نقاش “قديم جديد” ذلك الذي انبعث من رماده خلال الأسابيع الأخيرة بشأن مغربية الصحراء الشرقية، لا سيما بعد تأكيد الأمر بشكل تاريخي على لسان مديرة الوثائق الملكية، بهيجة سيمو، خلال حلولها ضيفة على “ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء” أواخر فبراير المنصرم.
ففي سياق حديثها عن الموضوع الذي يتداوله ناشطون وإعلاميون بقوة على “تويتر”، قالت المؤرخة الأكاديمية بهيجة سيمو إن “الوثيقة (التاريخية) سلاح مُعتَـدٌّ به، وبُرهان لا غبار عليه”، مؤكدة في تفاعلها مع وسائل الإعلام أن “الوثائق المتعلقة بقضية الصحراء متوفرة جدا في المغرب”.
وأضافت أن الوثائق حول مغربية الصحراء “متوفرة، يمكن الاطلاع عليها. كما أنها مُرتّبة… وحينما أقول الصحراء فأنا أقصد (الغربية) ولكن أيضا الصحراء الشرقية”. وزادت شارحة: “الوثائق حول الصحراء ليست فقط مراسلات أو ظهائر أو بيعات، بل هناك خرائط ورسوم تُظهر كيفية تطوّر الحدود من العصر الوسيط إلى اليوم، وهو رصيد جد هام حصلنا عليه أيضا من دول أخرى تشهد بذلك”.
“سُعار جزائري”
الموضوع أثار سعارا جزائريا غير خاف، تجسد في أول رد رسمي جزائري على إفادات وتصريحات مديرة الوثائق الملكية، حينما اتهم رئيس المجلس الشعبي الجزائري، إبراهيم بوغالي، المغربَ بـ”التشويش” على الجزائر.
ونقلت منابر إعلامية جزائرية مقربة من النظام العسكري عن بوغالي قوله إن المغرب يحاول “التشويش على بلادنا وتسويق أطماعه التوسعية…، في الوقت الذي تعمل فيه بلادنا تحت القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية على تعزيز الاستقرار على المستوى الجهوي والقاري والدولي لاستتباب السلم وإنعاش التنمية وبعث الأمل”.
ولم يُخف رئيس البرلمان الجزائري ولاء “العقيدة العسكرية لبلاده المبنية على الدفاع”، وزاد في نبرة تهديد: “لا نسمح بالمساس بأي ذرة من ترابنا، فحدودنا دفعنا من أجلها ثمنا باهظا… الجيش الجزائري مستعد للدفاع عن حدودنا وبسط السكينة والطمأنينة في ربوع البلاد”.
“حدود مغشوشة”
الموساوي العجلاوي، خبير في شؤون منطقة الصحراء والساحل، سجل أن “تجدد النقاش حول الموضوع جاء في سياق جلسات علمية في إطار تاريخي واضح يكرس حقيقة تاريخية شهِدَت بها وثائق فرنسية ومغربية”.
وأكد العجلاوي، في حديث لهسبريس، أن “طرح الموضوع تاريخي بالأسا،س وليس طرحا رسميا مغربيا، لأن المغرب بلد يحترم اتفاقيات ومعاهدات حسم من خلالها النقاش في 1992″، لافتا إلى أن “الأمر يعيد النقاش بخصوص الحدود الموروثة عن الاستعمار، التي هي حدود مشغوشة تشكل مسألة خطيرة في العلاقات المغربية الجزائرية”.
وشرح المتخصص في الدراسات التاريخية والإفريقية أن “فرنسا حينما استعمرت دولا عديدة قرَضت من أراضي المغرب وتونس وليبيا والجزائر والنيجر”، مشيرا إلى أنه في حين “حُسمت قضية الحدود التونسية والجزائرية في الرباط في 1962، النيجر ومالي لم يَطْرَحا القضية للنقاش”.
وزاد: “تاريخيا وثقافيا وروحيا، الصحراء الشرقية تظل أراضي مغربية”، قبل أن يوضح أن “فرنسا عرَضت على المغرب في عهد الملك محمد الخامس عام 1956 أن تتم إعادة الصحراء الشرقية للمغرب مقابل تخلي الأخير عن دعم الثورة الجزائرية، لكن الملك الراحل رفض ذلك رفضا باتا. وما وقع بعد 1962، هو أن المغرب طالب باسترجاع تندوف وبشار ومناطق أخرى”.
سيرورة تاريخية
وتابع المتحدث مستعرضا سيرورة الأحداث تاريخيا: “في يوليوز 1961 وقع المغرب بروتوكول اتفاق مع حكومة مؤقتة جزائرية عن الحدود بين البلدين، نص على أن اتفاقات فرنسا لن تضر المصالح الحدودية للمغرب وعلى أن تُحل المشاكل بين البلدين بشكل ثنائي، إلا أن المغرب في إطار جهود المغرب الكبير بادر حينها مباشرة بعد حرب أكتوبر 1963 إلى التقرب والبحث عن حلول مع نظام بومدين، وانتهت الأمور إلى إمضاء معاهدة الحدود في سنة 1972 التي نشرتها الدولة الجزائرية عاما بعد ذلك”.
وأوضح العجلاوي أن “المغرب وافق في ماي 1992 في اجتماع للبرلمان على هذه المعاهدة وصدرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 يونيو 1992، قبل تاريخ 29 يونيو 1992 اليوم الذي قُتل فيه بوضياف، الذي راج بشأنه تخوف من حل مشكل الحدود مع المغرب، وهي معطيات يمكن قراءتها في مذكرات الجنرال خالد نزار”.
وخلص إلى أن “مشكل الحدود بين المغرب والجزائر يتعلق في عمقه بسؤال احترام كل دولة لمعاهدتها واتفاقيتها مع جارتها. والمغرب رغم حسمه في الأمر، ظل هناك مشكل 80 كيلومترا جنوب تندوف التي تحاذي الشمال الشرقي للصحراء المغربية (أي مناطق تفاريتي وبير لحلو…)”.
وتساءل الخبير ذاته: “إذا لم يُوافِق النظام الجزائري الحالي على معاهدة الحدود الكاملة فهو يتناقض مع ما صادقوا عليه في السبعينات؟”، مشيرا إلى أنه “باتفاق لعمامرة العام الماضي مع الكيان الوهمي، فإنهم يعلنون نَقْضهم لاتفاقية الحدود لعام 1972، في تناقض صارخ”.
وختم بأن “المغرب دولة تحترم معاهداتها، بدليل أنه لم يحتج على انتزاع مزارع العرجات من فلاحي منطقة فكيك، والكرة تظل في الملعب الجزائري الذي تغيظه الحقيقة التاريخية الساطعة”.
يشار إلى أن بهيجة سيمو قد استعرضت نصوص بيعات القبائل الصحراوية للسلاطين والملوك العلويين خلال ندوة “لاماب”.
وقالت مؤكدة: “جمَعنا في كتاب {الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية}، الصادر في ثلاثة أجزاء، حُججاً لا لُبس فيها تثبت أن تاريخ المغرب ضارب بجذوره في أقاليمه الصحراوية، ويسير بشكل مواز للامتداد التاريخي والثقافي والمذهبي، والوحدة الراسخة، ويبرز ممارسة السيادة المغربية في أقاليمها الصحراوية من خلال استمرارية البيعات للملوك والسلاطين، والتعيين بموجب ظهائر شريفة للعمال والقضاة والقوّاد في مختلف الأقاليم الصحراوية”.
المصدر: وكالات