غزة/ الأناضول
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.. هذه العبارة الخالدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش لم تعد مجرد شطر من قصيدة بل أصبحت عنواناً لمخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين بمحافظة شمال قطاع غزة.
فرغم كل ما يواجهه الشمال، ومخيم جباليا بالخصوص، منذ بداية الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة من دمار وإبادة إلا أن سكانه مازالوا يرفعون هذه العبارة فوق ركام بيوتهم المدمرة رافضين الانصياع للمخططات الإسرائيلية التي تجبرهم على النزوح للجنوب.
وفي أحد أزقة المخيم الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية الجمعة، مخلفة دماراً هائلاً للمنازل والبنى التحتية وأعدادا كبيرة من جثامين القتلى تحت الأنقاض وفي الطرقات، كتب أحد الفلسطينيين بلون الدم على ركام منزل مدمر “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” ورفع فوقها علم فلسطين.
** العودة على الركام
المعنى الحقيقي لهذا الشطر من قصيدة درويش ظهر بوضوح حتى قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي من مخيم جباليا.
فسكان المخيم الذين نزحوا إلى مناطق غربي مدينة غزة كانوا ينتظرون العودة حتى لو إلى ركام منازلهم وهذا ما كانوا يرددونه في أحاديثهم كل وقت وعلى صفحات منصات التواصل الاجتماعي.
وكتب حول ذلك الصحفي الفلسطيني محمد قمر في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس” قائلا: “بكرة بنروح (غدا نعود). منذ اجتياح مخيم جباليا قبل 20 يوما والنازحون غرب مدينة غزة ينتظرون العودة حتى ولو على ركام منازلهم”.
ويضيف قمر: “النازحون يملؤون الطرقات وتتركز أسئلتهم لبعضهم وقتيش (متى) حينسحبوا؟ والإجابة واحدة منذ نزوحهم ويحدوهم بها الأمل: بكرة بنروح إن شاء الله”.
“الحنين للمخيم لا يعرفه إلا من عاش فيه وكأن جدرانه وأزقته تبكي حتى يعود أهله ويحتضنوها من جديد”، يكمل الصحفي قمر تغريدته التي تروي حكاية ما يدور في خلد سكان مخيم جباليا.
وبالفعل فور انسحاب القوات الإسرائيلية من المخيم وحتى قبل أن تعلن عن ذلك بشكل نهائي بدأ سكان المخيم بالعودة منذ الساعات الأولى فجر الجمعة، رغم المخاطر الكبيرة التي واجهتهم ومنها إطلاق النار عليهم من الطائرات المسيرة الإسرائيلية.
سكان المخيم عادوا ولم يعرفوا مخيمهم فالدمار في كل زقاق وشارع ولا يوجد منزل بالمخيم إلا تعرض لدمار جزئي أو كلي أو حرق أو أصيب بقذائف دبابات.
فكل المعالم تغيرت وحتى سوقه الذي اشتهر في الأشهر الأخيرة بكونه أيقونة للحياة في شمالي قطاع غزة لم يعد إلا ركاما وحجارة تتناثر بينها جثامين القتلى.
لكن هذا لم يدفع أهالي مخيم جباليا ومحيطه للمغادرة فظهر أحدهم وكتب تلك العبارة الشهيرة “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” وبدأ عشرات الآلاف من سكان المخيم بالعمل لإعادة الحياة إليه.
فمن بقي منزله قائما سكن فيه ودعا أقاربه وجيرانه لمشاركته كل مساحة فارغة في البيت، وآخرون بدأوا باستصلاح ولو حتى غرفة واحدة من منازلهم المدمرة جزئيا.
وفريق ثالث لجأ إلى نصب خيام على أنقاض منازلهم المدمرة فمن وجهة نظرهم لا يوجد حياة إلا هنا ويرددون دائما “لا نريد أن نكون ضيوفا ثقيلين على أحد سنسكن منازلنا ولو على أنقاضها”.
