قال ياسين عدنان إنّ “سِرْ سِرْ سِرْ ليست مجرّد شعار يُردّد في مدرّجات الملاعب نتسلّى به ونحن في غمرة التشجيع لننساه بعدها، بل هي دعوة جماعية يجب أن نذكر أنفسنا بها باستمرار. “سِرِ سِرْ” تميمةٌ يجب أن نستبطنها ونستوعبها ويجب أن تستمرّ فينا. إنها دعوة ليُنجز كلُّ واحد منا المهام المنوطة به. وبالتالي، “سِرْ سِرْ” تُقال للحكومة التي ينتظر منها المغاربة أن تشتغل بجدية أكبر على أوراشها وتُنجز برامجها ومخططاتها، وتقال للبرلمان لكي يقوم بأدواره التشريعية والرقابية والتمثيلية التي انتُخِب من أجلها، وتقال لمختلف مؤسسات الدولة وأطرها ليتفانى كلُّ في عمله وينجز مهمته على أكمل وجه”.
ياسين عدنان الذي كان يتحدَّث في لقاء ثقافي جمعه بتلاميذ مدرسة “فونتي” بأكادير، أضاف في السياق نفسه “وما دمنا في مدرسةٍ الآن وأنتم تلاميذ فالخطاب مُوجّه إليكم أيضا “سِرْ سِرْ تقرا”، أي أنك مطالب بالاجتهاد أكثر، وبالتفاني في عملك. فأنت أيضا من موقعك كتلميذ مطالب بالاشتغال أكثر. لهذا “سرْ سرْ” موجهة إليك أنت أيضًا”.
واستطرد صاحب “مشارف” و”بيت ياسين” قائلا: “الآن “سر سر”، التي ارتضاها المغاربة شعارًا مركزيا لهم خلال المونديال الحالي، لا يجب أن نختزلها فنتصوّر أنها مجرد دعوة بسيطة للركض وراء الكرة، وإنما هي أساسا دعوة للتقدم نحو فكرة جامعة أو طموح مُوحِّد يلتفُّ حوله المغاربة بإخلاص ويعملون من أجله بتفانٍ ونُكران للذات. فعندما تجتمع الكفاءة مع الإرادة والإخلاص في العمل يمكن لأي مغربي أن يحقّق المستحيل في مجاله. لهذا علينا أن نستخلص الدروس من نجاح الأطر التقنية والإدارية للمنتخب المغربي، وعلى رأسهم وليد الركراكي طبعا، في تحفيز اللاعبين واستنهاض هممهم، ونستفيد منها في مجالات أخرى تتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية”. وأردف أن “النجاح المغربي في المونديال فرصتُنا لنفهم أن التوظيف الجيد للكفاءات، كفاءات الداخل أو الخارج على حد سواء، والحكامة الجيدة وترشيد النفقات وغيرها هي سبيل لتحقيق هذا المستحيل”.
سياق هذا الكلام هو تفاعُل ياسين عدنان مع التلاميذ في لقاء نُظِّم ضمن فعاليات ملتقى أكادير للرواية، الذي يكرّم في دورته السابعة الأديب الليبي الكبير إبراهيم الكوني. هذا وقد عاد ياسين عدنان إلى الاستعارة الكروية في سياق جواب آخر عن سؤال لإحدى التلميذات حول ما يميِّز الرواية المغربية عن نظيرتها العالمية وعما إذا كان بإمكان الأدب المغربي أن يرقى إلى العالمية ذات يوم، حيث أجاب صاحب “هوت ماروك” أن الرواية لها عموما نفس القواعد في كل اللغات وكل الجغرافيات الأدبية. إذ لا بدَّ للرواية مثلا من زمان ومكان وشخصيات وأحداث وعقدة وحبكة، سواء كُتِبت في المغرب أو في أي بلد آخر، إلا أن الاختلاف في تلك البهارات التي يضيفها الكاتب إلى ما يكتبه”.
وتابع “كل المنتخبات تبني فُرُقها بنفس الطريقة، هناك حارس مرمى وخط دفاع يُؤمِّن له الحماية، وخط وسط، أجنحة وقلب هجوم. لكن الفرق في التكتيكات وفي الأسلوب. هكذا مثلا يتميز لاعبو منتخب السامبا البرازيليون عن الآلة الألمانية مثلا، ويختلف الإسبان عن الكرواتيين في طريقة الأداء. والإطار التقني الوطني لمنتخبنا المغربي استطاع أن يبتكر أسلوبا خاصا بنا ويستثمر بشكل جيد إمكانياتنا ونقاط قوتنا، لهذا تميزت شخصية منتخبنا في المونديال الحالي”. وانتقل ياسين عدنان إلى ملعب الأدب ليوضح للتلاميذ أن “الرواية المغربية كذلك تشتغل بنفس أدوات الكتابة الروائية وقواعدها، لكن الفرق فقط في الأسلوب وبعض البهارات الخاصة. ثم إن الفرق أيضًا في الفرص، فإذا كان ممكنا بالنسبة للاعب محلي مثل عطية الله أن يجد فرصته في المونديال ويُقنِع هو القادم من البطولة المحلية بموهبته وقدرته على اللعب أمام أعتد المهاجمين، فلدينا أيضا روائيون مغاربة متميزون ربما يحتاجون فقط أن يُسلَّط الضوء على أعمالهم لتحظى بفُرَص الترجمة فتصير لها السمعة العالمية التي تستحقها”.
التنمّر وازدواجية الشخصية بين الفضاء الواقعي والافتراضي والحسابات المزيفة في وسائط التواصل الاجتماعي.. كلها مواضيع أثارها ياسين عدنان في نقاشه مع تلاميذ “فونتي” في إطار الحديث عن رواية “هوت ماروك”، التي صدرت مؤخرا طبعتها المغربية الرابعة عن دار “الفنك”، إضافة إلى طبعاتها العربية الصادرة عن دار “العين” بالقاهرة، كما تُرجمت الرواية إلى الفرنسية والإنجليزية. وقد كان هذا اللقاء فرصة ليوقع ياسين عدنان للتلاميذ نسخا من روايته بثلاث لغات حسب رغبة التلميذ. “إنّ أكبر جائزة نالتها هذه الرواية هي تفاعل القرّاء واحتفاؤهم بها، ولعل اهتمامكم بها في هذا اللقاء وأسئلتكم حولها خير دليل”، يضيف ياسين عدنان.
وبخصوص الحاجة إلى فن الرواية، أكد ياسين عدنان أن “الروائي يلتقط الإشارات التي لا ينتبه إليها الناس بالضرورة ليقدّمها للقرّاء. هناك سلوكات نقوم بها ولا ننتبه إلى خطورتها أو مدى سوئها، لكن عندما نشاهدها في فيلم أو نطالعها في رواية ندرك خطورتها وقد نقلع عنها. فالأدب في الحقيقة ينجح دائما في أن يُرينا وجوهنا في المرآة”.
أسئلة التلاميذ المفتوحة قادت ياسين عدنان إلى الحديث عن تجربته في التدريس عندما كان أستاذا لمادة اللغة الإنجليزية، إذ أوصى التلاميذ بالقراءة، ذلك أن اكتساب اللغات عموما يأتي بالمطالعة بالدرجة الأولى.
وعن حضور مراكش وأثرها في الرواية وفي أعمال الكاتب عموما، قال ياسين عدنان إنّ “مراكش مدينة كتابة وإبداع، وقد كتب عنها الكثير من الكتّاب. لكن هذه الرواية لا تركّز على مراكش العتيقة التي بناها يوسف بن تاشفين، بل مراكش الفسيحة الشاسعة تلك التي بنتها مجموعة “العُمران” وما زالت تنمو عماراتها في كل اتجاه. إنها مراكش أخرى واسعة متعددة تحتاج إلى معمار روائي مُركّب للإحاطة بها”.
المصدر: وكالات