أثار إعلان مجلس المنافسة التوصل إلى اتفاق مع الشركات الـ9 التي تعمل في الأسواق الوطنية للتموين والتخزين وتوزيع البنزين والكازوال، والجمعية المهنية الممثلة لهذه الشركات، التي ستؤدي مبلغ 1,84 مليار درهم كتسوية تصالحية، والتي سبق أن وجه إليها المجلس مؤاخذات تتعلق بممارسات منافية للمنافسة، موجة من الردود والتفاعل من قبل الفاعلين والمهتمين بالموضوع حول قيمة الغرامة والتعهدات التي التزمت بها الشركات.
ومقابل التفاؤل الذي عبر عنه رئيس مجلس المنافسة، أحمد رحو، في تصريح سابق لهسبريس، وثقته في المستقبل بخصوص الالتزامات التي عبرت عنها الشركات لضمان عدم تكرار ما حصل في السابق، اعتبرت الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول “سامير” أن الإجراءات المعلنة “تفتقر إلى الضمانات والمصداقية في ظل الوضعية الاحتكارية للسوق الوطنية للمحروقات وإبطال شروط التنافس من قبل الفاعلين”.
وأكدت “الجبهة” أن مجلس المنافسة مطالب بـ”نشر كل المعطيات والوقائع المتعلقة بهذا الملف، منذ وضع شكاية النقابة الوطنية لمهنيي النقل الطرقي سنة 2016 حتى صدور بلاغ مجلس المنافسة ليوم 23 نونبر 2023، وتوضيح مرتكزات احتساب الغرامة التصالحية للرأي العام، والكشف عن الأسباب الحقيقية في ربح الوقت والسكوت عن استمرار وقوع الضرر للمستهلكين، رغم كل النداءات والمطالبات التي لم تجد لها آذانا صاغية”.
وفي هذا السياق، قال الحسين اليمني، الكاتب العام لنقابة البترول والغاز، في تصريح لهسبريس: “إن الضرر واقع من 2016 إلى اليوم، ونأتي في 2023 ونمتع المعنيين بشروط التخفيف رغم أنهم أقروا بما نسب إليهم، ونقول إن هناك توافقا وتصالحا”، مؤكدا أن هذا الاتفاق “لا يجبر الضرر الذي تعرض له المغاربة منذ 2016 إلى اليوم”.
وأفاد اليمني بأن المجلس “اعتمد شروط التخفيف إلى أقصى حد ممكن، بدعوى أن هناك التزاما عاما بتغيير السلوك في المستقبل، فيما يتحدث القانون عن احتساب سنوات الضرر”، مبرزا أن تقديرات نقابته هي أنه “ليست هناك أي ضمانات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من أجل إصلاح المعاملات في المستقبل”.
وأشار النقابي ذاته إلى أن “الحديث عن تدخل الشركة الأم في تحديد أسعار البيع بالمحطات لا علاقة له بالواقع، فالشركة الأم التي تزود المحطات الحرة تترك لها هامش ربح جد بسيط وتطالبها بتحقيق المنافسة، وهي ضمنيا وعمليا تفرض عليها ثمن البيع، وهذا لا يستقيم”، مجددا المطالبة بمنح أرباب المحطات الحرة الحق في “التزود من أي علامة، وهذه المسألة كفيلة بتكسير الأسعار بين عشية وضحاها”.
وشدد المتحدث على أن “المتتبع للسوق لم يلاحظ أي تغيير في سلوك الشركات، بعد 4 أيام من صدور بيان المجلس، إذ مازالت الأسعار نفسها بفارق بعض السنتيمات بين شركة وأخرى”، معتبرا أن “الحديث عن استجماع المجلس المعطيات في عمليات البيع والشراء مخالف للقانون، لأن السياسة التجارية شأن خاص للمقاولات”، وزاد متسائلا: “من يضمن لنا تقيد المجلس بواجب التحفظ والسرية؟”، مجددا التأكيد على أن التحرير “لم يكن في محله، والحل يتمثل في إلغاء تحرير أسعار المحروقات إلى حين توفير شروط التنافس الحقيقية”.
وعكس هذه النظرة المتشائمة، يرى بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن الإجراءات المعلنة “إيجابية ومن شأنها تغيير الواقع”، موردا أن “المجتمع المغربي ضغط على شركات المحروقات والقطاع بصفة عامة، فكان الكل ينتظر قرار مجلس المنافسة، مع التشكيك في قدرة هذه المؤسسة على القيام بأي شيء في المجال”.
وأضاف الخراطي في تصريح لهسبريس: “العكس هو الذي حصل، إذ تبين أن مجلس المنافسة مؤسسة دستورية لها الاستقلالية والحياد التام وتدافع عن المصلحة العامة للبلاد ومصلحة المستهلك المغربي”، معتبرا أن “الحل التصالحي بين المجلس والشركات أعطى نتائج مفيدة، بما فيها 184 مليار سنتيم، وهو ليس رقما سهلا”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “الأهم في الموضوع هو استجابة هذه الشركات للمجلس، فيما على الرأي العام أن يعرف أن هناك شركات أجنبية ووطنية، وإذا خضعت شركات أجنبية لمجلس المنافسة فهذا يبين أنه سلطة تؤخذ بعين الاعتبار، إن على الصعيد الوطني أو العالمي”.
وأفاد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أيضا بأن “هذا الامتثال يفتح لنا باب الأمل”، وزاد أن “المجلس أخذ على عاتقه 3 سنوات للمراقبة، لأنه ليست هناك أي هيئة تراقب القطاع”، معتبرا أن هذا الأمر “خطأ سقطت فيه الحكومة إبان اتخاذ قرار تحرير القطاع دون وضع آلية للمراقبة”.
وأكد الخراطي أن “الشركات الكبرى في المغرب لم تكن تعرف قانون المنافسة، فيما كانت بعض الشركات تتجاهله”، مبرزا أن “المجلس أصبح في الوقت الراهن قوة هادئة جعلت من الشركات تعرف أن هناك قانونا يجب احترامه، وهذا ما جعلها تخضع”، ولافتا إلى أن “التعهدات ومراقبة المجلس لمدة 3 سنوات تبقى ضمانات كافية ليكون المستهلك محميا”، حسب تعبيره.
المصدر: وكالات