غزة / نور أبو عيشة / الأناضول
تحافظ صناعات الألمنيوم في غزة على رونقها رغم الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تضرب مفاصل القطاع الحيوية، جرّاء استمرار الحصار الإسرائيلي لأكثر من 16 عاما على التوالي، وتداعيات الانقسام السياسي الداخلي.
وشهدت هذه الصناعة تطورا ملحوظا مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، لأهميتها البارزة في العملية الإنشائية والتصميمات العصرية الداخلية للمنازل، فضلا عن استخدامها في صناعة الأثاث.
كما يحتضن قطاع غزة عددا من ورشات العمل التي تُصنّع الطناجر المصنوعة من الألمنيوم والأدوات المطبخية، فضلا عن الأفران الكهربائية الصغيرة، التي يطلق عليها العامة اسم “طنجرة الكهرباء”.
وكغيرها من القطاعات الصناعية، تأثر قطاع الألمنيوم بالحصار الإسرائيلي، حيث يتم منع دخول الآلات والأجهزة الحديثة، كما تحظر دخول أنواع من المواد الخام اللازمة بحجة “الاستخدام المزدوج”.
ويصل الألمنيوم إلى قطاع غزة كمادة خام، حيث يتم تشكيلها وتحويلها إلى منتجات مختلفة عبر عدد من الشركات وورشات العمال.
كما ألقت حالة الفقر والبطالة في غزة بظلالها السلبية على هذا القطاع الصناعي، بحسب إفادة عدد من التجار.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن نحو مليون ونصف مليون فرد من سكان غزة، البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة الفقر بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع لأكثر من 16 عاما.
** الأفران البسيطة
في إحدى الورشات الواقعة غربي القطاع، يعمل مجموعة من العمّال على إنتاج هذه الأفران الكهربائية الصغيرة والبسيطة، التي تستخدم لصناعة الخبز المنزلي.
باستخدام آلة قديمة يعود عمر الواحدة منها لنحو 50 عاما، يُثبّت العامل صفيح الألمنيوم الخام ليبدأ بتشكيله كي ينتج في النهاية فرنا صغيرا.
يخرج في البداية هيكل هذه “الطنجرة” الدائري والمقعر، ليذهب مباشرة إلى قسم التلميع الذي يُضفي على هذا الوعاء نوعا من الجمال، لتُمرر بعد ذلك إلى قسم الكهربائيات حيث يتم وضع الإضافات اللازمة لتوصيل الحرارة والطاقة إليها.
ويقول ناصر الجمالي، مسؤول هذا المصنع الذي يعود لعائلة “عجّور” الفلسطينية، إن العائلة توارثت هذه المهنة من الأجداد وتعلّهما اليوم للأحفاد.
ويضيف الجمالي، في حديثه للأناضول، حافظت هذه الورشة على بقائها منذ أكثر من 50 عاما حيث تصنع المستلزمات المنزلية من أدوات المطبخ المصنوعة من الألمنيوم، خاصة “الطناجر الكهربائية”.
ويوضح أن لهذه “الطناجر” مكانة خاصة لدى الفلسطينيين، إذ يستخدمونها لصناعة الخبز كونها موفرة للكهرباء وسهلة الاستخدام.
ويذكر الجمالي، أن عدد الفلسطينيين الذين يعملون داخل هذه الورشة قليل، وذلك نظرا للأوضاع الاقتصادية العامة في القطاع.
ولفت إلى أن عدد العاملين بالورشة كان مرتفعا قبل الانتفاضة الأولى 1987، حيث كان يتم تصدير المنتجات للضفة وإسرائيل.
“لكن حاليا، بات الإقبال على شراء هذه المستلزمات ضعيفا نسبيا، لعدم توفر سيولة لدى المواطنين في ظل ارتفاع نسب الفقر والبطالة”، يقول الجمالي.
وتواجه هذه الورشة عدد من الصعوبات جرّاء القيود المفروضة، حيث تمنع إسرائيل دخول الآلات الحديثة اللازمة لهذه الصناعة، إضافة لتأخر وصول المواد الخام في أحيان كثيرة، بحسب الجمالي.
كما تُحمّل أزمة الكهرباء المستمرة أعباء مالية إضافية لهذه الورشة كونها تضطر لتشغيل الآلات لديها معتمدة على المولّدات الكهربائية التي تتطلب تكلفة أكبر من الطاقة الواصلة من الشركة.
** مطابخ وديكور
ورغم الأوضاع الاقتصادية السيئة بغزة، إلا أن هذا القطاع يحافظ على حيويته، حيث يستخدم الألمنيوم في الكثير من الصناعات، أبرزها نوافذ العمارات السكنية وواجهاتها، والمطابخ العصرية.
وتزداد نسبة الإقبال على هذا القطاع مقارنة بالمستلزمات المنزلية المصنوعة من الألمنيوم، في ظل ازدياد أعداد العمارات السكنية، التي بالعادة يُؤسسها مستثمرون يملكون رؤوس أموال.
ويبين التاجر سفيان النعسان، صاحب شركة للألمنيوم، صعوبة الأوضاع الاقتصادية في غزة، والتي أثرت بشكل ملحوظ على صناعة الألومنيوم.
وقال النعسان، للأناضول، إن الألمنيوم من أهم القطاعات الصناعية بغزة، لكنه تأثر كغيره من الصناعات بالوضع الاقتصادي المحلي، وبالارتفاع العالمي في أسعار البضائع.
وذكر أن سعر هذه المادة ارتفع بنسبة تراوح بين 20 و25 بالمئة، مقارنة بالسنوات الست الماضية، ما أدى إلى وجود تراجع نسبي في هذه الصناعة، والذي فاقمه جائحة كورونا.
وأوضح أن التجّار يواجهون صعوبات مختلفة، بدءا من وصول الألمنيوم للجانب الإسرائيلي قبل إدخاله للقطاع عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، بحيث يتم تمريره عبر عدة مخازن ما يتسبب بتلف بعضه، الأمر الذي يكبّدهم خسائر كبيرة.
إضافة إلى ذلك، فإن المنع الإسرائيلي لدخول أنواع من الآلات والأجهزة يعرقل عمل شركات الألمنيوم، حيث أشار النعسان، إلى أن عمر الآلات الموجود يراوح بين 25-30 عاما.
وعبّر عن آماله في إدخال تسهيلات لاستيراد الألمنيوم عبر معبر كرم أبو سالم (جنوب) وتطوير عمل الأيدي العاملة في هذا المجال لتواكب الحداثة والتطور.
وقال النعسان، إن “الثقافة التي لديهم قديمة وتقليدية ولا تواكب العصر الحديث بسبب الحصار”.
** إسرائيل تعرقل
من جانبه، قال رئيس اتحاد صناعات الألمنيوم في غزة أسامة النعسان، للأناضول، إن القطاع يضم نحو 480 شركة وورشة توفر فرص عمل لنحو 2500 فلسطيني.
ويدخل لقطاع غزة نحو 95 بالمئة من المواد الخام الخاصة بصناعات الألمنيوم، بحسب رئيس الاتحاد، فيما تمنع إسرائيل دخول 5 بالمئة منها بدعوى أنها مزدوجة الاستعمال (مدني وعسكري).
كما تحظر إسرائيل، وفق المصدر ذاته، دخول الآلات والأجهزة الحديثة التي تحتاجها ورشات الألمنيوم لتقديم منتج عالي الجودة للزبائن.
وأوضح رئيس الاتحاد، أن القيود الإسرائيلية أثّرت على عمل الألمنيوم، مطالبا المنظّمات المعنية بالضغط لإدخالها.
** انعدام ورشات الطلاء
وأشار النعسان إلى خلوّ قطاع غزة من الورشات الخاصة بطلاء الألمنيوم، الأمر الذي يكبّد التجّار أعباء مالية كبيرة.
ويضيف “في الضفة يوجد 25 مدهنة، لكن غزة تخلو منها، وبالتالي يضطر التاجر لشراء كميات مضاعفة جدا من الألمنيوم لتنوع ألوانها، لكن لو كان لدينا ورشات للطلاء لاستورد التاجر كميات قليلة وعمل على طلائها بألوان مختلفة في غزة”.
من جانب آخر، فإن صناعة الألومنيوم حافظت على أهميتها منذ عشرات السنوات، حيث شهدت تطورا وازديادا ملحوظا خلال السنوات العشر الأخيرة.
وخلال تلك الفترة، قال رئيس الاتحاد، إن كميات الألمنيوم الواردة إلى غزة تضاعفت في ظل دخول هذا النوع من المواد الخام في العملية الإنشائية وفي تصميمات المنازل العصرية الداخلية.
وأردف “الألمنيوم يدخل في كل الصناعات والمهن كالأبواب والنوافذ وحماية النوافذ والديكورات الداخلية للمباني، وبديل عن الحديد أحيانا، وفي صناعة الأثاث”.
** إقبال جيد
ويصف رئيس اتحاد صناعات الألمنيوم إقبال المواطنين على شركات وورش القطاع بالجيد، حيث باتت نسبة العمل داخل هذه الورش تصل لنحو 75 بالمئة.
وقبل نحو 3 شهور، حصل الاتحاد ولأول مرة منذ الحصار الإسرائيلي للقطاع، على موافقة لتصدير منتجات الألمنيوم إلى إسرائيل، فضلا عن تسويقها في الضفة الغربية على قاعدة التبادل التجاري، بحسب النعسان.
وتابع “تم التعاقد مع شركات في الجانب الإسرائيلي والضفة لتصدير منتجات الألمنيوم إليهم”.
** مركز تدريب
وفي إطار تطوير هذا القطاع، قال النعسان إن الاتحاد حصل على منحة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لافتتاح مركز تدريب وتطوير مهني لصناعات الألمنيوم.
وأضاف في هذا الإطار، أن المركز سيتم افتتاحه بعد نحو 40 يوما، بحيث من المقرر أن يُخرّج نحو 40 طالبا كل 9 شهور.
وأوضح أن هذا الجهد يأتي لتطوير هذه الصناعات، ولسد النقص في العمالة المتخصصة بالألمنيوم بعد أن خرجت أعداد منهم للعمل في الضفة وإسرائيل.
وأشار إلى أن خريجي هذا المركز سيحصلون فور تخرّجهم على فرص عمل داخل شركات وورش لصناعة الألمنيوم.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات