تولي الحكومة المغربية أولوية خاصة لإصلاح قطاع الصحة في ظل المشروع الملكي الكبير لتعميم الحماية الاجتماعية وتيسير ولوج المواطنين إلى خدمات الرعاية الصحة في ظروف لائقة، غير أن تنزيل هذا الورش على أرض الواقع يواجه مجموعة من التحديات، أبرزها الخصاص المهول في الموارد البشرية وتوفير بنية استشفائية قادرة على مواكبة الورش الذي تصفه الحكومة بـ”الثورة الاجتماعية”.
في هذا الإطار، كشف خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، معالم الإصلاح الجديد لقطاع الصحة من خلال ترسانة جديدة من القوانين والإصلاحات التي اعتبرها ستسهم في خلق جاذبية جديدة للوظيفة الصحية للحد من نزيف هجرة الكفاءات والأطر الطبية.
ونفى وزير الصحة أن تكون الدولة ترفع الراية البيضاء أمام شركات الأدوية في ظل وجود اتهامات لمصنعين يرفضون تخفيض أسعار الأدوية. كما تحدث، في الحوار ذاته، عن موقفه من الابتزاز الذي يتعرض له المرضى المغاربة من قبل المصحات الخاصة بشأن ممارسات غير قانونية كـ”شيك الضمان” و”لخلاص بالنوار”.
نقص الأدوية و”لوبي الشركات”
نفى خالد آيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، وجود أي خصاص في دواء الغدة الدرقية، مؤكدا أن المغرب يتوفر حاليا على أربعة ملايين قرص من هذا الدواء في المستشفيات العمومية، وأن غيابه عن الصيدليات راجع إلى عدم تصفية العلاقة التجارية بين الموزع والصيادلة، خاصة في نهاية أو بداية السنة.
وبخصوص ارتفاع أسعار بعض الأدوية ورضوخ الدولة لما يسمى بـ”لوبي شركاء الأدوية”، أوضح البروفيسور آيت الطالب أن الدولة تقوم بمجهودات كبيرة في هذا الموضوع، ما أدى إلى تخفيض أثمنة حوالي ستة آلاف دواء، مضيفا أن وزارة الصحة تقوم بمعية مكتب استشارات بدراسة إلى أي حد يمكن تخفيض أسعار الدواء في المغرب.
وأشار وزير الصحة إلى التقلبات العالمية على مستوى انقطاع الدواء، وشدد على أن الدولة لا ترفع الراية البيضاء أمام المصنعين كما يروج لذلك بعض الأشخاص، مردفا بأن هناك مقاربة تشاركية للعمل جميعا، قطاعا خاصا وعاما، من أجل التقليص من الهامش الربحي للدواء والبحث عن إمكانيات لخلق أدوية جنيسة لتوفير الأدوية في السوق المغربية بأثمنة معقولة.
تعميم الحماية الاجتماعية
اعتبر وزير الصحة والحماية الاجتماعية أنه لا يمكن تزيل ورش الحماية الاجتماعية بدون وجود بنية استشفائية مؤهلة، موردا أن الإصلاحات الكبرى كانت ضرورية بعدما باتت المنظومة الصحية في المغرب “مشبعة”، أي لا يمكن أن تنتظر منها حاجة إيجابية أكثر فأكثر.
ويرى آيت الطالب أن المغرب تأخر كثيرا في اتخاذ بعض القرارات الجريئة بعد مضي 50 سنة من التهالك وتراكم المشاكل داخل القطاع والخصاص المهول، قبل أن تأتي التعليمات الملكية لتؤكد ضرورة وضع حد لهذا الأمر والقيام بثورة من خلال إصلاحات جديدة تأخذ بعين الاعتبار المورد البشري والمواطن المغربي.
ومن بين معالم الإصلاح الجديد، ذكر الوزير الوصي على القطاع إقرارَ التدبير الجهوي؛ حيث ستقوم كل جهة من جهات المملكة بتدبير مواردها البشرية الطبية وتوفير منشآت للتكوين، وذلك من أجل تفادي الضغط على المركز وتقليل الخصاص الذي يصل اليوم، بحسب الوزير، إلى 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض.
وفي ظل هذا الخصاص المهول، يردف آيت الطالب، جاءت فكرة تقليص الدراسة في كليات الطلب إلى ست سنوات، مبرزا أن المغرب وفرنسا هما البلدان الوحيدان اللذان ظلا يعتمدان 7 سنوات في التكوين رغم التطور التكنولوجي وسائل التكوين والبيداغوجيا.
ويهدف المغرب في متم سنة 2025، وفق وزير الصحة، إلى الانتقال بمؤشر 1.7 طبيب لكل ألف نسمة إلى 2.5 طبيب لكل ألف نسمة، وتطويره إلى 4.2 طبيب لكل ألف نسمة في السنوات القليلة المقبلة، وهذا المعدل هو من بين أهداف التنمية المستدامة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.
وردا على أسئلة هسبريس بخصوص الواقع المزري لبعض البنيات الصحية، شدد وزير الصحة على أن المغرب يتوفر على أجود المستشفيات والأجهزة المتطورة جدا، رافضا تكوين نظرة عن القطاع من خلال وضعية المستعجلات التي لا تعكس، بحسبه، صورة المستشفيات والأجهزة المتطورة، على اعتبار أن 80 في المائة من الوافدين على قسم المستعجلات لا يكونون في حالة طبية استعجالية ويساهمون بالتالي في خلق حالة من الارتباك.
نظام أجور جديد
كشف المسؤول الحكومي ذاته عن معالم مشروع القانون الجديد المتعلق بالوظيفة الصحية، الذي يعتمد على نظام أجور جديد لمهنيي الصحة يتكون من جزء ثابت من الأجور والتعويضات المخولة بموجب التشريع الحالي، وجزء متغير يتضمن التعويض عن الأعمال المهنية المنجزة، بالإضافة إلى إعادة النظر في التعويضات المالية عن نظام الحراسة والخدمة الإلزامية والمداومة المعمول بها حاليا.
وأشار وزير الصحة إلى أن الطبيب في سنوات السبعينات كانت مرتبته الاجتماعية هي الثالثة في المجتمع واليوم تراجعت إلى المرتبة 28، داعيا إلى إعادة النظر في الوضع الاعتباري للطبيب والممرض للحد من هجرة الأطر الطبية وشبه الطبية نحو الخارج.
وبخصوص الجدل الذي أثير بشأن إقرار نظام للتشغيل بموجب عقود بالقطاع، أكد الوزير أن الأمر يتعلق بالسماح للمجموعات الصحية الترابية بإمكانية التشغيل بـ”الكونطرا” للقيام ببعض الخدمات المحددة، أما التوظيف في قطاع الصحية فسيظل عبر المناصب المالية المركزية وعلى المستوى الجهوي لسد خصاص كل جهة على حدة.
المصحات الخاصة وابتزاز المرضى
جوابا على أسئلة هسبريس بشأن الابتزاز الذي يتعرض له المرضى المغاربة من قبل معظم المصحات الخاصة، من قبيل شيكات الضمان و”لخلاص بالنوار”، في مخالفة صريحة للقانون، قال آيت الطالب إنه يتفهم شكاوى الناس من هذه المعاملات غير اللائقة.
وأضاف أن القانون-الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، الذي جاء تنفيذا للتعليمات الملكية، لا يستثني القطاع الخاص، ونص على خلق مديرية خاصة لتدبير شؤون القطاع الخاص.
ومن بين المداخل لتجاوز الإشكالات التي تعتري الطب الخاص في المغرب، ذكر الوزير مسألةَ مراجعة “التعريفة المرجعية” التي باتت متجاوزة ولم يتم تحيينها منذ سنة 1998، موردا أن ذلك ترك فراغا رغم تقدم الطب والوسائل التكنولوجية التي توجد رهن إشارة المرضى.
المصدر: وكالات