غزة / محمد ماجد / الأناضول
– تبدو حياة الفلسطينيين النازحين من منازلهم بقطاع غزة وكأنها عادت إلى العصر الحجري
– انقطاع الكهرباء يحرمهم مقومات الحياة ويعيشون في ظروف بائسة تشبه العصور القديمة
– يعتمدون على نار الحطب والحشائش والورق لإعداد الطعام وينامون على التراب وفراش بسيط
– يعانون من غياب الأجهزة ووسائل التنقل سوى عربات تجرها حمير نهارا تختفي في المساء
في عتمة الليل وعلى ضوء القمر الخافت تقيم عائلات فلسطينية في خيام وظروف غير إنسانية، مع انقطاع التيار الكهربائي جراء الحرب على قطاع غزة، بعد نزوحها قسرا من منازلها التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية.
تبدو حياة تلك الأسر الفلسطينية بدائية لأبعد حدود، وكأنها عادت إلى العصر الحجري، حيث يفتقر الناس إلى أبسط مقومات الحياة الحديثة ويعيشون ظروفا بائسة بعيدا عن الأجهزة الكهربائية.
ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول تقطع إسرائيل التيار الكهربائي عن قطاع غزة وتمنع دخول الوقود لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة، فضلا عن وقف إمدادات الماء والاتصالات والمواد الغذائية والعلاج.
وقودهم الخشب والورق
يعتمد الغزيون على الخشب والورق والنايلون لاستخدامها وقودا لإعداد الطعام على نارها، فيما ينامون على التراب مع فراش بسيط، ويعانون من غياب أدوات الحياة الحديثة والمعدات الأساسية التي تعمل بالكهرباء.
وعلاوة على ذلك، تعاني الأسر في الليل من انتشار الحشرات والزواحف، مما يزيد من قلقهم وخوفهم على سلامتهم، ولا وسائل لديهم لمنعها سوى إشعال النار ليلاً في محيط الخيمة.
وفي ظل الحرب، لا توجد وسائل للتنقل سوى عربات تجرها الحمير، التي تعمل نهارا فقط ونادراً ما تكون متوفرة في المساء.
طعامهم معلبات ومأواهم خيمة
بينما تشن الطائرات والمدفعية الإسرائيلية غاراتها على أنحاء متفرقة من قطاع غزة، تعد سمية أبو حشيش لأطفالها طعام العشاء من بعض المعلبات، على نار الحطب والورق أشعلتها بنفسها.
وفي خيمة صغيرة بمخيم النصيرات وسط القطاع، تدير الأم النار بحذر وتجهز وجبة بسيطة، نظرا لانقطاع غاز الطهي جراء إغلاق إسرائيل معابر قطاع غزة والسيطرة عليها، بينما تتواصل أصوات الغارات وسيارات الإسعاف.
وبينما تنشغل الأم سمية بطهي الطعام، يجلس الأب مع أطفاله داخل خيمة مصنوعة من القماش والنايلون، محاولا تسليتهم ورفع معنوياتهم في ظل الحرب المستمرة على غزة.
يروي الأب قصصا شيقة لأطفاله ويشاركهم بعض الألعاب البسيطة، ليخفف عنهم وطأة الوضع القاسي الذي يعيشونه على ضوء القمر وكشاف خافت يعمل على بطارية صغيرة يشحنها بالطاقة الشمسية في النهار.
بعض المواطنين يعتمدون على ألواح شمسية لتوليد الكهرباء لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويستخدمونها لشحن هواتف النازحين وبطارياتهم مقابل مبلغ مالي.
وتقدم هذه الخدمات بأسعار تراوح بين 1 شيكل و3 شواكل (الدولار = 3.72)، مما يتيح للناس الحصول على الطاقة الضرورية.
ولا تتوفر تلك الألواح الشمسية في كل مكان، حيث وجودها نادر في مناطق متفرقة من القطاع، ولا تلبي احتياجاتهم سوى لبعض الساعات.
آمال معلقة بانتهاء الحرب
وعلى مشارف الخيمة تجلس الجدة وطفية، تستذكر أياما جميلة جمعتها بعائلتها في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، حيث كانت ليالي السمر تسعد أوقاتهم، لكن الحرب بدلت الصفاء خوفا وألما.
وفي ظل نقص الإمكانات واعتمادها على الوسائل البدائية، تعاني عائلة أبو حشيش من ارتفاع درجات الحرارة التي تسببت بظهور أمراض جلدية للأطفال لغياب وسائل تهوية تهوّن قيظ الخيمة المصنوعة من النايلون التي تسهم باحتباس الحرارة داخلها.
يضطر أفراد العائلة للخروج من الخيمة من حين لآخر للجلوس خارجها، لاستقبال نسمة من الهواء البارد تخفف من حرارة المكان وتمنحهم قسطا لالتقاط الأنفاس.
لا تحتاج العائلة سوى العودة إلى منزلها واستعادة أيام الخوالي واللحظات الجميلة بعيدا عن الألم والخوف، وتتوق إلى إنهاء الحرب التي أودت بحياة العديد من أفرادها وأصابت آخرين وغيرت مجرى حياتها بالكامل.
عودة العصر الحجري
تقول الأم سمية للأناضول: “عانينا من النزوح وآلام الحرب، ونقيم الآن في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لا كهرباء ولا غاز للطهي، كل شي نستخدمه بدائي، حتى الأحذية والملابس نادر وجودها”.
وتضيف: “عند حلول الليل نشعر بالخوف أكثر، حيث ينتشر الظلام في المكان ونعتمد على ضوء القمر أو الكشاف الخافت إذا توفر، وهو لا يضيء سوى بقعة صغيرة”.
وتشير إلى أن “صوت القصف في الليل يكون شديدا، مما يجعل الأطفال يرتجفون ولا يستطيعون النوم، والخوف يكون واضحا عليهم”.
والجمعة، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” من أن “كثيرا من أطفال القطاع باتوا غير قادرين على النوم لهول ما رأوه جراء الحرب الإسرائيلية، معربة عن خشيتها على مستقبلهم في حال استمرار الحرب.
مسؤول الإعلام في يونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سليم عويس، طالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الحرب وإعادة مستقبل أطفال غزة.
وقال عويس في حوار مع الأناضول، إن الأطفال في غزة لا يعيشون طفولتهم، وإن الأمراض الجلدية والتهابات الجهاز التنفسي والإسهال باتت شائعة بينهم.
ولفت إلى أنه “من الصعب جدا على الأطفال العيش في خيام خلال صيف لاهب تصل حرارته إلى 35 درجة، وتزيد داخل الخيام بين 5 و10 درجات”.
وتابع: “النوم يجافي عيون كثير من أطفال غزة لأنهم يفكرون دائما في هول ما رأوه، ويشعرون بالخوف جراء استمرار الحرب”.
عائلة أبو حشيش ليست وحدها تعيش هذه الحياة؛ فآلاف النازحين يواجهون نفس المعاناة وتحديات نقص المقومات الأساسية، وتعرضهم للظروف القاسية، مما يزيد من معاناتهم بسبب الحرب الوحشية.
هذه العائلات تأمل جميعها في العودة إلى حياة طبيعية وآمنة، بعيدًا عن الفوضى والدمار والليالي الظلماء التي تعيشها.
وبجانبها، تجلس عائلة سالم خارج خيمتها رفقة أطفالها على ضوء النار، بينما تحلق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء المنطقة، يرافقها دوي انفجارات يسمع شرق مخيم البريج (وسط القطاع) ومدينتي دير البلح (وسط) وخان يونس (جنوب).
صنعت عائلة سالم موقد نار من الحجارة، ووضعت فيه الخشب والنايلون والورق ليضيء عتمة لياليهم المظلمة، لتخفيف خوف أطفالهم رغم ارتفاع درجات الحرارة.
المذياع لسماع الأخبار
يستمع رب الأسرة أبو محمد إلى المذياع لسماع نشرة الأخبار، عسى أن يحظى بخبر مفرح يعلن وقف إطلاق النار، ويسمح له بالعودة إلى منزله واستقراره.
تعتمد العائلة على النار لطهي الطعام، وعلى ضوء القمر للرؤية، وتفتقر الخيمة لأي وسائل بدائية أو حديثة لتبديد العتمة.
ورغم السماح بدخول بعض شاحنات المساعدات الغذائية بشكل “محدود” عبر مؤسسات دولية، إلا أنها لا تلبي احتياجات السكان في ظل الظروف القاسية التي تفرضها الحرب واستمرار الحصار.
وخلال الحرب المستمرة منذ 11 شهرا، نزح عشرات آلاف الفلسطينيين من مناطق مختلفة، وخاصة شمال القطاع ومدينة رفح، وشرق المحافظات الوسطى إلى منطقة “المواصي”، وذلك بأمر إجباري من إسرائيل.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حربا على غزة خلفت أكثر من 133 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات