لم تكتف الجزائر بالمكالمة الهاتفية التي أجراها رئيسها، عبد المجيد تبون، مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، مباشرة بعد تصريح لوزير خارجية طهران أعلن فيه رغبة بلاده في تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، بل كلف ساكنُ قصر المرادية وزيرَ خارجيته، أحمد عطاف، بـ”زيارة عمل” قادته السبت إلى الجمهورية الإسلامية، في تأكيد آخر على افتقاد التحركات الدبلوماسية الجزائرية للاستقلالية.
هذه الزيارة أجرى خلالها أحمد عطاف مباحثات مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، حول “واقع العلاقات الثنائية وآفاقها المستقبلية، فضلا عن التشاور والتنسيق حول مستجدات الأوضاع على الصعيدين الإقليمي والدولي”، كما تناول الجانبان “عددا من الملفات الهامة والمواضيع البارزة على غرار الأزمة الراهنة في العلاقات الدولية، وقضايا تصفية الاستعمار، لاسيما في فلسطين والصحراء”، وفق بيان للخارجية الجزائرية.
كما التقى الوزير الجزائري مع الرئيس الإيراني، الذي وجه “دعوة لنظيره الجزائري للقيام بزيارة دولة إلى طهران في أقرب وقت ممكن”، بما يناسب “برنامج التزامات وارتباطات عبد المجيد تبون”، التي يرى محللون أنها لا تخرج عن دائرة الرباط، فلا انشغال للجزائر رئيسا وحكومة وجيشا وإعلاما إلا المغرب، فيما يرى آخرون أن هذه الزيارة إنما تعكس “التيه الدبلوماسي” للنظام الجزائري وانعدام أفق النظر لدى الدبلوماسية الجزائرية التي تصر على نهج “سياسة رد الفعل” ضد تحركات وانتصارات نظيرتها المغربية، على غرار ما حدث في عديد من المناسبات.
فقدان البوصلة السياسية وإغراءات جزائرية
تعليقا على سياق وتوقيت زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى طهران، قال محمد عصام لعروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، إن “هذه الزيارة تندرج في إطار دبلوماسية رد الفعل التي تنتهجها الجزائر تجاه المغرب، وتُثبت مرة أخرى أن السياسية الخارجية الجزائرية فاقدة للبوصلة السياسية، بل وفاقدة أيضا لأي تصور استراتيجي وبعد نظر في علاقاتها مع المحيط واصطفافاتها الاستراتيجية والجيو-سياسية”.
وأضاف لعروسي، في تصريح لهسبريس، أن “هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيه الجزائر برد فعل مباشر ضد المغرب، فقد لاحظنا كيف تحركت الدبلوماسية الجزائرية مباشرة بعد التحركات المغربية خاصة في الدول الكلاسيكية على غرار إسبانيا والبرتغال وإيطاليا”، موضحا أن “ذلك يعني شيئا واحدا فقط، هو أن الجزائر أصبحت تتبنى سياسة خارجية عشوائية محكومة أساسا بالتحركات الدبلوماسية للمغرب”.
وأردف بأنه “رغم أن المغرب لم يستقبل دعوة وزير الخارجية الإيراني بكثير من الجد، على اعتبار أنها دعوة ملتبسة وغير واضحة، وعلى اعتبار أيضا أن الرباط ترى أن أي علاقات مستقبلية مع طهران يجب أن تُبنى على احترام الوحدة الترابية ووقف الدعم لميليشيات البوليساريو، إلا أن تصريح المسؤول الإيراني كانت له تداعيات على الطرف الجزائري، وهو ما تترجمه زيارة عطاف إلى طهران”.
“الدبلوماسية التي تنهجها الجزائر بشكلها الحالي لن تسفر أي نتائج سياسية ملموسة، بالنظر إلى أن هذه الدولة أصبحت تبني مواقفها على أساس الفراغ “، يوضح العروسي.
وحول الملفات والقضايا التي ستُطرح للنقاش خلف الكواليس بين الطرفين، أورد المتحدث عينه أن “الجزائر ستحاول بلا شك التأثير على موقف طهران من قضية الصحراء المغربية، كما ستقدم شيكا على بياض لإيران للاستمرار في دعم الجبهة الانفصالية بالسلاح. وبالتالي، فإن الجانب الإيراني يعول هو الآخر على هذا الملف للحصول على إغراءات وتنازلات جزائرية، سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري”.
كما سيحضر موقف الجزائر من الملف النووي الإيراني بقوة خلال هذه المناقشات، من خلال “تدعيم موقف طهران على المستوى الدولي، ذلك أن إيران تحاول استقطاب دول كالجزائر في هذا الإطار، إضافة إلى التلويح بأهمية الاصطفاف إلى جانب الحلف المشكل من محور موسكو-طهران ونسبيا أنقرة، على اعتبار أن الجزائر، ومن هذا الباب، قد تطرح نفسها على إيران باعتبارها البلد الذي سيمكنها من إيجاد موطئ قدم لها في القارة الإفريقية وبسط نفوذها الشيعي في المنطقة”.
تيه دبلوماسي وعمل استراتيجي مغربي
من جهته، أورد البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير المخاطر وتحليل الصراع، أن “هذه الزيارة تندرج في إطار الدينامية التي تريد الجزائر إضفاءها على سياستها الخارجية، خاصة بعد استدعاء عطاف لتولي منصب وزير الخارجية بدل رمطان لعمامرة، الذي شهدت الديبلوماسية الجزائرية في عهده هزائم ميدانية حقيقية رسخت عزلتها الإقليمية وأكدت عدم فاعلية وتأثير قراراتها وتحركاتها على المستويين الإقليمي والدولي”.
كما تأتي هذه الزيارة، يوضح المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، في “إطار السعي الجزائري الحثيث لاحتواء واستباق أي تحرك مستقبلي مغربي واسع النطاق في منطقة الشرق الأوسط بتعقيداتها الجيو-سياسية الكبرى، في محاولة لتثبيت تحالفات هشة مبنية على مصالح تستهدف الأمن الإقليمي والسلام العالمي”.
في الصدد ذاته، أورد البراق أنه “تقليديا، فإن السلوك الديبلوماسي الجزائري إزاء المغرب ينبني على محاولة التضييق على المسارات الديبلوماسية الناجحة للمغرب، سواء باستخدام ديبلوماسية الغاز أو دبلوماسية الشيكات القذرة، أو بالتلاعب بالقيم الكونية لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب بالترويج لمغالطات وأكاذيب تخص قضية الصحراء المغربية”.
وواصل تصريحه بالقول إن “الجزائر اليوم في ظل الصراعات البنيوية الداخلية بين أجنحة الحكم التي كرسها الحراك الشعبي بتأثيراته على منطلقات اشتغال العديد من مؤسسات الدولة الاستراتيجية، تعيش في ظل ما يمكن أن نصطلح عليه التيه الديبلوماسي، في غياب رؤية استراتيجية واضحة المعالم بقراءة دقيقة للتغيرات الجيو-سياسية العالمية وبفهم استشرافي لطبيعة التحديات السياسة والاقتصادية والمناخية والبيئية التي تواجه العالم”.
على المستوى الإيراني، قال البراق: “لا يخفى على أحد أن وزير الخارجية الإيراني الحالي، أمير عبد اللهيان، الذي كان مساعدا لوزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف، كان أحد مهندسي خطوة إعادة العلاقات المغربية-الإيرانية سنة 2015″، مضيفا أن “الأكيد أن الرجل يمتلك تصورا معينا لإعادة العلاقات مع المغرب وفق الشروط المغربية الواضحة والواقعية، وعدم الإشارة إلى قضية الصحراء المغربية في البيان الختامي لزيارة وزير الخارجية الجزائري إلى إيران يمكن تفسيره بأن طهران تبعث بإشارات إيجابية إلى الرباط بهذا الخصوص”.
وفي ما يخص التقارب الإيراني المغربي المستقبلي، أوضح الخبير عينه أن “لا مؤشرات ملموسة واضحة لعودة العلاقات المغربية الإيرانية، وإن كانت، فالمطالب المغربية المنطقية الواضحة في هذا الإطار ستحدد طبيعة التحركات الجزائرية لمحاولة إجهاض أي تقارب من هذا النوع، ذلك أن المغرب متمسك بسيادة قراراه الوطني ولا يقبل من أي دولة في العالم التدخل في طبيعة علاقاته الخارجية أو تموقعه الجيو-سياسي”.
وأضاف أن “الديبلوماسية المغربية، كعادتها، لديها تقدير موقف واضح ومتماسك ومنطقي لتطور الأحداث في الشرق الأوسط، خاصة المرتبطة منها بتطبيع العلاقات الإيرانية مع دول الجوار وانعكاساتها على القضايا الإقليمية الكبرى وتأثير استراتيجية تبريد الأزمات التي تنتهجها السياسة الإيرانية في العالم العربي، وتطور السلوك الإيراني، خاصة في ما يتعلق بدعمها للميليشيات المسلحة أو النأي عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية”.
وخلص البراق إلى أن “العمل الاستراتيجي النوعي الذي تقوم به الديبلوماسية المغربية والمصالح الخارجية من أجل فضح العلاقات المشبوهة لميليشيا تندوف مع مختلف التنظيمات الإرهابية والإجرامية العابرة للقارات التي تنشط في منطقة الساحل، كان من بين الأسباب المباشرة لفشل استراتيجية الجزائر لوضع ملف دعم ميليشيا البوليساريو كمحدد لتطوير علاقاتها الخارجية مع العالم”.
المصدر: وكالات