هل ستسلب الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟ لسنوات ونحن نطرح هذا السؤال، ونخوض في النقاش المستمر حول هل الذكاء الاصطناعي والأتمتة ستوفر وظائف أكثر في المستقبل أم ستكون تقنيات مدمرة وتسبب اضطرابًا في سوق العمل؟
على مستوى الاقتصاد ككل فالحكم واضح؛ حتى الآن لم تستغني الآلات عن الحاجة إلى العمال، ومع ذلك يمكن للتكنولوجيا أن تلغي أنواعًا معينة من الوظائف. صحيح أن الوظائف التي تختفي في مواجهة التقدم التكنولوجي تُستبدل بوظائف أخرى، لكن هذا لا يعني أن عملية التحول كانت سهلة، لأن الناس عمومًا لا يجدون تغيير الوظائف أمرًا سهلًا، خاصة إذا كانت الوظائف الجديدة في أماكن مختلفة وتتطلب مهارات جديدة.
وقد أطلق روبوت الدردشة (ChatGPT) في أواخر العام الماضي حقبة جديدة في الذكاء الاصطناعي، وأثار مخاوف واسعة النطاق بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، حيث أدت قدراته على كتابة المحتوى وكتابة الأكواد البرمجية، وإجراء محادثات بانسيابية عالية مع البشر إلى أن يقترح بعض الناس أنه يمكن أن يتولى بسرعة وظائف في خدمة العملاء وكتابة المحتوى وحتى مهنة المحاماة.
قال (ريتشارد ديفير) خبير الذكاء الاصطناعي، ورئيس الهندسة الاجتماعية في شركة (Ultima) لموقع DailyMail: “أعتقد أن ChatGPT يمكن أن يحل محل 20% من القوى العاملة خلال 5 سنوات، لأن ما نشهده الآن ليس مجرد موضة جديدة، مثل: Bitcoin أو NFTs أو العدسات اللاصقة الذكية، أنه واقع نعيشه ولا تظهر أي علامات على التباطؤ”.
إليك 6 وظائف مهددة بسبب روبوت ChatGPT:
موضوعات ذات صلة بما تقرأ الآن:
1- المبرمجون:
أثار روبوت ChatGPT ضجة كبيرة فور إطلاقه بسبب قدرته على اكتشاف الأخطاء الموجودة في الأكواد البرمجية وتصحيحها، كما يمكنه إنشاء برامج بسيطة نسبيًا بلغات برمجة مختلفة، ولكن إذا طلبت منه كتابة أكواد برمجية معقدة، مثل: كتابة أكواد لعبة متطورة أو تطبيق تجاري، سيعترف بضعفه ويخبرك أن المهمة تتجاوز قدراته حاليًا.
وبالرغم من ذلك يعتقد بعض الخبراء أن ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي المماثلة تتطور بسرعة كبيرة، وقد نجد أنفسنا أمام تغييرات كبيرة في غضون 3 سنوات.
ولكن بعض المبرمجين خاصة أصحاب الخبرة لا يمثل ChatGPt تهديدًا لهم، بل يجدونه أداة قيمة للغاية في الوقت الحالي، حيث يعتمدون عليه في أتمتة بعض المهام، مثل: إنشاء الأطر بسرعة، وتخطيط تصميمات التطبيقات، وإعطاء مدخلات في أسئلة مثل كيفية تنظيم البيانات، وما هي ميزات واجهة المستخدم المطلوبة، وغير ذلك.
كما يرى بعض الخبراء أن ظهور مبرمجي أدوت الذكاء الاصطناعي، مثل: ChatGPT سيؤدي أيضًا إلى زيادة الطلب على مطوري البرامج المتمرسين في مبادئ علوم البيانات، فعلى سبيل المثال: سيكون هناك طلب متزايد على المهندسين الذين يمكنهم تصميم التطبيقات باستخدام منصات علوم البيانات ولغات البرمجة، مثل: Go و Python.
2- الكتّاب والصحفيون:
كانت أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بإنشاء النصوص موجودة منذ فترة، ولكن ما ميّز روبوت ChatGPT هو قدرته على كتابة النصوص الطويلة، مثل: المقالات والتقارير بكفاءة عالية، لدرجة أنه يؤلف كتب كاملة وتباع الآن في مكتبة أمازون الرقمية لبيع الكتب.
I spent the weekend playing with ChatGPT, MidJourney, and other AI tools… and by combining all of them, published a children’s book co-written and illustrated by AI!
Here’s how! 🧵 pic.twitter.com/0UjG2dxH7Q
— Ammaar Reshi (@ammaar) December 9, 2022
وقد عزز ذلك المخاوف من تأثير ChatGPT في صناعة المحتوى والصحافة، حيث يري (أليكس هيرن) Alex Hern محرر التكنولوجيا في صحيفة الجارديان أن جميع الأساتذة والمبرمجين والصحفيين يمكن أن يصبحوا عاطلين عن العمل في غضون بضع سنوات فقط، بسبب قدرة روبوت ChatGPT على الكتابة وكفاءته في المهام المعقدة وسهولة استخدامه.
كما يتوقع دكتور (Lili Mou) – الأستاذ المساعد في قسم علوم الحوسبة بجامعة ألبرتا وخيبر الذكاء الاصطناعي – أن تتبنى صناعة الإعلام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب جدًا، لكنه يحذر من أن أدوات، مثل: ChatGPT لا تزال تعاني من مشكلات، حيث إنه يعتمد في الردود على القوالب، ولا يعتقد أن أي شركة ستعتمد أبدًا على النصوص التي ينتجها بنسبة 100%، بل سيتعين على الصحفيين التحقق من المعلومات ومن الأخطاء النحوية.
