شمال غزة / محمد أبو دون / الأناضول
** شهود عيان للأناضول:
– الجيش الإسرائيلي اقتحم مراكز إيواء في محيط المستشفى “الإندونيسي” في بيت لاهيا شمال غزة وأجبرنا على الإخلاء
– الجيش حدد طريقا زعم أنه “آمن” لمغادرة الشمال والوصول إلى المناطق الجنوبية لكن النازحين توجهوا إلى مدينة غزة
– الجيش أخضع الأطفال والنساء لفحص أمني تحت الترهيب واعتقل عددا من الرجال وألقى بهم في حفرة وأطلق النار عشوائيا داخلها
قسرا ومع تواصل سياسة الإبادة والتجويع لليوم الـ15 على التوالي، أجبر الجيش الإسرائيلي مئات الفلسطينيين على إخلاء مراكز الإيواء التي لجأوا إليها هربا من جحيم غاراته في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، وأنذرهم لمغادرة المحافظة.
هذه المراكز الواقعة قرب المستشفى “الإندونيسي” (حكومي)، تعرضت لاقتحام من الجيش الإسرائيلي صباح السبت، تخلله اعتقال عشرات الفلسطينيين من الشبان والرجال النازحين داخلها.
وحدد الجيش الإسرائيلي طريق شارع “صلاح الدين” الواقع في المنطقة الشرقية للقطاع، زاعما أنه “آمن” حيث أمر النازحين بالمرور عبره وصولا إلى المناطق الجنوبية من القطاع.
وسبق لحركة حماس القول إن الجيش الإسرائيلي يواصل سياسة “التضليل الإعلامي” بشأن وجود ممرات آمنة يطالب الفلسطينيين شمال قطاع غزة بالنزوح عبرها إلى الجنوب، حيث يتعرضون خلالها لأنواع مختلفة من الاستهداف بالقصف والقنص والاعتقال.
وقبل السماح لهم بالإخلاء، أخضع الجيش الإسرائيلي الأطفال والنساء لفحص أمني ما تسبب بحالة من الخوف والذعر بينهم.
ورفض هؤلاء الفلسطينيون النزوح إلى جنوب قطاع غزة وفق ما أمرهم به الجيش الإسرائيلي، فتوجهوا إلى مدينة غزة لإفشال أي مخطط إسرائيلي يرمي لتهجيرهم.
يقول أهالي شمال القطاع إن الخروج من مدينة غزة نحو الجنوب يعني عدم العودة مطلقا إلى الشمال حتى إشعار آخر كما حدث مع النازحين في المناطق الجنوبية الذين يتوقون للعودة بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الإسرائيلية.
إلى جانب ذلك، يواصل الجيش الإسرائيلي إبادته الجماعية في المحافظة الشمالية عبر شن هجمات جوية استهدفت صباح السبت المستشفيات المتبقية الثلاثة من بينها “الإندونيسي” الذي يضم أيضا عشرات النازحين والمرضى بداخله وفرض عليه حصارا مشددا فيما استهدف مولده الرئيسي مسببا انقطاع التيار الكهربائي عن الأجهزة الطبية.
** نزوح تحت القصف
تحت وطأة القصف والاستهداف الإسرائيلي، نزح مئات الفلسطينيين من مراكز الإيواء وصولا إلى مدينة غزة قاطعين مسافة 8 كيلومترات سيرا على الأقدام.
هؤلاء النازحون، الذين يعانون من جوع وعطش جراء الحصار الإسرائيلي المستمر لليوم الـ15، ظهرت عليهم علامات التعب والإرهاق والخوف بعد وصولهم مدينة غزة.
ولاحظ مراسل الأناضول وصول النازحين دون أمتعتهم ومقتنياتهم الأساسية، وحينما سأل بعضهم عن السبب أجابوا بأن “الجيش الإسرائيلي منعنا من حمل أي مقتنيات وقت خروجنا من مراكز الإيواء”.
وليلة السبت، بدأ الجيش الإسرائيلي توغلا جديدا ضمن هجومه البري المتواصل على محافظة شمال قطاع غزة، والذي شرع في توسعة نطاقه الجمعة، بعد أن دفع بلواء “غفعاتي” لتعزيز قواته هناك.
وخلال هذا التوغل، تقدمت آليات إسرائيلية وصولا إلى المستشفى “الإندونيسي” ومراكز الإيواء الواقعة شمال مخيم جباليا، حيث يعيش آلاف النازحين من أبناء شمال القطاع الذين دمر جيش الاحتلال منازلهم.
ومنذ 15 يوما، يواصل الجيش الإسرائيلي حرب الإبادة والتجويع شمال قطاع غزة، خاصة في بلدة جباليا ومخيمها، حيث يفرض حصارا خانقا وتجويعا، تحت قصف دموي مستمر ونسف بيوت فوق رؤوس ساكنيها.
وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
** مشهد مرعب
تقول الفلسطينية وفاء الكفارنة، التي نزحت من مدرسة إيواء قرب المستشفى الإندونيسي، إن الليلة الماضية كانت مرعبة لتواصل سماع أصوات أزيز الرصاص والقذائف في الهواء، وانفجاراتها في المناطق المحيطة.
وأضافت في حديثها للأناضول، أن “الجيش الإسرائيلي مع بزوغ صباح السبت شرع في إخلاء كافة المدارس بالمناطق المحيطة”.
وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي عامل النساء بطريقة سيئة بينما سار النازحون تحت الرصاص والقذائف في الطريق التي حددها لهم.
وتابعت الفلسطينية الكفارنة أن إطلاق الجيش الإسرائيلي للنار عمّ كافة الأنحاء.
