هذا الوثائقي سيرة ذاتية عن شابة حققت حلمها بأن أصبحت نجمة عالمية. يرصد الفيلم سيرة عمل خلال عمر طويل. (“أنا سيلين ديون 2024” من إخراج إدين تايلود برودسكي) فيه شرح مبهج للعمل مع الآخرين لتحقيق النجاح المستدام لا المؤقت. من هنا، فسيلين ديون قدوة لملايين النكرات… ما الثمن الذي ينبغي دفعه لتجسيد هذا الشغف؟
سيلين ديون فنانة تصنع أشياء جميلة، لم تطق أن يصدر عنها صوت نشاز، وذلك احترامًا للجمهور. اكتشفت بشاعة صوتها بعد المرض فعزّت نفسها: “كنت فنانة رائعة”.
لكي لا يضيع هذا المسار العظيم، يعرض الفيلم كيف تخصص الفنانة كل وقتها للتمرن، تغني وتشخص المشاعر التي ستجسدها. يأتيها الكُتّاب والمخرجون والأطباء والممرضات إلى بيتها. يدلل الأغنياء أجسادهم، صار الجسد أهم من الروح، كلفة صالات الرياضة والمساج أعلى كلفة من دور العبادة.
شغل التدريب الفنانة عن تقليم أظافرها، لذلك تتساءل في أغنية: “هل يمكن للجمال أن يتجلى في الرماد؟”
نعم، يمكن إذا تم صهره ليصير قلب ماس، مثل ذلك الذي كانت تضعه روز في فيلم “تيتانيك” (1997) من إخراج جيمس كاميرون.
هذا التحول هو أفضل درس لمن يعشقون دراسة الفن.
ما أروع الإبداع، الشهرة، الإنجاز، والاعتراف.
يمنح الجمهور الفنان طاقة هائلة… حينها يحب الفنان نفسه فيبدع بطريقة أفضل… دون جمهور، يتقهقر الفنان وييبس ويموت في عزلته، ويصير محرومًا من العيش على سخاء شباك التذاكر.
حققت الشابة حلمها بأن أصبحت نجمة عالمية. هذا حلم الجميع، لا أحد يرغب أن يكون نكرة.
وهي تعرض منجزها الفني ومعرض ملابسها في كل حفلة. لا، سيلين لا ترتدي الثوب مرتين لأنه مميز، عظيم… يبدو هذا كرثاء مبكر، والأهم كعرض لمراحل النجاح لتكون قدوة للحالمين بالشهرة.
تعيش سيلين أداءها، تمسرحه قليلاً رغم تقدمها في العمر. فجأة، وبسبب تغير الصوت، أوقفت العرض بحجة تغيير الملابس. ثروة المغني صوته، هو توقيعه الحميمي لعمله الفني. كان عبد الحليم حافظ قد عانى من تغير صوته بسبب فيروس الكبد.
هذا كل شيء. الفيلم فقير على صعيد اللغة السينمائية، هذا ربورتاج سريع تنقذه مقاطع الغناء من الملل.
ما سبب هذا الفشل البصري؟
مزدوج: استعراضي وإعلامي.
أولًا، سيلين ديون مغنية تُسمع أكثر مما تُرى، بينما تحبذ الكاميرا الشخصيات الاستعراضية… في التسويق العصري الرقمي المصور، تتفوق الفنانة التي تخاطب العين على تلك المطربة التي تخاطب الأذن. هذا قياسًا على تفوق الكاميرا على ميكروفون الراديو.
هذا مثال مضاد لموديل في استعراض الجسد: المغنية تايلور سويفت.
ترقص سويفت منحنية بفم مفتوح. الإغواء مدوٍ مع التّبان. منذ الثورة الجنسية، سرت مزاعم بأن تحليلات فرويد فقدت تأثيرها، لكن الموضة والفضائح تثبت أن الإنسان الحديث لم يتحرر من الليبيدو، ولن يتحرر منها إلا إن ذاق وشبع.
ثانيًا، سيلين ديون تغني، وليس في حياتها فواصل متذبذبة من الأزمات الشخصية والعاطفية. لم تفشل 21 مرة في علاقة عاطفية مع لاعب كرة سلة يكسب مليون دولار في الشهر. تنبع شهرة سيلين من عملها الفني، وليس من توالي الفضائح. ليس لديها أخبار وصور وملابس “سيكسي” بخلاف الشابة الشقراء طويلة القامة تايلور سويفت.
حسب أوسكار وايلد، في مقدمة روايته “صورة دوريان جراي” (1890)، فإن “غاية الفن أن يكشف عن نفسه ويُخفي شخصية الفنان”. الفن هو المهم، لا شخص الفنان. لكن ليس هذا هو حال الجميع.
الفنان على المنصة أعظم من الفنان في غرفة نومه. لكن في زمن الصورة، تغير الكثير من المعايير الفنية.
هناك طريقان للشهرة:
الطريق الأول هو أن يقدم الفنان فنه، إبداعه، وهو ثمرة ثقافته وجهده. والثاني أن يقدم شخصه وصوره وأخباره… لإثبات نفوذه. في الحالة الثانية، تقدم الفنانة طُعمًا للصحافة الرقمية الصفراء لتبقى في الواجهة. بهذا الأسلوب، اشتهرت مغنيات بشكل أقوى وأسرع من سيلين ديون؛ مغنيات دون صوت، بأقل من أغنية وبألف صورة بثوب أحمر شفاف تحت المطر.
صارت النحلة أشهر من عسلها.
لضمان هذا الطريق المصوَّر، يعمل فريق محترف على تنمية قصص قصيرة عن حياة الفنانة، قصص (Storytelling) تصير حملة إعلانية ممنهجة… منذ أشهر تتوقع الصحف أن تعلن تايلور سويفت مساندتها للمرشحة كمالا هاريس. يُفترض أن يكون الفنان تقدميًا.
بفضل إدارة رواية القصص، التي تعطل الخيال وتنسق عقول المستهلكين المعجبين، تصنع الدعاية لنفسها. تقدم صور جسد باذخًا، وهذا يغذي عبادة الشخصية. وغالبًا ما يُغمى على العبيد المتزاحمين لاستقبال النجمة.
كل هذا لن يطمس الفرق بين أغاني خالدة وأغاني زائلة.
لشرح هذا التسويق الإعلامي، كتب كريستيان سلمون (Christian Salmon) كتابًا عن (Storytelling) في 2016، وبيّن كيف تصنع “الرواية الآلية المصورة” الهالة الإعلامية وتسوق صورًا وحكايات تخدم النجوم وحتى السياسيين.
وقد كشف عن تأسيس مركز للحكي المستقبلي (Center for Future Storytelling) بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وذلك بهدف الانتقال من سرد تقليدي إلى سرد مرن قادر على أن يأخذ بعين الاعتبار غنى وتعقّد الحياة، وعلى إيجاد روابط بين الأشياء، وبالتالي تكييف الأشكال التقليدية للسرد مع وسائل الاتصال الحديثة؛ الهاتف المحمول، الإنترنت.
واضح إذن أن الحكي لن يفقد مواقعه مستقبلًا.
ويصير هذا الحكي أكثر تأثيرًا حين يرويه الجسد، كما شرحت نظرية الصورة الجشطالتية.
الجسد هو آلة عمل الفنان. سر نجاح سيلين ديون هو صوتها، وهذه نقطة ضعفها البصرية. مرض جسدها أضر بصوتها. كيف ستتعايش مع وضعها؟
تطلب من الجمهور ترديد مقطع من أغنية لها، تقول: “أنا ما أنا عليه”. تتابع العمل وهي تردد مقطعًا من أغنيتها: “معًا هكذا سنبقى إلى الأبد”، سعادة إلى الأبد.
أسقطت السينما من سردها خواتم ألف ليلة: “إلى أن جاءهم هادم اللذات ومفرق المعجبين”.
المصدر: وكالات