الخرطوم/ عادل عبد الرحيم / الأناضول
– بعد آخر اتصال هاتفي بينهما قبل أكثر من عام، وزير الخارجية الأمريكي يتصل هاتفيا برئيس مجلس السيادة السوداني ويدعو إلى استئناف مفاوضات جدة لإنهاء الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع”.
– الولايات المتحدة تساوي الجيش بـ”الدعم السريع” وعلاقاتها مع الخرطوم تباعدت في الفترة الأخيرة، مقابل توطيد السودان روابطه مع روسيا والصين اللتين تعتبران مجلس السيادة “الممثل الشرعي للشعب السودان”. كما تستكمل الخرطوم وطهران استئناف علاقتهما الدبلوماسية.
– المحلل السياسي لؤي عبد الرحمن: أمريكا اهملت ملف السودان ولم تكن جادة في دفع طرفي الحرب إلى السلام.. عندما تحركت الحكومة السودانية نحو روسيا والصين، بدأت أمريكا في التحرك حتى لا تفقد السودان لعدة أسباب أهمها موقعه الاستراتيجي في إفريقيا.
يتصاعد في السودان جدل سياسي بشأن الدوافع خلف تجدد اهتمام الولايات المتحدة بمحاولة إنهاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية.
هذا الجدل أطلقه اتصال هاتفي تلقاه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، الثلاثاء الماضي، من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
ومنذ آخر اتصال أجراه بلينكن بالبرهان، وهو أيضا قائد الجيش، قبل أكثر من عام حدثت تغيرات كبيرة على أرض السودان وفي علاقاته الخارجية.
وخلال الاتصال السابق، في 21 أبريل/ نسان 2023، تحدثا عن الهدنة بين الجيش و”الدعم السريع”، ومن حينها تباعدت مواقف واشنطن والخرطوم.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان 2023، يخوض الجيش و”الدعم السريع”، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وحوالي 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
وحسب محلل سياسي، في حديث للأناضول، فإن الولايات المتحدة جددت اهتمامها بالخرطوم خشية أن تفقدها لصالح منافسيها الصين وروسيا، لاسيما في ظل موقع السودان الاستراتيجي في إفريقيا، خاصة سواحله على البحر الأحمر.
وجهة مغايرة
ووفق مراقبين، صارت وجهة السودان مغايرة، فلم يعد التقارب مع الولايات المتحدة هدفه الأول، ولم تستطع الأخيرة تقديم ما يقنع الخرطوم بمحاولة إرضاء واشنطن.
وخلال عامين قبل الحرب، انخرطت حكومة السودان في خطة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، في محاولة لإرضاء واشنطن وتحقيق أهداف سودانية.
كما ثبُت، حسب المراقبين، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تمتلك ما يكفي من القوة للضغط، أو لا تريد الضغط، على طرفي الحرب لتحقيق ولو سلام مؤقت في السودان.
فلم تنجح مفاوضات مدينة جدة، برعاية الولايات المتحدة والسعودية، في تحقيق أي اختراق في الأزمة السودانية، ولو وقف مؤقت لإطلاق النار.
وانهارت أكثر من هدنة جرى التوصل إليها في جدة، وسط تبادل للاتهامات بخرقها بين الجيش و”الدعم السريع”، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وتفيد مؤشرات، وفق المراقبين، بحدوث تباعد بين واشنطن والخرطوم، إذ اتجهت الأخيرة إلى روسيا والصين وإيران، وحدث تبادل للزيارات بين المسؤولين.
وفي أكثر من مناسبة، شدد مسؤولون سودانيون على متانة واستراتيجية العلاقات مع الدول الثلاث، التي تمتلك ملفات خلافية عديدة مع الولايات المتحدة.
وغداة اتصال بلينكن والبرهان، أدلى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بتصريح اعتبره المراقبون رسالة واضحة من الرجل الثاني في الدولة بأن الخرطوم غير راضية عن سياسات واشنطن الأخيرة تجاه السودان.
ومنذ اندلاع الحرب، درجت واشنطن على الحديث عن طرفي الحرب ومساواة “الجيش” بـ”الدعم السريع”، وهو ما ترفضه الخرطوم، وتقول إن الجيش هو “قوات مسلحة وطنية” بينما “الدعم السريع” هو “قوة متمردة على الدولة”.
وأثناء اتصاله بالبرهان، دعا بلينكن إلى استئناف المفاوضات في جدة لإنهاء القتال، وهو ما رفضه عقار قائلا: “لن نذهب إلى جدة، ومَن يريد ذلك فعليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة”.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الخارجية السودانية رفضها اتهامات أمريكية لحكومة السودان وجيشها بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة “الدعم السريع”، واصفه إياها بـ”الباطلة”.
