غيرت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع مسار حياة العديد من السودانيين، من أجل تأمين قوتهم اليومي، وتبدو الحاجة بالنسبة إلى كثيرين أم الاختراع. في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، التي تعد بين أكبر مراكز استقبال الفارين من العاصمة، يقول أستاذ الهندسة، علي سيف، إن «المعاناة تخلق منك مبدعاً.. لقد لاحظت عدم توافر الصابون في السوق واحتياج الجميع له، فقررت صنعه».
ويجلس سيف في غرفته في مخيم للنازحين بين الأواني التي يُخلط فيها سائل الصابون، قبل أن يتم إفراغه في قوالب مكعبة الشكل من أجل المنتج النهائي، ويقول «لم أتقاضَ راتباً منذ مارس»، مشيراً إلى تعطل معظم المصارف والشركات بسبب الحرب.
وفي كشك صغير لبيع الطعام، يحضّر محمد علي، الذي كان موظفاً في مؤسسة عامة، الطعام لتقديمه للزبائن. ويقول «اضُطررنا لإيجاد بدائل، لذلك قررت مع بعض الأصدقاء فتح كشك صغير، يقدم أصناف طعام من العاصمة غير منتشرة في مدني».
وداخل كشك صغير آخر في سوق مدينة الحصاحيصا بولاية الجزيرة، تجلس السودانية ميشيل إيليا، التي كانت تعمل معلمة في مدرسة في أم درمان، تصنع وتبيع رقائق الخبز. وتقول إيليا من وراء نظاراتها الطبية «بعدما كنت أطمح إلى أن أكون أستاذة كبيرة، ينتهي بي الحال هنا.. للمرة الأولى أعمل في السوق». وتتابع «لقد فقدت الأمل في الحياة، ولكن أنا مجبرة على ذلك حتى أتكفل بأسرتي وطعامي»، مضيفة «لست خجولة أو حزينة مما أقوم به، ولكنها ظروف الحرب».
وعلى مسافة من كشك إيليا الصغير، تقف إشراقة موسى، التي غادرت منزلها في العاصمة أيضاً من جراء الحرب، وراء عربة صغيرة اشترتها لتبيع المشروبات الساخنة لتدبير دخل يومها. وتقول لـ«فرانس برس»: «أتيت إلى هنا واشتريت هذه العربة لصنع الشاي، حتى أتمكن من تحمل تكاليف المعيشة.. كبدتنا الحرب أضراراً كثيرة، وتركنا منازلنا وكل ما نملك». وتتابع بحسرة «الآن.. إذا تمكنت من إفطار أطفالي، قد لا أتمكن من تدبير وجبة الغداء». قبل الحرب، لم تمارس موسى هذا العمل بتاتاً في مجتمعها المحافظ.