول صحراوية، يسكن غالبيتهم في دول الجوار ويحملون جنسياتها، بينما كان في الأقاليم الجنوبية للمملكة شيوخ منتخبون من قبائلهم ولهم ثقل كبير في الإقليم، وبالتالي كان هناك تياران: واحد محلي مع الحكم الذاتي للإقليم يمثله الشيوخ، والآخر في الخارج تمثله البوليساريو يطالب بالاستقلال”.
وزاد المتحدث ذاته: “بعدها حصل لقاء (عين بنتيلي) استمر ثلاثة أيام بين وفد شيوخ الساقية الحمراء بقيادة المرحوم خطري ولد الجماني، ووفد البوليساريو بقيادة أمينها العام السابق الولي مصطفى السيد. وكان طرح الشيوخ أكثر واقعية ويجنب البسطاء الصحراويين الدخول في مغامرة غير محسوبة، فيما لم يكن لدى البوليساريو جواب عن سؤال بسيط طرحه خطري، وهو كالتالي: هل لديكم ما يعيش به 100 صحراوي ليوم واحد، وأحرى الآلاف؟”.
ولفت القيادي السابق في البوليساريو إلى أن “قادة الجبهة التزموا حينها للشيوخ بأنهم سيدعمونهم، لكن الذي حصل هو أن البوليساريو لم تحضر الاجتماع المقبل بنية البحث عن إجماع صحراوي حول حل متوافق عليه، لأنها كانت تبحث فقط عن الشرعية، وبدأت تسوق منذ تلك اللحظة بأن الشيوخ أعطوها دعمهم الكامل، وهو عكس ما تم الاتفاق عليه”، مشيرا إلى أن ” الصورة نفسها هي التي نعيشها اليوم: شيوخ وأعيان ومنتخبو الإقليم فوق أرضهم مع الحكم الذاتي، والبوليساريو في الخارج تبتعد يوما بعد يوم عن تحقيق ما تطالب به”.
عقلية متحجرة وشمس في الصحراء
وحول طبيعة التحديات التي تحدث عنها زعيم الانفصاليين في خطابة، شدد القيادي السابق في الجبهة على أن “التحدي الأكبر الذي يواجه البوليساريو هو عقلها المتحجر وأنانية قادتها وحبهم للسلطة، بعدما لم يكونوا من قبل شيئا، في مقابل شيوخ وأعيان منتخبين وساكنة صحراوية تنمو وينمو مجالها، ومعهم المملكة المغربية بكل ثقلها التاريخي والعسكري والدبلوماسي المتفوق على الجزائر والبوليساريو”.
ولفت المتحدث إلى أن “حقيقة صورة البوليساريو لم تتغير فيها غير الألوان، ففي سنة 1975 كانت باللون الأبيض والأسود وفي 2023 صارت ملونة، لكن البوليساريو مازالت هي نفسها شريدة فاقدة للشرعية وعاجزة عن تحقيق ما وعدت به من سار في ركبها من الصحراويين الذين يعيشون على المساعدات الإنسانية منذ نصف قرن، وفي المقابل تغير وجه الصحراء وأشرقت ونمت ولم تعد هي ذات الصحراء التي تركها الاستعمار الإسباني في قفر بئيس”.
وخلص ولد سيدي مولود، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “البوليساريو لا تملك موطئ قدم في الأراضي التي تحلم بتحريرها، ومات عنها كل عرابيها وداعميها، كبومدين في الجزائر والقذافي في ليبيا وفيدل كاسترو في كوبا، وأصبح حلمها بعيد المنال والتحقق”.
المصدر: وكالات