ويأتي الخلاف الراهن بين السودان والولايات المتحدة بعد تحسن نسبي في العلاقات عقب إطاحة قيادات الجيش بالرئيس السوداني عمر البشير (1989-2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية مناهضة له.
وأعلنت الخرطوم وتل أبيب، أواخر 2020، تطبيع العلاقات بينهما، بعد تعهّد الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بإزالة اسم السودان من قائمة ما تعتبرها واشنطن “دولا راعية للإرهاب” وتقديم مساعدات له.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، شكر عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني حينها ترامب، على توقيعه الأمر التنفيذي برفع اسم السودان من القائمة.
وأغلقت واشنطن في 1996 سفارتها لدى السودان، بعد أن أدرجته في “قائمة الدول الراعية للإرهاب”، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن.
ومنذ إعادة فتح سفارتها عام 2002 أرسلت الولايات المتحدة فقط قائمين بالأعمال.
اتفاقيات مع روسيا
ومقابل رفض الخرطوم لمساواة واشنطن بين الجيش و”الدعم السريع”، اقترب السودان أكثر من محور روسيا والصين وإيران، الذي أعلن دعمه لـ”شرعية” مجلس السيادة الانتقالي.
وفي 24 مايو/ أيار الماضي، قال عضو مجلس السيادة ياسر العطا إن روسيا طلبت إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة.
وأضاف العطا، وهو مساعد قائد الجيش، في تصريح متلفز، أن البرهان “سيوقع على اتفاقيات مع روسيا (في هذا الشأن) قريبا”.
وبعد أربعة أيام، في اليوم نفسه الذي شهد اتصال بلينكن، زار المبعوث الروسي الخاص إلى إفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف السودان، والتقى البرهان.
وخلال لقاءات مع مسؤولين سودانيين بمدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر (شرق)، قال بوغدانوف، وهو أيضا نائب وزير الخارجية، إن موسكو تعتبر مجلس السيادة “الممثل الشرعي للشعب السوداني”.
وسبق وأن وقَّع السودان وروسيا اتفاقية لإقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر، لكن الخرطوم لم تنفذها، مع ضغوط غربية نحو عدم حصول موسكو على مواطئ قدم بالمنطقة.
والبحر الأحمر ممر حيوي للغاية بالنسبة للتجارة وسلاسل الإمداد العالمية.
وفي مايو/ أيار 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.
وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
الصين وإيران
وعلى المنوال الروسي ذاته، اتجهت بوصلة الخرطوم نحو الصين التي أعلنت مرارا دعمها لمجلس السيادة الانتقالي في مواجهة قوات “الدعم السريع”.
وفي 28 مايو الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ بي إن “موقف الصين بشأن تطوير العلاقات الودية مع السودان لن يتغي، مهما تغيرت الظروف الدولية”.
وأكد خلال لقائه نظيره السوداني حسين عوض في بكين “دعم الصين لسيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه وسلامه واستقراره الداخليين”، حسب بيان للخارجية الصينية.
كما تحسنت مؤخرا علاقات إيران والسودان، وأعاد البلدان في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 علاقاتهما الدبلوماسية، بعد 8 سنوات من قطعها؛ تضامنا مع السعودية إثر اقتحام محتجين لسفارتها في طهران.
وفي 25 مايو الماضي، التقى عوض في طهران وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري، واتفقا على استعجال إكمال فتح سفارتي البلدين.
موقع استراتيجي
وقال المحلل السياسي لؤي عبد الرحمن للأناضول إن “أمريكا اهملت ملف السودان طوال الفترة الماضية من الحرب، ولم تكن جادة في دفع الطرفين إلى السلام”.
وتابع أن “تجربة أمريكا السابقة في (الحرب الأهلية بدولة) جنوب السودان كانت تقوم على فرض العقوبات على قادة جنوب السودان، واستطاع قادة جنوب السودان توقيع اتفاق سلام (في 2018)”.
وأضاف: “إذا كانت الولايات المتحدة تريد ممارسة ضغوط للوصول إلى تسوية لفعلت، لكنها تريد استمرار الأزمة ربما لتكسير السودان أو لصالح أطراف أخرى (لم يسمها) تريد تدمير وتقسيم البلاد”.
عبد الرحمن اعتبر أنه “عندما تحركت الحكومة السودانية نحو روسيا والصين، بدأت أمريكا في التحرك حتى لا تفقد السودان لعدة أسباب أهمها موقعه الاستراتيجي في إفريقيا”.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات