في دورتها السابعة عشرة، توجّت “الجائزة العالمية للرواية العربية” رواية الأديب الفلسطيني الأسير في السجون الإسرائيلية باسم خندقجي “قناع بلون السماء”، ودافعت لجنة تحكيمها عن أنه رغم تضامنها مع فلسطين إلا أن اختيار هذا العمل الأدبي أملته معايير أدبية محضة.
هذه الجائزة المعروفة جماهيريا بعنوان غير رسمي هو “البوكر العربية” استطاعت في أقل من عشرين سنة أن تتبوّأ مرتبة الجائزة الأبرز المتوّجة للرواية العربية من مختلف دول المنطقة، وتواكب محطّاتها الثلاث: قائمة طويلة، وقصيرة، واختيارا للعمل الأدبي، قراءات جماعية في نواد للقراءة، وفردية، وإقبال على العناوين المنتخبة، وأوراق صحافية ونقدية، ثم ترجمات لعدد من العناوين المقترحة على القراء.
حضرت جريدة هسبريس حفل تتويج الرواية الفائزة سنة 2024 المنظّم بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، وسألت ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية، حول استقلالية لجنة التحكيم، وأثر الجائزة في الذائقة الأدبية العربية، ودور الأدب في زمن راهن مركّب لا يخلو من مآس وآلام.
– بعد 17 سنة من التأسيس، كيف تحقّق للجائزة العالمية للرواية العربية هذا الصيت الواسع في مختلف الأقطار المتحدثة والقارئة بالعربية، حتى صارت أبرز الجوائز المتوجة لرواياتها؟.
أعتقد أن العامل الأساس في هذا النجاح هو التركيز على استقلالية الجائزة، فلجان التحكيم تتمتع باستقلالية كاملة في اختيار روايات القائمة الطويلة، ثم القائمة القصيرة، ثم الرواية الفائزة، وهذا مهم جدا. مجلس الأمناء لا يتدخل ولا يملي ما يريده على اللجان، كما أن لجنة العام القادم مثلا عُيّنت قبل شهور، والسبب في ذلك ألا يرتهن مَن عرف مَن عُيّن لذائقة أحد أعضائها في اختيارهِ العملَ الذي سيرشّحه.
ثانيا، الجائزة ليست جائزة تشجيعية ولا تقديرية؛ والمقصود بذلك أن الجائزة لا تقدّم لكُتّاب مكرَّسين، ولا نمنحها للتشجيع على الكتابة؛ بل نقول: هذه الجائزة تُمنَح للأعمال التي نُشرت في السنة التي سبقت الدورة الحالية؛ وبالتالي بدأت تظهر أصوات جديدة، لكُتّاب جدد، عادة في الماضي كانوا يتعرضون لا لضغط… بل كانوا يعانون من سيطرة الكتاب الكبار على الساحة الأدبية، والآن نجد كاتبا جديدا وقرّاء يشترون عمله ويقرؤونه.
هذه الجائزة عربية بالمعنى الثقافي؛ فيتقدم لها المغربي والجزائري والموريتاني والفلسطيني والسوري والجميع، ولا يوجد عندنا مبدأ محاصصة، ولو فازت دولة من الدول خمس مرات متتالية فليس هذا مشكلا إطلاقا؛ بل ما يهمنا القيمة الأدبية.
الأمر الآخر أن مجلس الأمناء مجلس يعمل بجدية، ولا يتقاضى فيه أي أحد ملّيما واحدا بما في ذلك رئيسه، والجميع يعمل عملا تطوعيا، ومعنى ذلك أنه لا أحد يستطيع شدّ الخيوط لأنك لا تتقاضى شيئا ولا مصلحة لك في ذلك. والمجلس يعمل بضمير حي جدا، وفيه أناس من الغرب والشرق، نساء ورجال، كبار في السن وأقل سنا. وهذه جائزة قراء لا جائزة نقاد، ونريد تشجيع القراءة. وقديما عندما تباع نسخة من رواية يقال إنها قُرئت، والآن تباع الآلاف من النسخ، ونجد الطبعات الخامسة والسادسة من الروايات.
توجد أيضا نوادي قراءة تقوم بحراك أدبي وتلتقي وتناقش اختيارات الجائزة، وسنطلق ورشات للتحرير الأدبي، فالتحرير مهم جدا، ونريد محرّرين أدبيين يقرؤون الرواية عندما تكون مخطوطة. ولا نتحدّث عن التصحيح اللغوي، بل أتحدث عمن يهتمون بمدى تماسك النص وشخصياته وما إلى ذلك.
أعتقد أن هذه المنظومة المتشابكة مع بعضها البعض هي التي أدّت إلى هذا الذي أرجو أن يكون نجاحا.
– لاحظ متابعو الجائزة انتقالا من استعمال “جائزة البوكر العربية”، في إحالة على الجائزة الإنجليزية البارزة، إلى التمسّك بعنوان مستقل هو “الجائزة العالمية للرواية العربية”، لماذا تمّ هذا؟.
نعم. الجائزة هكذا نريدها؛ من خلال هذا العنوان نريدها أن تنفتح على الآداب الأخرى.
هذا الانفتاح يتحقّق من خلال الترجمة، فالرواية التي تفوز تُتَرجم، وروايات أخرى من القائمة القصيرة تُترجم أيضا. ونهتم أيضا بأخذ الكُتاب إلى مهرجانات غربية وأجنبية، وأيضا إلى جامعات أجنبية.
في عمر الجائزة كان من أعضائها محكّمون من الصين واليابان، وهذه السنة من التشيك، وكذلك كان محكّمون من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبوسنة وغيرها، وهؤلاء يصيرون في الحقيقة جسورا ويفتحون لنا آفاقا في الآداب الأخرى، ويتحدثون عن الجائزة ويكتبون عنها، وقد يترجمون بعض رواياتها.
– بين المغارب والمشرق والخليج يطفو على السطح دائما احتفاء مجالي بالرواية المحلية، بلسان عربي. هل نجحت الجائزة في تقريب المنجز الأدبي للعالم العربي، من مختلف مناطقه، وتكريس ذائقة أدبية جديدة؟.
هذه الجائزة العربية للرواية العربية؛ ودائما أقول إن فوز رواية من المغرب مثلا فوز لكل الأدب العربي.
أقول أيضا: والله عيب يا جماعة، تسمون الرواية العربية الرواية العمانية والكويتية وما إلى ذلك من الدول، لكنها عندما تترجم إلى الإنجليزية أو الفرنسية تصير رواية عربية؛ فهل من المعقول أن الأدب يعود إلى عروبته عندما يترجم إلى لغات أجنبية، لكن بلغته الأم يكون قُطْريا إلى هذا الحد؟! هذا غير معقول ولا يجوز إطلاقا.
– هناك من يرى أن الجوائز الأدبية المدعومة من الدول، ولو أنها تشجع الكتابة والنشر والاحتفاء بالإبداع الأدبي، إلا أنها تحد من حرية الكاتب وتشجّع الرقابة السياسية والجمالية، ما رأيكم في هذا؟.
الرقابة الذاتية موجودة لأن الوضع قد لا يشجّع على الانفتاح الأكمل، لكن الكُتّاب عادة لهم طرائق مختلفة للالتفاف حول الرقابة، وهم مبدعون في ذلك.
لكن، تصلنا روايات من دور نشر لا من دول، وتوجد استقلالية لجنة التحكيم، والاحتفاء عبر الترجمة، ومجلس الأمناء لا يتقاضى شيئا، بل إن عضو مجلس الأمناء قبل سنته السبعين يسافر في الدرجة السياحية، فلا امتيازات، والامتياز الوحيد أنك تخدم الأدب العربي. والكثيرون يريدون أن يكونوا في مجلس الأمناء، وهذا أمر مهم؛ أن هناك أناسا يتطوعون دون النظر إلى الكسب المادي، وهذا ما يجعل هناك شجاعة في اتخاذ القرار.
– بين الشعر والمقامة العربية مثلا، التي تكاد تكون نوعا أدبيا بائدا، لماذا التركيز على الرواية في المشهد الأدبي العربي؟.
الرواية أصبحت الجنس الروائي الكاسح والأول في المشهد الأدبي العربي. أنا من محبي الشعر، والشعر مهم، لكني أعتقد أن الرواية نشأت في ارتباط بنشأة المدن وتعقّد الحياة، وظهور الطبقة الوسطى طبقة قائمة، وكأن الرواية هي الجنس الأدبي الأمثل لهذه المدن، وتعقيد الحياة.
الرواية عادة يكتبها ابن المدينة ومن يعيش فيها ويعرفها؛ لأنها تقوم على التعقيد، والحياة الريفية صعبة لكنها ليست مركّبة.
أعتقد أن الجنس الروائي هو الجنس الذي يتماشى مع التطورات البشرية والمدنية في مجتمعاتنا العربية؛ فهناك مدن كبرى، وأناس بأشكال وألوان متعددة، وعلى الرواية اكتناف هذا؛ فنشأتها كانت هكذا في المجتمعات الغربية.
– سبق أن قلتم إن الجائزة تهتم “بدور الأدب في لم الشمل في زمن يعاني التشظي، ويعم فيه الألم في أعضاء الجسد الواحد، لتداعيه لآلام عضو عزيز أصيل في هذا الجسد يطحن طحنا أمام أعيننا”، في إحالة على فلسطين المحتلة، وذكرتم في حفل تتويج رواية “قناع بحجم السماء” للأديب الأسير باسم خندقجي ما تعيشه غزة خاصة وفلسطين عامة.
(مقاطعا) نعم تحدَّثتُ عن باسم وغزة، وقلت: وأتمنى لغزة الحرية والخلاص.
– أستاذ ياسر سليمان، ما دور الأدب في زمننا العربي والإنساني الراهن؟.
عندما تفوز رواية من المغرب، وأقرؤها هنا (أبوظبي)، فهذه الرواية تربطني بفضاء عربي ثقافي لساني، وبالنسبة لي الأمازيغيُّ عربيٌّ باللسان وكذلك الهويات الأخرى في العالم العربي. قرأتُ مثلا رواية “الفسيفسائي” باستمتاع، وسبق أن زرت مكناس ولم أذهب إلى زرهون، لكن الكاتب نقلني إلى مكناس وزرهون، وإلى الماضي وتاريخ المغرب، ووصلَني بهذا المكان المسمّى المغرب. وعندما شاهدنا المقطع المصوّر عن الرواية في وليلي أردت أن أذهب إليها وأزورها وأرى هذا الجمال الذي كان موجودا في فصل الربيع.
هذه هي الرواية؛ ففي قناعتي هي تغني الفرد من حيث المدارك والأفكار. والرواية بالنسبة لي هي المتعة؛ من الضروري أن تكون هناك متعة في القراءة، وإغواء بالقراءة.
عندما تقول: ما الفائدة؟ أنا أريد أن أستمتع بالقراءة، ما العيب في ذلك؟.
المصدر: وكالات