كما يرى (جوشوا جانس) Joshua Gans – الأستاذ في جامعة تورنتو – أن الذكاء الاصطناعي والبشر لديهم نقاط قوة وضعف مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكتابة، عادةً ما يكون البشر أكثر إبداعًا من الذكاء الاصطناعي عندما يتعلق الأمر بتوليد الأفكار الأصلية والتعبير عنها بطريقة فريدة وجذابة. يمكن أن يُنشئ الذكاء الاصطناعي نصًا متماسكًا يتبع قواعد معينة، ولكن قد يكون من الأصعب الخروج بأفكار جديدة ومبتكرة.
3- المحامون:
أعلنت شركة (DoNotPay) المتخصصة في روبوتات الدردشة التفاعلية في مجال المشورات القانونية خلال هذا الشهر عن أول محامي روبوت مدعوم بالذكاء الاصطناعي في العالم، ومن المقرر أن يبدأ الروبوت عمله بالمحكمة الشهر القادم مدافعاً عن متهم بارتكاب مخالفة مرورية.
قال (جوشوا براودر) الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة (DoNotPay) لصحيفة USA TODAY: “القانون يشبه تقريبًا الكود البرمجي واللغة مجتمعين معًا، لأن مهنة المحامي تقوم على طلاقة اللسان واختيار الجمل المعبرة، لذا فهو المجال المثالي الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي”.
في حين يرى (أندرو إم بيرلمان) عميد كلية الحقوق بجامعة سوفولك – الذي اختبر روبوت ChatGPT بنفسه – أن الردود الناتجة عنه كانت ناقصة وفي بعض الأحيان إشكالية، وأن استخدامه في الخدمات المتعلقة بالقانون يثير مجموعة من القضايا التنظيمية والأخلاقية، ولكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على ما سيقدمه الذكاء الاصطناعي للمجال في المستقبل.
4- موظفو خدمة العملاء:
ChatGPT هو في الأصل روبوت دردشة قادر على إجراء المحادثات مع المستخدمين بانسيابية عالية جدًا، وقد تفوق على كل روبوتات الدردشة التفاعلية (Chatbots) التي ظهرت حتى الآن في معالجة اللغة الطبيعية (Natural language processing).
لذلك تعد خدمة العملاء من مجالات العمل الرئيسية المهددة من تطور الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة، حيث تُستخدم حاليًا للتعامل مع استفسارات العملاء وجدولة المواعيد وحل بعض المشكلات، مع استمرار تحسن هذه التقنيات، قد تكون قادرة على التعامل مع مهام أكثر تعقيدًا. وهذا قد يؤدي إلى فقدان المزيد من موظفي خدمة العملاء لوظائفهم.
ولكن يرى بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي له حدود، فهو جيد في إيجاد الأشياء وقياسها، لكن الأمر يتطلب من البشر معرفة ما يجب فعله بالتوجهات التي يصل إليه الذكاء الاصطناعي. كما أنه لا يمكن تدريبه على الشعور بالتعاطف مع العملاء وهي إحدى نقاط تفوق البشر على الذكاء الاصطناعي.
5- مندوبو المبيعات:
ليس هناك شك في أن استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في مجال المبيعات أحدث تغييرات جذرية، ابتداءً من الاستهداف الأكثر دقة ووصولًا إلى التنبؤ بسلوك العميل. كما تستخدم معظم أقسام المبيعات في الشركات حاليًا أدوات CRM لمتابعة العملاء المحتملين وأتمتة عمليات التسويق.
ولكن هذه الميزات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلانات والمبيعات تواجه هجومًا شرسًا حاليًا، حيث يقوم المشرعون وخاصة في أوروبا بمهاجمة العديد من شركات التكنولوجيا التي تستخدم الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لتتبع المستخدمين والتنبؤ بسلوكهم مع طرح قوانين تركز على الخصوصية وحماية المستهلك.
بالإضافة إلى ذلك؛ اسأل أي مندوب مبيعات عن أهم شيء لإغلاق الصفقات، وسيخبرك تسعة من كل عشرة منهم بالشيء نفسه: الثقة. وتبدأ الثقة بالعلاقات الشخصية وهو شيء لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من فعله.
لذلك من المتوقع أن تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل: روبوت ChatGPT على إعادة تشكيل مجال المبيعات وأتمتة العمل الإداري، لكنه لن تحل محل التفاعل البشري.
6- مسؤولو تحسين محركات البحث SEO:
لا شك في أن ChatGPT والأدوات المماثلة ستغير طريقة عمل مسؤولي تحسين محركات البحث، حيث يعتمد عليها الآن بعض الأشخاص في القيام بالعديد من المهام؛ ابتداءً من البحث عن الكلمات المفتاحية ووصولًا إلى إنشاء المحتوى وإعداد التقارير.
ولكن تحتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية إلى تدريب موجه من البشر ومدخلات بشرية للتدريب عليها، مما يحد من معرفتها بالأحداث الحالية ويجعل عمل البشر جزءًا أساسيًا في معرفتها، كما أنها تحتاج إلى مدققين بشريين للتحقق مما تقوم به. ودعونا لا ننسى الآن أن جوجل تعتبر المحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي مخالفًا لإرشاداتها.
لذلك من المتوقع أن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال تحسين محركات البحث سيظل بحاجة إلى البشر للإشراف على المحتوى وتقديم مدخلات إبداعية، وتوفير توجيه إستراتيجي، وإجراء تعديلات على أساس تغيير توجهات البحث.