غزة / محمد أبو دون / الأناضول
ـ فلسطينيون قالوا إن الهدف الإسرائيلي من إخراج المنظومة الصحية والإسعاف والطوارئ عن الخدمة في شمال غزة هو إجبارهم على النزوح وإفراغ المحافظة من سكانها
ـ متحدث الدفاع المدني محمود بصل: نحذر من كارثة في شمال غزة فأي فلسطيني يُصاب برصاص إسرائيلي أو شظية ناجمة عن انفجار صاروخ سيبقى ينزف حتى الموت لعدم وجود أي جهة تنقذه
ـ مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية قبل احتجازه: الجيش الإسرائيلي أخرج المستشفيات الثلاثة شمال غزة عن الخدمة ونحذر من خطورة الأوضاع جراء نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية منها
تعيش محافظة شمال قطاع غزة واقعا صحيا وإنسانيا كارثيا، مع توقف المؤسسات الطبية والإسعافية الطارئة عن تقديم خدماتها بعدما أخرجها الجيش الإسرائيلي عن الخدمة تحت التهديد والاستهداف المتكرر وتشديد الحصار والإمعان بجريمة الإبادة الجماعية لليوم الـ21 تواليا.
وخلال الساعات الماضية، صعد الجيش عملياته ضد طواقم الإسعاف والدفاع المدني والمستشفيات في محافظة شمال غزة، مهددا المركبات التابعة لهذه المؤسسات “بالاستهداف” في حال تحركت بالشوارع.
توقف هذه الخدمات يتزامن مع معاناة الفلسطينيين الذين رفضوا الاستجابة لأوامر “التهجير القسري” الإسرائيلية شمال غزة والنزوح جنوبا، جراء منع إسرائيل وصول إمدادات المياه والغذاء والأدوية والمساعدات الإغاثية للمحافظة، في إطار حصار مطبق تفرضه منذ 3 أسابيع.
ولليوم الـ21 على التوالي يواصل الجيش الإسرائيلي القصف الجوي والمدفعي المكثف وإطلاق النار شمال قطاع غزة، وخاصة مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا في مشاهد يقول مراقبون إنها “إبادة جماعية” يشاهدها العالم على الهواء مباشرة.
يأتي ذلك في ظل تواصل السياسات الإسرائيلية التي فاقمت كارثة المجاعة والعطش جراء منع دخول إمدادات المياه والغذاء والوقود للمنطقة، وسط تصاعد الاتهامات الفلسطينية شعبيا ورسميا بـ”الإصرار على تهجير المواطنين واحتلال الشمال وتحويله إلى منطقة عازلة”.
** وقف إمدادات الحياة
يقول الفلسطيني محمود نصار الذي ما زال في منطقة مشروع بيت لاهيا مع عائلته: “الاحتلال الإسرائيلي يحاول بكل الطرق دفعنا للنزوح وترك منازلنا حتى يستفرد بالأرض ويحولها مستقبلا لمستوطنات”.
وتابع للأناضول: “الجيش الإسرائيلي بدأ حصاره بقطع إمدادات الماء والغذاء عن محافظة الشمال، وكثف عمليات النسف والقصف والحرق وأخيرا حيّد الخدمات الطبية والصحية في محاولة لإفراغ الشمال من كل سكانه”.
وأشار إلى توقف مركبات الإسعاف عن انتشال المصابين والقتلى جراء الاستهدافات الإسرائيلية، لافتا إلى أن هذه المهمة باتت ملقاة على عاتق المواطنين.
وبين أن مناطق “بيت لاهيا ومخيم جباليا وتل الزعتر والعلمي في محافظة الشمال، ما زالت تكتظ بالمواطنين الذين هم بحاجة حقيقية إلى خدمات طبية وإسعافية على مدار الساعة”.
وطالب نصار “الصليب الأحمر ومؤسسات الإغاثة بالتدخل العاجل لوقف المذبحة التي يرتكبها الاحتلال بحق الأهالي في شمال القطاع”.
وختم حديثه بتأكيد أن “آلاف الفلسطينيين حتى اللحظة صامدون ويرفضون فكرة النزوح إلى أي مكان آخر غير منازلهم أو المناطق القريبة منها”.
** محاولة لإفراغ الشمال
من جهته، يقول الشاب عاهد المصري المحاصر في بلدة بيت لاهيا، إن “حياة الفلسطينيين هناك باتت مهددة بشكل كبير بسبب الإبادة الإسرائيلية، ما يفاقم خطر توقف عمل مركبات الإسعاف والمستشفيات”.
وفي حديث للأناضول، عد المصري توقف “الخدمات الطبية والإسعافية المشكلة الكبرى التي تواجه أهالي بيت لاهيا الذين يتحدون الجوع والعطش منذ اليوم الأول من الهجوم الإسرائيلي البري”.
وعن المساعي الإسرائيلية، قال المصري إن الجيش “يحاول من خلال جرائم الإبادة هذه إفراغ الشمال من سكانه وهو ما لا يقدر عليه وهو يعلم ذلك”.
وشدد خلال حديثه على أن “كثيرا من الفلسطينيين صامدون حتى النهاية”، لافتا إلى أنه من المستحيل “قبولهم فكرة النزوح وترك أرضهم والانتقال إلى مكان آخر”.
واستطرد الشاب الفلسطيني في حديثه عن النزوح مؤكدا أن “ما رفضناه بداية هذه الحرب لا يمكن أن نقبله اليوم”.
** استهدافات مباشرة
بدوره، قال متحدث جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في غزة محمود بصل، إنهم “توقفوا عن تقديم الخدمة بشكل كامل في شمال القطاع منذ مساء الأربعاء بعدما اعتقل الجيش الإسرائيلي 5 عناصر وأصاب 3 آخرين في حادثين منفصلين”.
وأضاف بصل للأناضول: “آنذاك أرسل الجيش الإسرائيلي طائرة مسيرة صوب مقر الإسعاف والدفاع المدني في مشروع بيت لاهيا وعبر مكبر صوت أنذر الطواقم بإخلاء المكان”.
وأوضح أن الجيش أنذرهم أيضا بعدم التحرك بالمركبات في شوارع المنطقة، مهددا إياهم بـ”الاستهداف في حال استخدامها”.
وتابع: “بعد دقائق (من الإنذار)، قصفت طائرة إسرائيلية طواقم الدفاع المدني فأصيب 3 عناصر، فيما تم لاحقا إحراق مركبة الإطفاء الوحيدة التي تعمل في شمال غزة”.
وحذر من كارثة في شمال غزة الذي يضم آلاف المواطنين وذلك مع توقف خدمة الدفاع المدني، لافتا إلى أن “أي فلسطيني يصاب برصاص إسرائيلي أو شظية ناجمة عن انفجار صاروخ سيبقى ينزف حتى الموت لعدم وجود أي جهة تنقذه”.
وأشار بصل إلى “وجود بعض من طواقم الدفاع المدني في محافظة الشمال لكن الاتصال بهم شبه معدوم بسبب قطع الاحتلال الإسرائيلي الاتصالات بالمنطقة منذ أسبوع”.
ودعا المتحدث الفلسطيني المجتمع الدولي إلى “تمكين طواقم الدفاع المدني والإسعاف والمستشفيات من العمل بشكل حر في شمال القطاع لحاجة المواطنين هناك للخدمات الصحية والطارئة”.
** وضع كارثي
منذ بدء هجومها البري المتزامن مع آخر جوي عنيف، استهدفت إسرائيل بالقصف وإطلاق النيران والحصار المستشفيات الثلاثة العاملة في محافظة الشمال، وهي “الإندونيسي وكمال عدوان (حكوميان) والعودة (أهلي)”، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدة أشخاص في أروقتها.
كما تعاني تلك المستشفيات نفاد “الأدوية والمستلزمات الطبية والوقود ما تسبب في توقف مولداتها الرئيسية البديلة للتيار الكهربائي عن العمل منذ عدة أيام”.
إلى جانب ذلك، فإن أفراد الطواقم الطبية يعيشون حالة من الخوف والرعب في ظل الاستهداف الإسرائيلي لأي حركة خارج مقرات ومباني المستشفيات.
وفي تصريح للأناضول قبل اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان واحتجازه، وصف مدير المستشفى حسام أبو صفية، الوضع في مستشفيات شمال القطاع الثلاثة بـ”الكارثي جداً”.
وقال أبو صفية: “الاحتلال الإسرائيلي أحكم حصاره على المستشفيات وأخرجها عن الخدمة دون الالتفات للقوانين والمواثيق الدولية التي تحمي تلك المنشآت”.
وحذر من خطورة الأوضاع في المستشفيات جراء نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية، مضيفا: “المستودعات فارغة ولا يوجد ما يمكن استعماله في إنقاذ المرضى”.
كما أشار أبو صفية إلى نفاد “مخزون المستشفيات من وحدات الدم المستخدمة لتعويض النزيف لدى الجرحى”.
وختم قائلا: “كثير من الطواقم الطبية والمسعفين تعرضوا للإصابة والاعتقال أو قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، وهذا ترك فراغا في الكوادر البشرية التي باتت بحاجة لتعويض فوري”.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الصحة بغزة أن الجيش الإسرائيلي اقتحم “كمال عدوان” واحتجز مئات المرضى والطواقم الطبية والنازحين داخله، فيما قالت منظمة الصحة العالمية إنها فقدت الاتصال مع المستشفى.
وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، شرع الجيش الإسرائيلي في قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في شمال القطاع، واجتاحها في اليوم التالي بذريعة “منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة”.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 حرب إبادة جماعية على غزة خلّفت أكثر من 143 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل تل أبيب هذه الإبادة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
كما تتحدى إسرائيل طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وحولت تل أبيب قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ تحاصره للعام الـ18، وأجبرت حرب “الإبادة الجماعية” نحو مليونين من مواطنيه البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات