سلطت ورقة بحثية حديثة، وردت في عدد هذا الشهر من مجلة “ليسكسوس”، الضوء على مشروع رقمنة التراث المكتب بحوض “أملن” بجبال الأطلس الصغير، مسجلة أن هذا المجال الجغرافي يزخر برصيد هام من الوثائق والمخطوطات، وقد عرف باحتضانه العديد من المدارس العلمية والزوايا التي تخرج منها علماء وفقهاء كثر.
وأضافت الورقة، التي كتبتها خديجة الراجي، أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير، وعبد الله السعدي، باحث في سلك الدكتوراه بالجامعة نفسها، أن “قبائل الأطلس الصغير اشتهرت باحتضانها العديد من المدارس العلمية العتيقة، التي تخرجت منها أفواج من العلماء، الذين بفضلهم ازدهرت حركة الإنتاج والتأليف في مجالات متعددة شملت التدريس والتوثيق والنسخ والإفتاء والقضاء وتدوين المعيش اليومي للإنسان بهذه الرقعة الجبلية من الصقع السوسي”، تشكلت من خلالها “أرصدة هائلة من الوثائق التي عملت الأسر بهذه الجبال على تخزينها وحفظها في البيوت والمخازن الجماعية عبر تقنيات ووسائل تقليدية”.
وسجلت أن “التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها المنطقة جعلت هذا التراث المكتوب يئن تحت وطأة جملة من المخاطر والآفات، مما يستلزم تضافر جهود الباحثين لإنقاذه”، من خلال نشر ثقافة الوعي بأهمية الحفاظ عليه وتوظيف التقنيات الحديثة في مجال الرقمنة لحفظه، مشيرة إلى أن تغير ظروف الحياة وهجرة ساكنة الجبل إلى فضاءات جديدة جعلا الإهمال يطال جزءا كبيرا من هذه الوثائق، فأضحى بعضها تحت ركام المخازن الجماعي، فيما يستعمل الخشبي منها في إيقاد النار.
وأضافت أن “وضعية التراث المكتوب بجبال الأطلس الصغير تسائل الباحثين والمهتمين، وتدعوهم إلى التفكير الجدي في الطرق الكفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ انحصر اهتمامهم في المتون، أما الجانب المادي لهذا التراث فلم يلق بعد ما يستحقه من العناية والاهتمام”.
وأوردت الوثيقة ذاتها أن “البوادر الأولى لمشروع رقمنة التراث الجبلي المكتوب انطلقت من خلال مبادرة أطلقتها جمعية “أنبدور إمي نتيزغت” تحت شعار: صورات أراتن نون”، مضيفة أن “هذه المبادرة لاقت استحسان العديد من المتابعين محليا ووطنيا، ومن بينهم مؤسسة “أرشيف المغرب”، التي دعا مديرها حينها إلى تنظيم مائدة مستديرة تحت عنوان “المجتمع المدني والأرشيف”، توجت بتوصيات مفادها أن الحفاظ على الأرشيف المحلي يعتبر من بين الأنشطة والمنجزات التي يجب أن تدرج ضمن الأنشطة الجمعيات المحلية”.
وأشارت إلى أن البحث الميداني الموازي لمشروع رقمنة التراث المحلي المكتوب ابتدأ بتاريخ 17 مارس 2022، من خلال “الزيارة العلمية التي قام بها الباحث عثمان الخلوفي لمجموعة من الدواوير والقبائل بحوض أملن بتوجيه ومواكبة من الدكتورة خديجة الراضي.. وشملت الزيارة أيضا لقاءات مع مجموعة من فقهاء المساجد والمدارس العتيقة، خاصة مدرسة تيركت ومدرسة إموساك والمدرسة الجشتيمية ومسجد تافراوت، وأخيرا زاوية سيدي عبد الجبار”.
وأوضح المصدر ذاته أن “مشروع رقمنة التراث المكتوب لحوض أملن ما زال في مراحله الأولى”، لافتا إلى أن “مشاريع رقمنة التراث المخطوط باتت ضرورة حتمية تستلزم تضافر جهود المجتمع المدني ومؤسسات الدولة والجامعات لما لها من دور في الحفاظ على هذا الصنف من التراث، باعتبارها وسيلة حديثة لتخزين الوثائق المحلية والمخطوطات الأصلية وتيسير الوصول إليها والاطلاع عليها”.
وأبرز أن “مشروع رقمنة التراث بالأطلس الصغير يعتبر اللبنة الأولى نحو إعادة الاعتبار للأرشيفات الخاصة بالأسر الجبلية بحوض أملن، وتجربة أساسية لتوجيه عمل الباحثين والمهتمين بالتراث المحلي المكتوب من جمعيات المجتمع المدني ومؤسسات جامعية وهيئات منتخبة من أجل العمل على رقمنة التراث المخطوط وترميمه وصيانته وتثمينه وتدبيره، من خلال عقد اتفاقيات وشراكات والسير نحو إطلاق مشاريع كبرى لرقمنة التراث المخطوط على المستوى المحلي والجهوي والوطني”.
المصدر: وكالات