خلصت ورقة بحثية مطوَّلة صادرة عن المعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي (المعروف اختصارا باسم IMIS ) إلى بسط ثماني توصيات وخلاصات لتعزيز وتقوية “الشراكة القارية”، التي شكلت منطلق وموجِّهَ العلاقة التي تربط المملكة المغربية بعمقها الإفريقي.
الورقة، المنشورة في أكثر من 40 صفحة باللغة الفرنسية، وهي نسخة أصلية للإصدار، جاءت عبارة عن “ورقة سياسات عامة” (Policy paper ) المؤلَّفة من قِبل أستاذ علوم الاقتصاد أحمد أزيرار، بمَعية الباحثيْن هشام قصراوي و أسماء فحيل، بعنوان “الاستراتيجية الاقتصادية للمغرب في إفريقيا: النموذج المغربي الشريف للتنمية المشتركة” (STRATÉGIE ÉCONOMIQUE DU MAROC EN AFRIQUE: LE MODÈLE CHÉRIFIEN DE CO-DÉVELOPPEMENT).
وقبل استعراض الفصل الأول لأوجُه “التكامل الإقليمي والاندماج الجهوي.. توجهات ديناميات المغرب التجارية والاستثمارية”، سعت ورقة السياسات العامة، التي طالعت جريدة هسبريس الإلكترونية نسختها الكاملة، في ما يشبه المقدمة، إلى بسط مسارات “فهْم تحديات سياقٍ إفريقي مازال في طور إعادة التشكّل”، وفق توصيفها.
تدابير عملية
انطلاقا من هذه الاستراتيجية الاقتصادية المغربية في إفريقيا، شددت الورقة على أن “المغرب يُبرهن –بلا شك- أن لديه رؤية واضحة وطموحة لتنمية قارّته، وهي رؤية ينفذها بشكل دؤوب”. واعتبر أنه “يمكن أن يستند هذا المسار المغربي إلى 8 إجراءات ملموسة لإبراز الفاعلين الرئيسيين وفهْم المستقبل بشكل أفضل”.
ودعت الوثيقة البحثية، أولا، إلى “مواصلة وتسريع ديناميات التنمية للبنيات التحتية على الصعيدين الوطني والقاري مع ضمان الربط والتشغيل البيني لهذه البنى التحتية”، قائلة إنه “لا يزال بإمكان المغرب الحصول على مزايا استراتيجية جديدة في العديد من القطاعات (الموانئ والسكك الحديدية ومجمَّعات تركيب الطاقة وإمدادات مياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي….).
في توصيتها الثانية، أثارت حتمية “إنشاء هياكل مراقبة ويقظة اقتصادية مخصّصة لإفريقيا لفهم دينامكيات الأسواق الأفريقية وتحديد الفرص ومحركات النمو”. وسواء كانت مرتبطة بالقطاعات الوزارية أو بالمديريات الاستراتيجية للشركات الكبيرة، فإن هذه الهياكل “تجعل من الممكن إبلاغ خيارات تحديد التموقع للمستثمرين من القطاعين العام والخاص”.
“توقُّع الملاءمة التشريعية للمدونات والقوانين الوطنية مع الحقائق الاقتصادية والتجارية الجديدة وإعداد مأسسة هيئات الإدارة الاقتصادية والمالية والنقدية القارية الجديدة”، توصية ثالثة عبارة عن اقتراح إجراء ملموس من الباحثين الاقتصاديين مؤلِّفي الورقة.
كما نادى المعهد البحثي نفسه بـ”إعادة التفكير في أنظمة الدعم للشركات الراغبة في التطور في إفريقيا، بما يضمن “تكييف عروض الدعم للشركات وفقا لحجمها ونوعيتها” (الشركات الصغيرة والمتوسطة، الشركات المتوسطة، المجموعات الكبيرة، وكذا قطاع نشاطها (مجال النشاط الاستراتيجي ، مجال التميز…) معتبرا أن “رصد احتياجاتهم الخاصة ستجعل من الممكن تحسين كفاءتهم والحصول على نتائج ملموسة”.
التوصية الخامسة همّت “تعزيز ظهور النظم البيئية الصناعية تشجيع تشكيل مجموعات المصالح الاقتصادية (GIE) وتبسيط تنظيمها، وخاصة بالنسبة للمُشغِّلين/الفاعلين في القطاعات الاستراتيجية”.
كما لم تغفل الورقة اقتراح “تطوير عروض تمويل محدَّدة لتطوير المشاريع الاستثمارية في أفريقيا”، مع مرافقة “تعبئة المستثمرين المؤسسيين والبنوك الوطنية لاقتراح آليات التمويل والتأمين الأمثل للشركات المغربية الراغبة في التطور في الأسواق القارية”.
دعم طموح المغرب ليكون بمثابة “قطب إزالة الكربون من الصناعة في إفريقيا”؛ من خلال “تفعيل استراتيجيته لعام 2050 لخفض الكربون، يمكِنُه أن يُثبت نفسه كمنصة لاستضافة الاستثمارات الصناعية الخضراء على المدى الطويل”، أوصت الورقة.
آخر التوصيات شددت على “تعزيز جاذبية المملكة كوجهة إفريقية أساسية للتدريب/التكوين والفرص الاقتصادية وتسهيل حركية المواهب”. وهذا يتطلب -على وجه الخصوص- “وضع المدارس العليا والجامعات المغربية في دورات تدريبية تستعد لمهن المستقبل (الرقمية، الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الحيوية، الروبوتات، التنقل المستدام، الطاقات المتجددة، الاقتصاد الدائري…) ومن خلال تعزيز النموذج الاجتماعي المغربي (عرض التعليم، الحماية الاجتماعية ، العدالة والأمن.. إلخ).
“رخاء إفريقيا”
“إذا كانت تنمية القارة الإفريقية اليوم ضرورة سياسية واقتصادية واجتماعية لمواجهة التحديات الجيوستراتيجية والجغرافية الاقتصادية والديمغرافية العديدة، فإن بعض الشروط المسبَقة تظل أكثر أهمية لتهيئة الظروف اللازمة لهذا التطور”، أوردت الورقة في إحدى أقوى خلاصاتها.
“أخيرا، فإن إفريقيا التي تبحث عن الرخاء هي إفريقيا التي تعطي صورة للنجاح. إن المشاريع الكبيرة التي تعطي الحياة لرموز ملموسة لظهور القارة الإفريقية مهمة لتحفيز القوى واستعادة ثقة مواطنينا وشركائنا.
ويجب على إفريقيا أن تغتنم كل الفرص للبرهنة على جدّيتها وطموحها وديناميتها. وَصْفتُها في ذلك: مصداقية الخطاب وشرعية الإنجاز”، ختم مؤلِّفو الورقة.
أبرز المضامين
الفصل الأول من الورقة تناول في محور “ديناميات التكامل التجاري للمغرب في منطقته الأفريقية” ثلاث نقاط أساسية؛ أبرزها “تجارة المغرب مع بقية إفريقيا”، معرجا على موضوع “إمكانية تكامل سلاسل الإنتاج” فضلا عن “اتّساق الواردات المغربية من القارة”. كما تحدث في محورين منفصليْن عن “دينامية الاستثمارات المغربية” في إفريقيا و”البنى التحتية”.
أما الفصل الثاني، فتطرق بإسهاب إلى “الإطار المنهجي للاستراتيجية الاقتصادية القارية للمغرب”، حاصراً إياها في أربعة مبادئ كبرى، ثم في أربع دعامات أساسية، وفق فهرسة الورقة المذكورة.
المصدر: وكالات