في المقابل، هناك دول لها حظ كبير من الثروات الضخمة باطن الأرض وفوقها، ولديها مقومات بشرية كبيرة، لكنها متعثرة في بناء الداخل، تعيش في مستويات متدنية من التنمية، وترزح تحت مشاكل متراكمة، وتعيش أزمات متتالية مع نفسها ومحيطها القريب والبعيد أكسبتها سمعة غير جيدة، والسبب الجوهري لذلك هو عدم تفكيرها بمشروع وطني تنموي حقيقي يُسخّر إمكاناتها الكبيرة لصالحه، لأن أنظمة الحكم فيها لم تقم على هذا التوجه، فكرة الدولة الوطنية المزدهرة المستقرة المتصالحة مع العالم غير موجودة، وبدلاً من ذلك اختارت الاصطدام مع فكرة السلم والسلام، والاستقرار والتنمية، لصالح أفكار وشعارات لا تصلح ولا تتصالح مع حتمية التعايش الإنساني مهما طال بها الزمن. مثل هذه الدول تصاب بحساسية مفرطة من النموذج المستقر النامي المتطور المتوازن الذي يعرف جيداً الاشتراطات المنطقية لبقاء الأوطان واستمرار استقرارها ونمائها، هذه الحساسية يتم ترجمتها إلى صيغ كثيرة من الممارسات والأفعال تتدرج من الاستعداء المباشر إلى محاولات تشويه المنجزات التي شبّت عن الطوق وأصبحت لديها مناعة تجاه التشويش، سواء المنجزات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية أو الاجتماعية.
مثل هذه الدول لم تستوعب معادلة بسيطة ومفهوماً بديهياً يتلخص في أنه لن يستطيع أحد أن يمنعك إذا كنت عازماً وجاداً في البناء الداخلي، ولن يستطيع أحد أن يؤثر عليك طالما جبهتك الداخلية متماسكة وولاؤها لوطن احترمها وانشغل بها تنميةً وتطويراً في كل الجوانب. مشاريع بناء الأوطان تدوم، ومشاريع الشعارات والمزايدات تسقط ولو طالت.