** التمسك بالأرض
هذا التمسك بالمخيم والحياة فيه كان ظاهرا منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على القطاع فعندما طلب الجيش الإسرائيلي من سكان مناطق شمالي قطاع غزة مغادرتها والتوجه إلى جنوبي وادي غزة منذ 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم يستجب سكان المخيم إلا أعداد محدودة.
ومن أصل 114 ألف نسمة عدد سكان مخيم جباليا، وفق بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بقي أكثر من 90 ألف نسمة فيه ولم ينزحوا إلى جنوبي القطاع.
ومع الدمار الهائل الذي شهدته مناطق أخرى في بلدات بيت لاهيا وبيت حانون بمحافظة الشمال في بداية الحرب نزح جزء كبير من سكان البلدتين إلى مخيم جباليا ليتضاعف عدد سكانه والمناطق المحيطة به في بلدة جباليا إلى ما يزيد عن الـ200 ألف نسمة، حسب تقديرات محلية.
ومن أصل 1.2 مليون نسمة كانوا يقطنون محافظتي غزة والشمال يوجد حاليا أكثر من 700 ألف نسمة يقطنون بالمحافظتين، وفق بيانات رسمية فلسطينية.
ويقول الفلسطينيون في شمالي القطاع إنهم يلا يملكون خيارات أخرى غير البقاء ولا يريدون البحث عن أي خيارات فمنازلهم وأحياؤهم هي الحياة بالنسبة لهم ولا يمكن أن يتركوها لتحتلها إسرائيل.
** مقاومة وعقلية شرسة
وإضافة إلى كونه تحول إلى أيقونة للحياة في شمالي غزة فإن مخيم جباليا ومخيطه كان كذلك عنواناً لمعارك شرسة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية خلال العملية العسكرية الأخيرة وفي بداية الحرب وحتى في اجتياحات إسرائيلية سابقة للمخيم خلال سنوات سابقة إبان الانتفاضتين الأولى (1987) والثانية (2000).
وهذه المقاومة الشرسة في شمالي القطاع والتي مازالت متواصلة رغم أشهر الحرب الطويلة، كان من ضمن عوامل صمودها وعي سكان الشمال بمخططات تهجيرهم إلى الجنوب.
وذلك كون محافظة الشمال تمتلك مناطق حدودية مع إسرائيل من الجهة الشرقية والشمالية إضافة لكونها قريبة من مواقع عسكرية إسرائيلية مهمة وحساسة مثل “إيرز” (شرق) و”زكيم” (غرب).
فعقلية سكان المنطقة المتمسكة بأرضهم تمنعهم، وفق مراقبين، من التفكير بأي خيارات أخرى سوى البقاء على أرضهم.
وإلى جانب ذلك، واجه الجيش الإسرائيلي صعوبة في العمل بمناطق مخيم جباليا الضيقة حتى بعد الدمار الهائل الذي ألحقه به.
وفي بيانات متعددة، أكدت فصائل فلسطينية، أن مخيم جباليا شهد معارك شرسة مع الجيش الإسرائيلي استهدفت قواته المتوغلة بعبوات ناسفة وكمائن وعمليات قنص.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي في عدة بيانات سقوط عديد من القتلى والجرحى في صفوفه خلال حملته الأخيرة بالمخيم.
وفي تطور لافت، أعلن أبو عبيدة، متحدث “كتائب القسام” في 26 مايو/ أيار الماضي عن تمكنهم من “أسر جنود إسرائيليين جدد خلال عملية شمال القطاع لأول مرة منذ 7 أكتوبر”.
لكن متحدث الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، نفى وقوع أي عملية أسر لجنود الجيش في غزة، رغم مشاركة “القسام” فيديو قالت يظهر عملية الأسر.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي مطلق، خلفت أكثر من 118 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرارا أمميا يطالبها بوقفها فورا، وأوامر من محكمة العدل لاتخاذ تدابير لمنع وقوع “إبادة جماعية” و”تحسين الوضع الإنساني”، وتتجاهل اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المصدر: وكالات