من جانبها، قالت الفلسطينية أم محمد المصري النازحة من الشمال، إنها فوجئت بمشهد الآليات الإسرائيلية العسكرية المحاصرة لمراكز الإيواء في المنطقة.
وأضافت للأناضول: “ربما 50-60 دبابة في مكان واحد، مشهد لم أره في حياتي أبدا، إضافة لعدد كبير من الجنود الإسرائيليين”.
وأشارت إلى أنهم واصلوا مسير النزوح مسافة طويلة جدا سيرا على الأقدام بلا طعام ولا مياه حتى فقدوا القدرة على المشي.
** اعتقال وتنكيل
الشابة الفلسطينية إيمان وادي وصلت إلى مدينة غزة برفقة والدتها وطفلها وشقيقاتها الثلاث.
وقالت للأناضول، والدموع تنهمر من عينيها: “الجنود الإسرائيليون اقتحموا مركز الإيواء الذي كنا نقيم به في محيط المستشفى الإندونيسي مع بزوغ صباح السبت”.
وأضافت: “كنا نقيم في مدرسة حلب التابعة لوكالة أونروا الأممية، والتي اعتقدنا أنها مكان آمن، لكن الجيش الإسرائيلي بات ينتهك كل الحرمات والمناطق الآمنة دون رادع له”.
وفي وصفها للمشهد، قالت الشابة الفلسطينية إن “الجيش بعد اقتحامه المفاجئ للمدرسة نادى الرجال والفتية فوق سن 16 عاما للخروج من الغرف الخيام والتوجه للساحة”.
وأشارت إلى أن “الجيش الإسرائيلي جمعنا في الساحة تحت تهديد السلاح وشرع في ضربنا والتنكيل بنا وشتمنا بألفاظ نابية”.
ومن ثم “تم اقتياد تلك المجموعة من الفلسطينيين، وبينهم أطفال (تحت 18 عاما) إلى مكان مجهول دون معرفة مصيرهم”، وفق وادي.
وأكملت الشابة الفلسطينية أن والدها وشقيقها وزوجها كانوا من بين المعتقلين أيضا.
** ترهيب الأطفال والنساء
تحت تهديد السلاح، أمر الجيش الإسرائيلي الأطفال والنساء بالخروج من الغرف والاصطفاف في طابور طويل، كما قالت وادي.
وأوضحت أن جنودا إسرائيليين أخضعوهم لفحص أمني عبر “جهاز ليزر”، ومن ثم طلب منهن الخروج من المدرسة والتوجه نحو شارع “صلاح الدين” إلى جنوب القطاع.
وأشارت الشابة الفلسطينية إلى أن الجنود أثاروا حالة من الرعب بين الأطفال والنساء وأطلقوا تهديدات بضربهم.
وفي حديثها عن ذلك، قالت وادي: “حاولت والدتي سؤال أحد الجنود عن مصير الرجال المعتقلين فهددها بالضرب إذا لم تصمت”.
وتوجهت الشابة وعائلتها إلى مدينة غزة بدلا من النزوح جنوبا، وأكملت قائلة: “فكرة النزوح إلى الجنوب والتهجير مرفوضة قطعا لدينا. سنبقى هنا حتى نعود لأماكننا في أقرب فرصة”.
** ضرب مبرح
الشاب الفلسطيني محمد عبد الهاي نجا من الاعتقال الإسرائيلي بأعجوبة ووصل إلى مدينة غزة مع النازحين.
ويقول للأناضول: “جمعنا جنود الاحتلال في ساحة المدرسة واقتادونا إلى خارجها في أحد المباني وقاموا بعصب أعيننا”.
وأوضح أن ضباطا إسرائيليين حققوا معهم، ومن ثم تم عرضهم على أجهزة فحص أمني إلكترونية، لافتا إلى أن الجيش أطلق سراح عدد من المعتقلين بينما أبقى على اعتقال آخرين بعد الفحص.
وخلال الاعتقال والتحقيق، تعمد الجنود الإسرائيليون ضرب الشبان وشتمهم والاستهزاء بهم، وفق عبد الهادي.
وعن أعداد المعتقلين، قال عبد الهادي إنه يقدر بعشرات الفلسطينيين، لافتا إلى أن مصيرهم لا يزال مجهولا.
وحسب شهادته، فإن أحد المعتقلين تعرض لضرب مبرح بقطع السلاح ما تسبب بإفقاده الوعي عقب تحدثه لأحد الجنود الإسرائيليين سائلا إياه عن مصيره.
** حفريات في مقبرة
النازحة من المنطقة نفسها، شيماء التلي تروي للأناضول شهادتها قائلة: “كان جنود الاحتلال يدفعون برجال فلسطينيين إلى حفرة كبيرة جانب مراكز الإيواء، ويتم إطلاق النار عشوائيا داخل الحفرة”.
ولم تجزم التلي بما إذا “كانت تلك العملية هي إعدامات ميدانية للشبان أم لإرهابهم وتخويفهم”.
وتقول إن “الجنود الإسرائيليين طلبوا من النساء عدم التلفت يمينا أو يسارا خلال طريقهم للنزوح”.
وتتابع: “شاهدت أعمال حفريات في مقبرة حديثة قرب المستشفى الإندونيسي من قبل جرافات إسرائيلية”.
وعن عدد الآليات العسكرية الإسرائيلية التي شاهدتها بالمنطقة، تشير التلي إلى أنها كانت “بالعشرات وبأنواع وأشكال مختلفة”.
وخلفت الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي أكثر من 142 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات