إسطنبول / رياض الخالق / الأناضول
خبيرة العمل والهجرة في معهد “تايهي” الصيني وانغ هوي، قالت للأناضول:
– النمو السكاني في الصين انخفض بالفعل منذ بداية السبعينيات، قبل عقد من تطبيق سياسة الطفل الواحد
– أسباب انخفاض معدل الخصوبة يشمل التقلص السريع في عدد النساء في سن الإنجاب والزواج المتأخر
– التراجع في معدل الخصوبة يشير إلى مستقبل مريع للنمو السكاني في الصين
– شيخوخة السكان ستؤدي إلى تقلص القوة العاملة في الصين
لم تعد الصين الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، فقد تخلت مؤخرا عن موقعها الذي احتلته لفترة طويلة الأمد لصالح الملياردير الآخر على كوكب الأرض من حيث التعداد السكاني، وهو الهند.
وبكل التقديرات، يواجه العملاقان مستقبلا متناقضا بشكل صارخ، حيث ستستمر أرقام سكان الهند في النمو لعقود، في حين بدأ التعداد الصيني في الانخفاض.
وتلعب العديد من العوامل، بما في ذلك معدل الخصوبة والتأثيرات الاقتصادية، دورا مهما في قصة سكان الصين، وفق ما ذكرته وانغ هوي، خبيرة العمل والهجرة في معهد “تايهي” للأبحاث الاقتصادية بالعاصمة بكين، حيث سجل عدد سكان البلاد العام الماضي لأول مرة انخفاضا منذ عقود، بينما وصل معدل الخصوبة فيه إلى مستوى تاريخي منخفض بلغ 1.2 طفل لكل امرأة.
ومع ذلك، قالت وانغ في تصريحات خاصة للأناضول، إن النمو السكاني في الصين انخفض “بالفعل” منذ بداية السبعينيات، قبل عقد من تطبيق سياسة الطفل الواحد في البلاد.
وفي محاولة منها لفك شيفرة التحول الديموغرافي في الصين، قالت الخبيرة الاقتصادية إن “أسباب انخفاض معدل الخصوبة يشمل عدة عوامل، منها التقلص السريع في عدد النساء بسن الإنجاب (بين 15-49) الذي يتناقص بنحو 5 ملايين كل عام، والزواج المتأخر، والأمهات الأكبر سنا، وعدد أقل من المتزوجين”.
وفي عام 2015، غيرت الصين مسارها في سياسة الطفل الواحد، لتدخل الحكومة سياسة 3 أطفال لكل أسرة، بعد ثلاثة عقود من تطبيق قانون الطفل الواحد خلال الثمانينيات من القرن الماضي للسيطرة على التزايد السكاني، خاصة بين الشباب.
وأشارت وانغ إلى أن “الحكومة الصينية شككت آنذاك في قدرتها على توفير ما يكفي من الغذاء والمسكن والتعليم لهم ولأطفالهم”.
وأردفت وانغ، وهي باحثة منتسبة في جامعة كامبريدج (جامعة بحثية حكومية تقع في مدينة كامبريدج بإنجلترا)، أن “صانعي السياسة الصينيين قدموا حينها تدابير لتحسين مستوى معيشة السكان وإدارة توزيع الموارد في البلاد”.
وفي حين “أثرت تلك السياسة بالفعل على النمو السكاني طويل الأمد، إلا أن معدل الخصوبة المنخفض الحالي البالغ 1.2 ولادة لكل امرأة، والانخفاض الأخير في التعداد السكاني لا يعود بالكامل إلى سياسة الطفل الواحد”، وفق الخبيرة.
وأوضحت وانغ أن “بيانات حكومية تظهر انخفاضا من 6.1 طفل لكل امرأة إلى 2.7 في الصين بين عامي 1970 و1980”.
وقالت: “ظهر تأثير سياسة الطفل الواحد في التسعينيات، أي بعد 10 سنوات من تطبيق السياسة السكانية”.
وأضافت أن “معدل الخصوبة كان حوالي 2.5 بين عامي 1980 و1990، إلا أنه انخفض بشكل ملحوظ إلى 1.6 في عام 2000 من 2.5 في عام 1990”.
** مستقبل مؤلم
وتعليقا على التغييرات السياسية التي تم إدخالها منذ عام 2016 في الصين، قالت وانغ إن تلك التغييرات “لم تنجح في عكس اتجاه انخفاض الخصوبة. وبدلا من ذلك، شهدت الصين مزيدا من التراجع إلى المستوى الحالي البالغ 1.2 من 1.8 في عام 2016”.
وحذرت الخبيرة الصينية من أن هذا التراجع يشير إلى “مستقبل مريع في النمو السكاني في الصين”.
وفي حين أن سياسة الطفل الواحد “نجحت في منع زيادة عدد السكان، إلا أن صانعي السياسة رأوا “التوزيع السكاني على أنه مجرد رقم أولي يشكل تهديدا لحوكمة عدد متزايد من السكان، وليس كجزء لا يتجزأ من ظاهرة اجتماعية مترابطة بقوة مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية “، حسب وانغ.
وتابعت قائلة: “عند تنفيذ سياسة الطفل الواحد، تم التغاضي عن العائد الديموغرافي الذي سينتج عن النمو السكاني”.
ونوّهت إلى أن “السياسة السكانية ساهمت بشكل كبير في النمو الاقتصادي في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والازدهار في الناتج المحلي الإجمالي”.
** آثار سلبية
وفي معرض وصفها آثار سياسة الطفل الواحد السلبية على البلاد، قالت وانغ: “ألقت السيطرة على النمو السكاني بظلالها على سوق العمل وأثرت عليه سلباً من خلال تقليص قوة العمل”.
وأضافت أن “انخفاض الخصوبة أدى أيضًا إلى تفاقم مشكلة الشيخوخة بسبب تحسن الصحة العامة، ما أدى إلى إطالة العمر المتوقع وانخفاض معدلات الوفيات”.
ووفقا لوانغ، فإن ذلك “شكل ضغطا على نظام المعاشات التقاعدية كما تسبب في مشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى”.
وخلصت الخبيرة الاقتصادية إلى أن “ما سبق ذكره، إلى جانب انخفاض معدل الخصوبة، كلها عوامل تفسيرية لشيخوخة المجتمع الصيني”.
وشددت على أن “إنجاب الأطفال لم يعد إرادة قوية للمرأة الصينية في سن الإنجاب”.
وسلطت وانغ الضوء على بعض المشاكل الاجتماعية الشائعة بالمجتمع الصيني اليوم، منها “تأخر سن الزواج وكبر سن الأمهات اللواتي ينجبن لأول مرة وانخفاض أعداد المتزوجين”.
وتُظهر البيانات التي عرضتها وانغ أن 18.7 بالمئة من سكان الصين هم فوق سن الستين، ما يشير إلى أن البلاد “تدخل بسرعة في مجتمع كبار السن”.
ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، من المتوقع أن تصل نسبة السكان الصينيين فوق عمر 60 سنة إلى 40 بالمئة بحلول عام 2050.
** تقلص قوة العمل
ورداً على سؤال عما إذا كانت شيخوخة السكان ستؤدي إلى تقلص القوة العاملة في الصين، قالت وانغ: “بالتأكيد”.
وأضافت أن “ذلك سيؤدي إلى خفض الاستهلاك وزيادة العبء المالي والرعاية الصحية”.
ولدى الصين حاليا نحو 880 مليون عامل، كأعلى عدد للعاملين في بلد واحد حول العالم.
واعتبرت الخبيرة الصينية أن “القلق الحقيقي يكمن في الاتجاه التنازلي المستمر في حجم السكان في سن العمل، وكذلك نسبة السكان المشاركين في سوق العمل”.
واستطردت أن “القوة العاملة الصينية لا تزال تنافسية للغاية، ومجهزة بالتعليم والمهارات”.
وأضافت أن “الاتجاهات الحالية تظهر أن قطاع التصنيع في الصين لا يزال يجتذب قوة عاملة كبيرة تتمتع بالمهارات اللازمة”.
كما نوّهت الخبيرة الصينية إلى أن “القطاعات كثيفة المعرفة، مثل التمويل والتكنولوجيا، تشهد تزايدا تدريجيا في عدد العمالة الحاصلة على تعليم عالٍ”.
ومع ذلك، وفقا لوانغ، فإن “التغييرات في تفضيل الصناعات المختلفة بين الأجيال الشابة ستلعب بالتأكيد دورا رئيسيا في التوزيع المستقبلي للعمالة عبر القطاعات المختلفة”.
وأشارت إلى أن “الشباب أصبح أقل استعدادا لتولي وظائف في القطاعات التقليدية مثل التصنيع والزراعة، وبدلاً من ذلك يفضلون قطاع الخدمات، وهو مريح أكثر مقارنة بالعمل في الصناعات الأولية والثانوية”
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات